هوامش حول ما يجري في شمال سوريا
الإتفاق الأمريكي مع تركيا رغم انه حقق هدنة إلا انه لم يضع اي إطار للتعامل بين اطراف الأزمة و تركها مفتوحة علي العديد من الاحتمالات.
يشهد الشمال الشرقي لسوريا تطورات كبيرة ، غيرت من توازن القوي و احدثت تحولات فى مراكزها ، وخريطة السيطرة الجغرافية شرق الفرات و ادارة الحكم و العملية السياسية بصفة عامة خاصة بعد توقف عملية الغزو التركي للمنطقة، وإن كان الاتفاق الأمريكي التركي قد أوقف العملية العسكرية التركية مقابل تراجع القوات الكردية لمسافة 120 كم.
الاتفاق بين الرئيسيين الروسي و التركي جاء ليصبح المتغير الاساسي لما يجري من تطورات و توازنات في الشمال السوري وفي الأزمة السورية خلال الفترة القادمة وذلك بالنظر للاعتبارات التالية:
- الاتفاق الأمريكي مع تركيا رغم أنه حقق هدنة في العملية التركية إلا انه لم يضع أي إطار للتعامل بين أطراف الأزمة وتركها مفتوحة علي العديد من الاحتمالات، ورهنا بمواقف وممارسات تلك الأطراف، كما أنه لم يؤثر علي الاستراتجية التركية لمحاصرة القوات العسكرية للأكراد، وتجريدهم من قدراتهم المختلفة و ليس فقط ابعادهم عن منطقة الحدود.
- كشف الانسحاب الأمريكي عن ضعف القدرات العسكرية للأكراد، ودفعهم لمراجعة موقفهم من الحكومة المركزية في دمشق وهو أمر كانت تعارضه الولايات المتحدة والدول الغربية حتي لا يزيد ذلك من أوراق المساومة التي يمتلكها النظام السوري في تطورات ومسارات الأزمة السورية.
- لم تنجح تهديدات السلطة الكردية في استخدام ورقة المعتقلين من داعش خاصة الذين ينتمون لدول أوروبية في كسب موقف أوروبي أكثر مساندة لها في مواجهة تركيا و رغم الإعلان الأمريكي عن هروب 100 داعشى و الإعلان الروسي عن ان الهاربيين الداعشيين من سجون الأكراد حوالي 500 ، إلا ان الموقف الاوروبي اقتصر علي طرح مبادرة المانية لإقامة منطقة فاصلة ، تضمنها قوات دولية ، و تتوافق مع الطموحات التركية في النهاية ، و هي مبادرة غامضة و تتجاهل تفاصيل الازمة.
جاء الإتفاق الروسي التركي والذي وضح تفهمه للمطالب التركية خاصة ما أوضحته تصريحات كبار المسؤولين الروس والأتراك والتي اشتملت علي الأتي:
- إقرار السيطرة التركية علي منطقة تتوسط الشريط الحدودي وتمتد بين مدينتي تل أبيض و رأس العين بامتداد 120 كم وهي المنطقة التي انتشرت فيها قوات تركية قبل الهدنة وبموافقة واشنطن.
- وقف التمدد التركي شرقا وغربا، كما سبق أن أعلنت تركيا وبعمق 30 كم والاتفاق علي تسيير دوريات مشتركة في باقى المناطق بعمق 10 كم فقط علي أن تساعد القوات الروسية والسورية في انسحاب القوات العسكرية الكردية من المنطقة الممتدة من نهر الفرات بما فيها مدينة عين العرب وشرق القامشلى وتمتد حتى الحدود العراقية وباستثناء مدينة القامشلى التي تتمركز فيها الإدارة الذاتية الكردية.
- انتشار الجيش السوري خارج منطقة السيطرة التركية علي امتداد الحدود مع تركيا و كذلك في المنطقة من المالكية حتي راس العين شمال الحسكة ومن تل أبيض شمال الرقة حتي ممبج شمال حلب دون الانتشار داخل مدن راس العين و تل أبيض، كما سيتم باشراف تركيا إقامة إدارات حكم ذاتية في المناطق التى تحت حمايتها.
- الاتفاق علي تنشيط إتفاقية أضنة الموقعة بين سوريا و تركيا عام 1998 وخاصة ما كانت تتضمنه من السماح للقوات التركية بتعقب أي انشطة كردية معارضة داخل الحدود السورية بعمق 5 كم مع تطويرها دون تحديد المقصود وهو ما يعني إعطاء شرعية للتدخل التركي العسكري في الاراضي السورية دون ضوابط.
- حرصت روسيا علي التشاور المسبق مع الحكومة السورية و الأكراد قبل لقاء بوتين وأردوغان وفي أعقابه لاتخاذ الإجراءات اللازمة لتنفيذه، و هو ما تحقق من انسحاب القوات العسكرية الكردية واتشار الجيش السوري لأول مرة منذ ثمانية أعوام من المنطقة الشمالية.
