تحرك تحت "جناح الصمت".. ماذا يعني تعليق ألمانيا "نورد ستريم" مع روسيا؟
أعلن المستشار الألماني، أولاف شولتز، ظهر اليوم الثلاثاء، تعليق مشروع "نورد ستريم 2" لنقل الغاز الروسي لأوروبا، حتى إشعار آخر.
الخطوة الألمانية جاءت بعد ساعات فقط من إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الاعتراف باستقلال بجمهوريتي دونيتسك ولوهانسك الانفصاليتين، في تصعيد كبير بالأزمة الأوكرانية.
وتعليق "نورد ستريم 2"، كان محور ضغوط كبيرة مورست على ألمانيا في الفترة الماضية، من قبل الولايات المتحدة وأوكرانيا وحلفاء غربيين آخرين، نظرا لأهميته الاقتصادية المفصلية لموسكو، واعتباره أحد أهم العقوبات التي يمكن فرضها على الأخيرة في حال غزت أوكرانيا.
ويستهدف مشروع "نورد ستريم 2" الأكثر إثارة للانقسام في أوروبا مضاعفة كمية الغاز المتدفق من روسيا مباشرة إلى ألمانيا، متجاوزا دولة العبور التقليدية أوكرانيا، عبر قاع بحر البلطيق، ما يعني انتعاشة كبيرة للاقتصاد الروسي، ويدر عليه عوائد ضخمة للغاية سنويا.
وعلى المدار الأسابيع الماضية، ذكر المسؤولون الأمريكيون مرارا وتكرارا، أن خط "نورد ستريم 2" لن يستمر إذا غزت روسيا أوكرانيا، ما يعني أن واشنطن لن تسمح باستمرار هذا المشروع في حال السيناريو الأسوأ.
وفي نهاية عام 2021، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية نيد برايس، إن خط أنابيب "نورد ستريم 2 " بين روسيا وألمانيا لن يمضي قدما إذا تمت عملية الغزو لأوكرانيا.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، إذ قال الرئيس الأمريكي جو بايدن في وقت سابق الشهر الجاري إن خط أنابيب الغاز "نورد ستريم 2" سيتوقف إذا غزت روسيا أوكرانيا وشدد على الوحدة مع ألمانيا في الوقت الذي يحتشد فيه الغرب لتجنب حرب في أوروبا.
وفي مؤتمر صحفي بالبيت الأبيض مع المستشار الألماني الجديد أولاف شولتس، قال بايدن إن عبور القوات الروسية إلى أوكرانيا سيؤدي إلى إغلاق الخط.
جميع الخيارات مفتوحة
وأمام هذه الضغوط، اتبعت ألمانيا سياسة "الصمت" حيال "نورد ستريم ٢"، وعدم الحديث عنه بشكل مباشر في إطار الأزمة المتصاعدة في أوكرانيا، والاكتفاء بالقول إن "جميع الخيارات مفتوحة".
وقال شولتز في نفس المؤتمر مع بايدن إن الولايات المتحدة وألمانيا تتبعان النهج نفسه تجاه أوكرانيا وروسيا والعقوبات، لكنه لم يؤكد بشكل مباشر الخطط الخاصة بنورد ستريم 2 أو يذكر خط الأنابيب علنا بالاسم خلال زيارته التي استمرت يوما كاملا.
وبعد لقاء بايدن في البيت الأبيض في الـ7 من الشهر الجاري، لم يشر شولتز في أي تصريحات صحفية، بشكل مباشر إلى وقف خط "نورد ستريم ٢"، لكنه أكد مرارا وتكرارا أن كل الخيارات ستكون مطروحة على الطاولة إذا غزت روسيا أوكرانيا، متحدثا أيضا عن "ثمن باهظ" لهذا الغزو.
