غانا Vs سواريز.. حلم الانتقام من "الشرير" يعود بعد 12 عاما
تحمل مواجهة غانا والأوروجواي في ختام مرحلة المجموعات من كأس العالم قيمة مضاعفة، فمنها التفكير في حسابات التأهل، ومنها انتقام لا يُنسى.
أبطال القصة هم لويس سواريز وأسامواه جيان، وجماهير غانية لا تغفر لعدوها الأول القادم من الأورجواي، وربما قارة بأكملها اعتصر قلبها من الحزن قبل 12 عامًا على ضياع إنجاز تاريخي بالتأهل إلى نصف النهائي.
وتواجه غانا نظيرتها أوروجواي مساء اليوم الجمعة، في الجولة الأخيرة من مباريات المجموعة الثامنة من كأس العالم في قطر، ويحمل كلا المنتخبين كامل حظوظه لبلوغ دور الـ16 رفقة البرتغال، وهو ما يعطي قيمة إضافية للمباراة علاوة على رغبة الانتقام الكروي الغاني.
مذنب أم بطل؟
"لا أرى سببًا للاعتذار.. لقد غادرت المباراة مطرودًا، وتحصلوا على ركلة جزاء.. لست أنا السبب.. لاعب غانا هو من أضاعها".
لا يمكن القول أن تصريحات لويس سواريز في ليلة مباراة تنتظر غانا 12 عامًا لتنتقم فيها من الرجل السيء في روايتها، هي تصريحات تفتقد للمنطق.
إن فكرت بهدوء، فنجم الأوروجواي مُحق، إذ تصرف بفطرته حين أراد منع الكرة من أن تدخل شباك فريقه، وكانت مخاطرة يمكن أن تفقد هدفها في النهاية، ولكنها بطريقة ما نجحت.
ربما قال في قرارة نفسه "سأمنعها الآن. ركلة جزاء؟ قد تدخل، وربما لا، لكن بالتأكيد إن لم أمنعها بيدي الآن لأصبحنا خارج البطولة".
رغم ذلك، يمكنك أن تتفهم مشاعر الغانيين، فالتصرف الفطري لسواريز حرمهم من أهم إنجاز كروي في تاريخهم، وفي تاريخ القارة السمراء ككُل. كانت الكرة في طريقها إلى الشباك، ولكن أراد سواريز أن يختار أقل الضررين.
"لقد وثقنا في أسامواه.. وهو كان واثقًا في نفسه.. القائد ستيفان أبياه منحه الكرة وأخبره أن يجعل أفريقيا كلها فخورة".
هذا ما يتذكره الدولي الغاني السابق إبراهيم أيو، شقيق قائد "النجوم السوداء" الحالي، ونجل الأسطورة الغانية عبيدي بيليه، والذي كان متواجدًا على دكة البدلاء في مباراة الأوروجواي، في تحقيق لموقع "ذا أثليتك" العالمي.
لا أحد يفكر فيما فعله سواريز. الكل يثق في جيان ويسعد للاحتفال بهدف الانتصار.
فجأة، تعتلي الكرة العارضة، وتصمت أصوات الفوفوزيلا بداية من ملعب "سوكر سيتي" في جنوب إفريقيا، حيث كانت الأحداث، وصولًا إلى العاصمة الغانية "أكرا".
الوجه الآخر من القصة
على الجانب الآخر من القصة، يوجد المخطئ الحقيقي من وجهة نظر سواريز. الرجل الذي أضاع ركلة الجزاء، وهداف غانا التاريخي في المونديال على الرغم من ذلك.. إنه أسامواه جيان.
"سواريز بطل في الأوروجواي. ولكن الجماهير في غانا تعتبره غشاشًا.. إنها تكرهه حقًا".
يبدو أن الزمن لا يداوي جراح تلك الليلة لدى جيان، الذي بدأ حديثه بهذه الكلمات التي أبرزتها صحيفة "ديلي ميل" البريطانية.
يُعبر جيان فقط عن حال الجماهير الغانية، ولكن في قراره نفسه يتفق مع رأي سواريز، حيث يرى نفسه المذنب.
"أتفهم مقدار الألم في قلوب الغانيين والأفارقة بوجه عام، أضعت هذه الركلة وأنا أتحمل الذنب والألم. هذه الصدمة لا زالت ساطعة في قرارة نفسي تمامًا كضوء النهار.. أحيانًا أستيقظ في الصباح وأتذكر أحداث هذا اليوم، ويفقد قلبي بهجته".
كلمات قاسية، يعبر بها جيان عن ما يشعر به منذ تلك الليلة، في فصل مخصص للركلة الضائعة في كتاب أصدره مطلع هذا العام ويحمل سيرته الذاتية، بعنوان "LeGYanDary".
