ألمانيا والمنطقة الآمنة في سوريا.. دور سياسي جديد في المنطقة
سياسة أنقرة في سوريا تحديدا، من الممكن أن تنعكس على أمن أوروبا، وهذا ما يمثل هاجسا بالنسبة إلى ألمانيا بوجه خاص.
تشهد العلاقات ما بين برلين وأنقرة الكثير من الجدل، فكلاهما يحرصان على إبقاء هذه العلاقة، ودون شك، هناك دوافع وراء هذا الحرص، يتمثل في المصالح المشتركة، وربما حاجة ألمانيا إلى "ضبط" سياسة أردوغان في سوريا، من أجل تقليل خطر تدفق موجات الهجرة واللجوء، إلى جانب أن برلين تعتبر تركيا بوابة إلى تدفق "الإرهابيين" من سوريا إلى أوروبا والعكس.
هاجمت وزيرة الدفاع الألمانية "أنغريت كرامب كارنباور" تركيا والولايات المتحدة بسبب العملية العسكرية التي تشنها القوات التركية شمالي سوريا.
وقالت الوزيرة، خلال مؤتمر للحزب المسيحي الاجتماعي البافاري بمدينة ميونخ في 19 أكتوبر/تشرين الأول الجاري: "من وجهة نظري، هناك إشارتان كان لهما مدلول خطير على المدى البعيد، واحدة منهما أن الأمريكيين أعطوا ظهورهم لهؤلاء الذين كانوا يقاتلون تنظيم داعش على الأرض من أجلهم، وهذا يثير سؤالاً حقيقياً حول موثوقية حليفنا داخل حلف شمال الأطلسي وأقوى دولة على مستوى العالم".
وتساءلت "كرامب كارنباور": "هل تركيا شريك في الناتو أم لا؟"، ما تقصده أن العمليات العسكرية للجيش التركي مخالفة لقوانين "الناتو" ومواثيقه، ومن الممكن أن تهدد تماسك الناتو من الداخل.
كما دعا خبير في الشؤون الخارجية وكذلك رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الألماني المنتميان إلى حزب المستشارة ميركل، إلى تأسيس منطقة حماية إنسانية شمالي سوريا، والاستعانة في تنفيذ ذلك بقوات من دول الاتحاد الأوروبي، وإشراك ما بين 30 ألفا إلى 40 ألف جندي من دول الاتحاد الأوروبي، لكن ذلك يتطلب تقديم مقترحات لإرسال جنود أوروبيين، بينهم جنود من الجيش الألماني، إلى "المنطقة الآمنة".
وذكر "كيزه فيتر" خبير الشؤون الخارجية بالحزب المسيحي الديمقراطي أنه يتعين على الاتحاد الأوروبي أن يعرض على تركيا، بالتنسيق مع روسيا، تأسيس هذه المنطقة تحت تفويض دولي للأمم المتحدة، على سبيل المثال، واستدرك قائلا: "لكن إذا لم نواصل، نحن الأوروبيين، بذل الجهود، سنصبح أُلعوبة.. إذا لم تصبح لنا مشاركة هناك، سنستشعر التداعيات بشدة على الأراضي الأوروبية".
انعكاسات أمنية
سياسة أنقرة في سوريا تحديدا، من الممكن أن تنعكس على أمن أوروبا، وهذا ما يمثل هاجسا بالنسبة إلى ألمانيا بوجه خاص وأوروبا بشكل عام، خاصة أن ألمانيا توجد فيها جالية تركية تجاوزت 3 آلاف شخص، وما يعقد الأمر، وجود جالية كبيرة أيضا من أكراد تركيا في ألمانيا، وهو ما دفع الحكومة الألمانية إلى التعبير عن مخاوفها إزاء ما يحدث في شمال سوريا، وأن تنتقل المواجهات ما بين الأكراد والأتراك إلى الداخل الألماني، خاصة أن بعض المدن الألمانية شهدت تظاهرات أثارت حالة من الخوف وسط الشرطة الألمانية، وحدوث اعتداءات متبادلة بين الأتراك والأكراد على مراكز ومساجد ومؤسسات.
المخاوف تجاوزت ألمانيا، لتعصف بحلف الناتو من الداخل، وهذا ما يمكن قراءته في تعليقات وزيرة الدفاع الألمانية، وهي تعليقات جريئة، ربما لم تعهدها الدبلوماسية الألمانية من قبل، والتي كثيرا ما وصفت بمهادنة أردوغان وعدم وضع حد لتجاوزاته.
هاجس الحكومة الألمانية، حول ما يجري من غزو في شمال سوريا، إلى جانب الفوضى وأنشطة تنظيم داعش والجماعات الإرهابية في شمال سوريا، تصاعد خلال السنتين الأخيرتين، وما جاء من ردود فعل من قبل سياسيين وأعضاء في الحكومة الألمانية، يعكس طموحات ألمانية جديدة للعب دور سياسي في المنطقة، يتناسب مع حجم ألمانيا السياسية ووزنها الاقتصادي دوليا.
التقديرات تشير إلى أن ألمانيا ممكن أن تلعب دورا فاعلا في المرحلة الحالية في سوريا، لكن هذا الدور سوف يتمحور في المواقف السياسية، مع رفع وجود جنود الألمان في سوريا، وربما يكون هناك تغيير في مهام هؤلاء الجنود، رغم أن الدور الألماني ما زال نمطيا ولا يتعدى الدعم اللوجستي لقوات التحالف.
وهذا يعني أن ما تقوم به ألمانيا من رفع حدة "لهجتها" مع أردوغان وما تقدمه من مقترحات لكي يكون لها دور في "المنطقة الآمنة" سوف لا يكون فاعلا عند أردوغان، وهذا ما يمكن أن يصعد حدة الخلافات ما بين أنقرة وبرلين من جهة ومع بروكسل من جهة أخرى، ومع الناتو أيضا.
إضعاف أوروبا والناتو
ما يقوم به أردوغان هو محاولة جر الناتو والاتحاد الأوروبي إلى تحديات، هما في غنى عنها، تصب في صالح موسكو وأنقرة، من أجل إضعاف أوروبا واستنزافها، وهذا ما يثير الكثير من التساؤلات حول عضوية تركيا في الناتو بعد أن وضعت بروكسل عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي جانبا، وبات متوقعا أن تشهد علاقات تركيا مع ألمانيا وأوروبا تدهوراً أكبر، وهذا من الممكن أن ينعكس على أمن ألمانيا وأوروبا خلال هذه المرحلة، تحديدا مواجهات محتملة بين الأتراك والأكراد في ألمانيا وأوروبا، وهذا يمثل تهديدا مباشرا لأمنها.
ختاما يمكن القول بضرورة وجود دور قوي وحازم من قبل برلين وبروكسل وواشنطن، أمام انتهاكات أردوغان وسياساته في دول المنطقة، ووضع حد أيضا لتجاوزاته التي باتت توصف بأنها خارج اللياقة الدبلوماسية، وضبط العلاقة ما بين الحكومة الألمانية ومواطنيها الألمان من أصول تركية، كون تصريحات أردوغان تعمل دائما للترويج على الكراهية وإثارة الفتن، وهي ما يتعارض أيضا مع مواثيق المفوضية الأوروبية لمحاربة الكراهية والتطرف.