لكن "الصمت" الألماني لم يكن يعكس رفضا لخطوة تعليق "نورد ستريم 2"، وتضمينه ضمن حزمة العقوبات الغربية المتوقعة على موسكو، بل كان يغطي تحركات حثيثة استمرت أسابيع في دوائر الحكومة الألمانية استعدادا للتوقيت المناسب للخطوة.
ونقلت مجلة "دير شبيجل" الألمانية عن مصادر حكومية قولها إن "وزير الاقتصاد الفيدرالي ونائب المستشار روبرت هابيك، أمر الشبكة الفيدرالية المنوطة بمنح تصريحات للمشاريع على الأراضي الألمانية، بسحب شهادة التقييم الإيجابي، والتي تعتبر حاسمة بالنسبة للتصديق المعلق لخط أنابيب "نورد ستريم ٢"، وبالتالي تدشين عمله.
تعليق التصديق
وكانت عملية التصديق على مشروع خط "نورد ستريم 2" معلقة منذ نوفمبر/تشرين ثاني الماضي، رغم الحصول على "شهادة التقييم الإيجابي" المطلوبة، بسبب طلب الشبكة الفيدرالية تنظيم الشركة المشغلة للمشروع وفق القانون الألماني، وهو ما كانت شركة "نورد ستريم ٢" تستعد لتداركه عبر إشهار شركة فرعية في الأراضي الألمانية.
وبذلك، لم يتدفق الغاز عبر خط الأنابيب "نورد ستريم ٢"، حتى الآن رغم اكتمال تشييد الخط البالغ طوله 1230 كيلومترًا من روسيا عبر بحر البلطيق إلى ألمانيا، بسبب تعطل إجراءات التصديق خلال الفترة الماضية، إلا أن قرار شولتز اليوم بسحب التقييم الإيجابي وتعليق الخط، يضرب جهود تشغيله التي كانت تسير على قدم وساق.
وشهادة التقييم الإيجابي التي أصدرتها حكومة المستشارة السابقة أنجيلا ميركل في أكتوبر/تشرين أول الماضي، تستند بشكل أساسي إلى تقييم أمن إمدادات الغاز الطبيعي في ألمانيا، حيث كانت برلين ترى في ذلك الوقت أن أمن إمدادات الغاز لن يتعرض للخطر في حال الاعتماد على "نورد ستريم ٢"، أي أن الحكومة السابقة لم تر مخاطرة في الاعتماد على روسيا بهذا الشكل الكبير في تأمين احتياجات البلاد من الغاز.
ووفق دير شبيجل، لم تنظر الحكومة الجديدة التي تولت السلطة في ديسمبر/كانون أول الماضي، بنفس المقاربة لخط "نورد ستريم 2"، واقتنعت بتغير الأمور بسبب إعادة تقييم الوضع الجيوستراتيجي، وفي ضوء التصعيد في شرق أوكرانيا.
وبحسب مصادر في وزارة الاقتصاد الألمانية، فإن "حصول نورد ستريم ٢ على تصديق التشغيل، غير ممكن بدون هذه شهادة التقييم الإيجابي".
ووفق المصادر ذاتها، كان هابيك يستعد لخطوة تعليق "نورد ستريم" منذ تولي الحكومة السلطة في ديسمبر/كانون أول الماضي، ولم يشاطر هابيك الحكومة السابقة، أبدًا، وجهة نظرها الإيجابية حيال المشروع.
وفي الأسابيع القليلة الماضية، نجح هابيك في إقناع شولتز بضرورة سحب التقييم الإيجابي للمشروع في حال حدث تطور سلبي على الجبهة الأوكرانية.
وتعتزم وزارة الاقتصاد الألمانية، في الأسابيع المقبلة، إجراء دراسة شاملة لتأثيرات التطورات الجيوسياسية والوضع في شرق أوكرانيا على أمن إمدادات الغاز الطبيعي لألمانيا.
aXA6IDEzLjU5LjE4My4xODYg جزيرة ام اند امز