بعد أزمة جائحة "كورونا".. ما هي الأولويات الصحية العالمية المرحلة المقبلة؟ (خاص)
لم تنته جائحة "كوفيد 19" بعد، ولكن يمكن القول أن العالم تجاوز مرحلة الخطورة، لواحدة من أشد الأزمات الصحية التي واجهها منذ قرن.
وبعد أن التقطت منظمة الصحة العالمية الأنفاس، بدأت تضع الدروس التي تعلمها العالم خلال هذا الوباء، والتي تمثل أولويات الصحة العالمية خلال الفترة المقبلة.
وقال الدكتور تيدروس أدهانوم غيبريسويس، مدير عام منظمة الصحة العالمية، في تصريحات صحفية 14 يناير/ كانون الثاني الماضي، أن العالم مدين لأولئك الذين فقدناهم خلال الجائحة، لأنهم كانوا سببا في تعلم الدروس من هذا الوباء.
وأوضح أنه مع خروج العالم من أخطر أزمة صحية منذ قرن، فإن هناك خمس أولويات لعالم أكثر صحة وأمانا وعدلا واستدامة، وهى تعزيز الصحة، وتوفير الصحة، وحماية الصحة، وقوة الصحة، والأداء من أجل الصحة.
وتعزيز الصحة، كما حدده غيبريسويس، هو مفهوم يتعامل مع الصحة بشكل أشمل، بحيث لا تكون قاصرة على العيادة أو المستشفى.
ووفق ذلك، فإن الممارسات الصحية يجب أن تكون في المنازل والمدارس والشوارع وأماكن العمل ومحلات السوبر ماركت والمدن، وفي الهواء الذي نتنفسه والطعام الذي نتناوله والمنتجات التي نستهلكها، بحسب غيبريسويس.
ولفت إلى أن العيادة أو المستشفى، تتعامل مع عواقب النظم الغذائية غير الصحية والمياه والصرف الصحي غير المأمونة والبيئات الملوثة والطرق الخطرة، لذلك لابد من إجراء نقلة نوعية عاجلة نحو تعزيز الصحة والوقاية من الأمراض، من خلال معالجة أسبابها الجذرية.
ومن التعزيز إلى التوفير، لفت غيبريسويس إلى أهمية توفر الخدمات الصحية، لأنه في جميع أنحاء العالم، يمرض مئات الملايين من الأشخاص ويموتون كل عام لأنهم لا يستطيعون الوصول إلى الخدمات الصحية التي يحتاجونها، أو يكونون غير قادرين على تحمل تكاليفها.
ويبرز في هذا الإطار مصطلح "التغطية الصحية الشاملة"، والتي تعني تقديم الخدمات الصحية الأساسية التي يحتاجها الناس، متى وأينما يحتاجون إليها، دون تعريضهم لضائقة مالية.
ويأتي بعد توفير الصحة، حمايتها، حيث كشف الوباء عن ثغرات خطيرة في دفاعات العالم ضد الأوبئة وحالات الطوارئ الصحية الأخرى، ووضعت منظمة الصحة العالمية عدة مراجعات للاستجابة العالمية للوباء، مع أكثر من 300 توصية.
ويقول غيبريسويس إنه "بناء على هذه المراجعات والتوصيات، قدمت منظمة الصحة العالمية 10 مقترحات رئيسية لتعزيز الهيكل العالمي للتأهب للطوارئ الصحية والاستجابة لها والقدرة على الصمود، وتشمل هذه الإجراءات (حوكمة أقوى) و(تمويل أقوى)، و(أنظمة وأدوات أقوى)".
وبينما نسعى لحماية الصحة ضمن الأولوية الثالثة، يجب أن نعمل أيضا على تقويتها ضمن الأولوية الرابعة، وذلك من خلال تسخير العلم والبحث والابتكار، حيث تمنحنا الابتكارات في المنتجات الصحية وتقديم الخدمات الأمل في التغلب على التحديات التي كانت تبدو ذات يوم مستعصية، وفق غيبريسويس.
وأخيرا، تأتي أولوية "الآداء من أجل الصحة"، والتي يتمنى من خلالها غيبريسويس، العمل على أن تكون منظمة الصحة العالمية أقوى في قلب هيكل الأمن الصحي العالمي.
ويقول: "يحتاج العالم إلى منظمة الصحة العالمية المجهزة والمفوضة والممكنة لأداء المستوى الذي يتوقعه العالم منها، ولسنوات عديدة، تجاوزت توقعات العالم من منظمة الصحة العالمية مواردها واختصاصاتها".
ما أجمله غيبريسويس، تحدث خالد صبري، المدرس بكلية الطب جامعة أسيوط، عن بعض تفاصيله، قائلا: "تعزيز الصحة، ليس مسؤولية وزارت الصحة فقط، لكنه دور يجب أن تشترك فيه كل الوزارات، تحت إشراف وزارة الصحة"، مؤكدا أنه بدون هذا العمل التآزري لا يمكن تحقيق هذه الأولوية.
وفيما يتعلق بتوفير الخدمات الصحية، لفت صبري إلى أنه لا يمكن تحقيق هذا الهدف، بينما لا تزال الميزانيات المخصصة للصحة في كثير من البلدان الفقيرة والنامية، من أقل البنود، وقال: "يجب أن تدرك حكومات تلك الدول، أن الصحة في جوهرها اقتصاد، لأنك لن تستطيع دفع عجلة الإنتاج بواسطة شعوب مريضة".
أما ما يتعلق بـ"حماية الصحة"، فيرى صبري أن أبرز ثغرة، هي تلك التي تتعلق بعدم وجود مختبرات قادرة على تعقب السلالات الجديدة من الفيروسات، وقال: "هذه أهم ثغرة يجب العمل على سدها، لأنه بدون ذلك، يمكن أن يحدث سريان لبعض الفيروسات في المجتمع، ولا تعلم عنها السلطات الصحية شيئا".
وعن الأولوية الرابعة، قال صبري إن العلم يمكن بالفعل أن يسهم في عالم بلا أمراض، ولكن يجب ضمان أن يستفيد العالم كله من مخرجات العلم، لأن بعض أبرز مخرجاته مثل الأدوية الجينية، لا تستفيد منها إلا فئة محدودة للغاية، وهي تلك التي تملك المال.
واختتم صبري تصريحاته بالتأكيد على أولوية "الأداء من أجل الصحة"، وقال إن المنظمة وهي تسعى إلى تقوية دورها، يجب أيضا أن تعترف بالأخطاء التي وقعت فيها خلال إدارتها للوباء، وأبرز هذه الأخطاء أن خطواتها كانت متأخرة بعض الشىء في كثير من الأوقات.
ولم تعلن المنظمة عن حالة الطوارئ الصحية العالمية إلا في 30 يناير/ كانون الثاني 2020، بعد أن وصل الفيروس 19 دولة وتجاوز عدد الحالات المؤكدة 8 آلاف إصابة، ولم تعتبر الفيروس "جائحة" إلا في 11 مارس/ آذار من نفس العام.
aXA6IDMuMTQ3LjY4LjIwMSA= جزيرة ام اند امز