يتابع جيان جلد الذات: "أشعر وكأني خذلت نفسي وخذلت بلادي، إنه صراع يومي أواجهه، أتمنى من الله أن يعيدني مرة أخرى إلى نقطة الجزاء في تلك الليلة وأن يمنحني فرصة ثانية لأغير ما حدث، ولكنها تظل أمنيات لن تتحقق أبدًا".
احتكم الفريقان يومها إلى ركلات الترجيح، سدد جيان الركلة الأولى بنجاح، ولكن خسرت غانا في النهاية.
في المُجمل، كانت مشاركة رائعة للهداف الغاني، لينال إعجاب المدرب المخضرم ستيف بروس بأدائه في البطولة وضمه إلى سندرلاند المنافس في الدوري الإنجليزي الممتاز في ذلك الوقت.
شارك جيان في كأس العالم التالية في البرازيل، وسجل هدفًا رائعًا في شباك ألمانيا، واستمر قليلًا في مسيرته الدولية، ولكن كل ذلك لا يمحو آثار الركلة الضائعة.
جيان الآن في الـ37 من عمره، ويستطيع أن يتفهم جيدًا موقف سواريز، حيث قال "إن كنت مكانه لفعلت نفس الشيء وأي شيء لكي ينتصر منتخب بلادي".
هل تجاوزت غانا فكرة الانتقام؟
منذ إعلان قرعة كأس العالم، لا أحد يهتم بمواجهة مرتقبة مع فريق يقوده كريستيانو رونالدو، أو آخر يقوده سون هيونج مين. الشغل الشاغل لغالبية الجماهير هناك هو عدوهم الأول.. لويس سواريز.
بالطبع سيكون محببًا للغانيين أن يحرموا الأوروجواي من التأهل، وأن يختتم لويس سواريز مسيرته الدولية بتوديع المونديال من مرحلة المجموعات.
ولكن في غانا تتباين الآراء، فمنهم من يتحدث عن الانتقام المُنتظر من أوروجواي، حيث أن فوز المنتخب الأفريقي على كوريا الجنوبية في الجولة السابقة يمنح المباراة مزيدًا من الأهمية، فالفائز يصل إلى الدور المقبل. ومنهم من تجاوز الأمر وينظر إليه في حدود مباراة كرة قدم.
فمثلًا، كوادو أسامواه لاعب غانا السابق كان بديلًا في المباراة الشهيرة قبل 12 عامًا، يقول أنه يسامح سواريز على ما فعله، ويتفهم موقفه الفطري خلال المباراة، وأنه لا يمتلك موقفًا شخصيًا تجاهه.
ويحكي كوادو موقفًا طريفًا، حيث كان لاعبًا في إيبار الإسباني وكان في مواجهة برشلونة، وبعد نهاية المباراة استبدل قميصه مع سواريز، وقد كان لاعبًا في برشلونة، ثم فوجئ بعدها بعدة أيام بزوجته وهي توبخه بأنه قد اختار قميص عدو غانا الأول، من بين كل قمصان نجوم برشلونة.
قد تظن للحظة أن مفهوم العداوة والانتقام هو أمر جماهيري بحت في غانا، ولكن في الحقيقة هناك صبغة رسمية لتلك الرغبة.
فبعد إجراء قرعة كأس العالم، كان رد الفعل الأول من رئيس الاتحاد الغاني لكرة القدم "كورت أوكراكو": "نحن نؤمن بأنها اللحظة المناسبة للانتقام. من المهم أن نسوي الأمر".
وبعيدًا عن إدارة الكرة في البلاد، تبرز شبكة "ذا اثليتك" إحدى التصريحات الرسمية لرئيس الجمهورية في غانا "نانا أكوفو آدو": "لقد اضطررنا للانتظار 12 عامًا لنأخذ بالثأر من الأوروجواي. ونؤكد لهم أن هذه المرة لا يمكن ليد سواريز أن تنقذهم من النجوم السوداء".
ما بين تصريحات الدولة الرسمية، وذكريات النجوم الذين تواجدوا في ليلة "سوكر سيتي" المأساوية، وتأنيب جيان لذاته بعد كل تلك السنوات، تظل خواطر أندريه آيو، القائد الحالي لمنتخب غانا، والتي عبّر عنها بعد الانتصار الأخير على كوريا الجنوبية في تصريحات تبرزها شبكة "ذا أثليتك"، هي الأبرز، حيث يُعد هو الشخص الوحيد الذي تواجد في ليلة غانا الحزينة آنذاك، ويستمر في قائمة الفريق المشاركة في كأس العالم الجارية في قطر.
ويقول قائد غانا: "أنا الوحيد المتبقي من تلك الليلة في الفريق الحالي لغانا، فالباقون هنا ربما لا يدركون تمامًا كيف شعرنا يومها.. ويمكنني أن أقول أن الأولوية بالنسبة لي الآن هي العبور للدور المقبل، لذا فالأمر لا يتعلق بأي انتقام".