الاقتصاد العالمي في ورطة.. قراءة في دفتر أحوال النصف الأول من 2024 "تحليل"
شهد الاقتصاد العالمي في النصف الأول من هذا العام نموا متواضعا وانتعاشا بطيئا، مع بقاء التوقعات بالتحسن غير مؤكدة.
حيث توقع إصدار صندوق النقد الدولي لشهر يوليو/تموز من تقرير آفاق الاقتصاد العالمي أن يظل النمو العالمي مستقرا عند 3.2% في عام 2024 و3.3% في عام 2025، لكنه يحذر من أن المخاطر على المدى القريب اكتسبت أهمية كبيرة، لا سيما المخاطر الصعودية للتضخم، حيث لا يزال تضخم الخدمات مرتفعا واستمرار التوترات الجيوسياسية.
- «إس تي سي» تعلن سياسة توزيع الأرباح للفترة 2024-2027.. وسهم الشركة يقفز
- الاحترار الأعلى منذ 600 عام.. المناخ يهدد مياه جزر فيجي
وفي بيئة عالمية مضطربة وغير متوازنة بشكل متزايد، واصل الاقتصاد الصيني مساره التصاعدي، مسجلا نموا بنسبة 5% في النصف الأول من عام 2024، ومن خلال تعزيز القوى الإنتاجية الجديدة عالية الجودة وتعزيز التنمية عالية الجودة، تظل الصين المحرك الرئيسي للاقتصاد العالمي، وفقا لوكالة شينخوا.
الاقتصاد العالمي
"الاقتصاد العالمي في وضع صعب" هو العنوان الفرعي لطبعة يوليو/تموز الأخيرة من تقرير آفاق الاقتصاد العالمي.
حيث يشير إلى أنه على الرغم من بطء التعافي الإجمالي في النصف الأول من عام 2024، فإن الاختلالات الاقتصادية العالمية تستمر في التفاقم والتباين في النمو بين الاقتصادات المتقدمة بشكل صارخ، وبينما يتسارع الاقتصاد الأمريكي تكافح أوروبا من أجل مواكبة ذلك.
وتوسع الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي بمعدل سنوي قدره 2.8 في المائة في الربع الثاني، ارتفاعا من 1.4 في المائة في الربع الأول. وفي المقابل يظل اقتصاد منطقة اليورو خاملاً، مع تسجيل انكماشات في العديد من الاقتصادات، بما في ذلك ألمانيا ولاتفيا والسويد والمجر، في الفترة نفسها.
خفض التضخم
ويرى المحللون أن السياسات الأمريكية الأخيرة، أبرزها قانون خفض التضخم، أدت إلى تفاقم هذه الفوارق. فمن خلال تعزيز الديون وإعانات الدعم نجحت الولايات المتحدة في تحفيز الاستهلاك والإنتاج.
ومع ذلك فقد أغرت السياسات الصناعية الأمريكية المصنعين الأوروبيين أيضا بالانتقال إلى الولايات المتحدة، مما أدى إلى مزيد من تآكل القاعدة الصناعية في أوروبا وتضخيم المخاوف من تراجع التصنيع الأوروبي.
كما أصبحت السياسة النقدية أكثر تعقيدا. وفاجأت اليابان -التي تخلت عن مكانتها كثالث أكبر اقتصاد في العالم لألمانيا العام الماضي- الأسواق بنمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0.8 في المئة بالربع الثاني، وهو ما يتجاوز التوقعات.
ومع ذلك تتوقع الحكومة اليابانية نمواً للعام بأكمله بنسبة 0.9% فقط، مع وجود مخاطر كبيرة ناجمة عن اتساع فجوة السياسة النقدية بين اليابان والولايات المتحدة.
ومن ناحية أخرى، تتمتع الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية بتوقعات أكثر تفاؤلاً، حتى مع استمرار التقلبات في الأمد القريب.
ويبرز تقرير البنك الدولي الصادر في شهر يونيو/حزيران هذه التوقعات الاقتصادية العالمية بأنه مع انحسار التأثيرات المترتبة على تشديد السياسة النقدية في الاقتصادات الكبرى، فإن النمو في أمريكا اللاتينية، والشرق الأوسط، ومنطقة جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا سوف يتسارع.
ويتوقع التقرير معدلات نمو تبلغ 2.7% و4.2% و3.9% في هذه المناطق على التوالي في العام المقبل، متجاوزة معدلات النمو في الاقتصادات المتقدمة.
الديون العالمية
ووفقا لأحدث التقارير الصادرة عن صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، من المتوقع أن يرتفع النمو الاقتصادي العالمي إلى 3.2% و2.6% على التوالي هذا العام، حيث تشير كل التوقعات إلى زيادة هامشية قدرها 0.1 نقطة مئوية لعام 2025.
ويتوقع الاقتصاديون أن يشهد هذا العام أول توسع مستقر منذ ثلاث سنوات، ولكن بالمعايير التاريخية تظل الوتيرة بطيئة، في ظل العديد من الرياح المعاكسة التي تهدد بإخراج المسار الحالي عن مساره في النصف الأخير من هذا العام.