الشمال السوري علي النحو السابق يكشف عن ملامح و طبيعة جديدة للواقع السياسي و العسكري من اهمها ما يلي:
- إجهاض مشروع الدولة الكردية وانتهاء الكيان الكردى المستقل فى سوريا وفشل المراهنة الكردية فى هذا الشأن على الولايات المتحدة والدول الأوروبية وتراجع الطموحات الكردية إثر ذلك على قبول الحصول على نوع من اللامركزية ضمن الدولة السورية المركزية وإن كان الإندماج فى مؤسسات الدولة السورية سوف يظل مرهونا بمدى جدية الأكراد وتوقف التدخلات الخارجية خاصة الأمريكية.
- نجاح تركيا فى تنفيذ هدفها الرئيسى فى منع قيام دولة كردية مستقلة فى شمال سوريا ارتبط بمواقف داخلية إلى جانب الطموحات الخاصة لأردوغان حيث تخدم هذه القضية التعامل مع حزب العمال الكردستانى الذى تشدد فى مباحثاته أثر تنامى ثقل ودور الأكراد الموالين له فى الشمال السورى وتسعى تركيا لاستثمار هذه التطورات فى إعادة المباحثات بين الطرفين خلال الفترة القادمة.
- من اللافت الزيارة التى قام بها الرئيس السورى إلى ريف محافظة إدلب فى نفس توقيت اجتماع بوتين و أردوغان وتوجيهه اتهامات لازعة فى تعبير عن تحفظه على بعض جوانب التعامل الروسى مع تركيا، واللافت كذلك نجاح الجيش السورى فى السيطرة –فى عملية مفاجئة- على سلسة الجبال المحاذية للحدود التركية مع ريف اللازقية الشمالى الشرقى وريف إدلب الجنوبى الغربى، وتصفية مجموعات كبيرة من الحزب الإسلامى التركستانى الموالى لتركيا.
- أدت تلك التطورات إلى تبلور نوع من الخلاف الإيرانى التركى رغم التنسيق المستمر بينهما فى الأزمة السورية إلا أن العملية التركية قد كشفت عن طبيعة الصراع المستتر بينهما حيث وضح حجم قلق إيران من تمدد النفوذ التركى، وإن كان من الثابت أنه لا يوجد خلاف فى رؤية البلدين الرافضة فى قيام كيان كردى مستقل، فإنه من الثابت أيضا سعى كل منهما لفرض السيطرة والهيمنة فى سوريا، وإن كانت السياسة التركية أكثر وضوحا على هذا المستوى فإن إيران تسعى لتحقيق نفس الأهداف بأسلوب مختلف ويتزامن التمدد التركى فى الشمال السورى مع تحركات مشبوهة لإيران فى منطقة دير الزور تستحق الإهتمام.
- أصبحت روسيا هى اللاعب الرئيسى ليس فى الشمال السورى فحسب ولكن الطرف الفاعل الرئيسى فى الأزمة السورية بأبعادها المختلفة الذى ملأ فراغ الإنسحاب الأمريكى والغربى العسكرى والسياسى وهى التى تدير الحوار والتفاهمات بين دمشق والأكراد وبين دمشق وأنقرة.
- لا تزال هناك بعض التفاصيل فيما جرى من اتفاقات وتفاهمات بين الأطراف المعنية وسيظل تحقيق إنجازات فعالة رهنا بالدور الروسى وتجاوب تلك الأطراف معه.
- المتغيرات الجديدة فى الشمال السورى لم تأت فى صالح إسرائيل التي كانت تراهن على علاقاتها بالإدارة الذاتية الكردية التى تزايدت فى الفترة الأخيرة لتحقيق اختراق فى الدولة السورية.
- لاشك أن مجمل التفاهمات التى جرت لم تأت فى صالح تنظيم الدولي للإخوان الذى ساند العملية العسكرية التركية وسمى الجيش التركى بـ"الجيش المحمدى" و دفع بالفصائل العسكرية التابعة له لتكون فى مقدمة الغزو وتحتل مناطق العمليات إلا أن إنتشار الجيش السورى لم يأت فى صالحها وقضى على ما يسمى بالجيش الوطنى التى كانت تركيا تسعى ليكون طرفا عند تسوية الأزمة السورية.
- رغم الانسحاب الأمريكى من الشمال إلا أن دوائر صنع القرار الأمريكية العسكرية و الإستخبارية لا تزال تصر على وجود أمريكى يتركز فى منطقة ابار البترول السورية و كذلك فى مثلث الحدود السورية العراقية الاردنية و منع إستعادة الدولة السورية لتلك المناطق بدعوى محاربة داعش و منع التمدد الإيرانى.
aXA6IDE4LjIyNC41Ni4xMjcg جزيرة ام اند امز