أحد التهديدات التي تلوح في الأفق هو الديون العالمية المتزايدة، أعلن معهد التمويل الدولي عن زيادة مذهلة قدرها 1.3 تريليون دولار أمريكي في الدين العالمي في الربع الأول من عام 2024، مما رفع الإجمالي إلى مستوى قياسي بلغ 315 تريليون دولار، وتقترب نسبة الدين العالمي إلى الناتج المحلي الإجمالي الآن من 333%، حيث تتحمل الأسواق المتقدمة مثل الولايات المتحدة واليابان المسؤولية عن القسم الأعظم من هذه الزيادة.
وفي الولايات المتحدة تجاوز الدين الفيدرالي 35 تريليون دولار للمرة الأولى، ومن المتوقع أن تتجاوز أقساط الفائدة الإنفاق الدفاعي هذا العام. إن مثل هذه الديون المتضخمة تشكل مخاطر كبيرة على الاستقرار الاقتصادي والمالي العالمي.
صناديق الاقتراع
هناك عامل آخر مزعزع للاستقرار وهو أن عام 2024 هو أكبر عام انتخابي في تاريخ البشرية، سيتوجه نصف سكان العالم إلى صناديق الاقتراع في أكثر من 70 دولة.
وفي الولايات المتحدة قد تخلف الانقسامات في السياسة الاقتصادية والصناعية بين المرشحين الرئاسيين الديمقراطيين والجمهوريين تأثيرات بعيدة المدى.
على سبيل المثال، يتوقع خبراء الاقتصاد في بنك غولدمان ساكس أن إعادة انتخاب دونالد ترامب، مع زياداته المقترحة للتعريفات الجمركية، يمكن أن تؤدي إلى خفض الناتج المحلي الإجمالي لمنطقة اليورو بنسبة 1%.
بالإضافة إلى ذلك، حذر جاي بلاتن، الأمين العام للغرفة الدولية للشحن البحري، من المخاطر التي تشكلها رئاسة ترامب المحتملة على التجارة، قائلا إن التهديد الآن في أعلى مستوياته منذ الحرب العالمية الثانية.
التوترات الجيوسياسية
وتشكل التوترات الجيوسياسية التي طال أمدها عائقا آخر أمام الآفاق العالمية، حيث دخل الصراع الروسي الأوكراني عامه الثالث، بينما ينتشر الصراع الإسرائيلي الفلسطيني في المنطقة.
ويسلط تقرير وحدة الاستخبارات الاقتصادية الصادر في يونيو/حزيران الضوء على المشهد الجيوسياسي المشحون على نحو متزايد، إذ تهدد المنافسة والصراع بقلب النظام الاقتصادي الدولي القائم رأساً على عقب.
وتضيف تقلبات السوق المدفوعة بالسياسة النقدية طبقة أخرى من التعقيد.
وكان هبوط مؤشر نيكي في أوائل شهر أغسطس/آب، الذي غذته "تجارة الين الياباني"، بمثابة تذكير بمدى السرعة التي يمكن أن تتصاعد بها الأسواق، وقد بلغت هذه الظاهرة التجارية ذروتها مرتين من قبل، في عامي 1998 و2007، وكلاهما سبق حدوث أزمات مالية كبرى.
وحذر جوش ليبسكي، كبير مديري مركز الاقتصادات الجغرافية التابع للمجلس الأطلسي، من أنه على الرغم من أن الركود في الولايات المتحدة أو على مستوى العالم ليس أمرا مفروغا منه، فإنه يجب على العالم الاستعداد لاضطرابات كبيرة في الأسواق المالية في الأشهر المقبلة.
التنين الصيني
"نحن في حاجة إلى منع العالم من الوقوع في فترة طويلة من النمو الهزيل الذي يؤدي إلى ترسيخ الفقر وعدم المساواة، لكن مزيجاً ذكياً من الإصلاحات يمكن أن يحفز النمو على المدى المتوسط"، هذا ما أشارت إليه كريستالينا غورغييفا، مديرة صندوق النقد الدولي، في مقال نشرتها أواخر يوليو/تموز.
وقالت إن البلدان بحاجة إلى تعزيز الإنتاجية لتعزيز النمو الشامل، وتطوير سياسات مالية تركز على الناس، وإنشاء شبكة أمان مالية عالمية قوية، والعمل معًا لبناء عالم مزدهر وعادل.
وفي هذا المشهد العالمي من المتوقع أن تسهم الصين بنحو 30% من نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي في عام 2024، ومن المرجح أن تستمر حتى عامي 2025 و2026.
وبالنظر إلى اتجاهات ونتائج الإصلاحات، فإن الصين تعمل على تسريع تطوير قوى إنتاجية جديدة عالية الجودة، وتطلق باستمرار زخما جديدا وتخلق فرصا جديدة.
ومنذ بداية هذا العام، شجعت سياسات الصين الاستهلاك، واستمرت القيمة المضافة للتصنيع عالي التقنية على نطاق واسع في النمو، مدفوعة بالتحول الصناعي والتحديث.
وأشارت مقالة نشرت في الأول من أغسطس/آب في مجلة الإيكونوميست إلى أنه بينما تتجه الدول الغربية نحو الحمائية، فإن الشركات الصينية تنمو بسرعة في الجنوب العالمي.
وقال المقال إنه عندما تتعرض العولمة لضغوط فإن هذا الاتجاه يقدم درسا مهما لصناع السياسات: يمكن للتجارة أن تحقق فوائد غير عادية، ويمكن لمجموعة متنوعة من المنتجات المبتكرة والخضراء بأسعار معقولة أن تحسن حياة المليارات من البشر.