اجتماع منظمة التجارة.. تطوير نظام مستدام على طاولة قادة العالم بأبوظبي
يجتمع قادة النظام التجاري العالمي بأبوظبي لمعالجة أزمات القطاع الدولية، من خلال إعادة العولمة وتطوير نظام تجاري يحفز التنمية المستدامة والعمل المناخي.
يأتي ذلك ضمن مناقشات المؤتمر الوزاري الثالث عشر (MC13) لمنظمة التجارة العالمية، وهو اجتماع دولي للحكومات الأعضاء في المنظمة البالغ عددها 164 حكومة، لاتخاذ قرارات بشأن القواعد المتعددة الأطراف التي يقوم عليها النظام التجاري الدولي.
ويعقد المؤتمر الوزاري في الفترة من 26 إلى 29 فبراير/شباط 2024 في أبوظبي، بدولة الإمارات ويرأسه الدكتور ثاني بن أحمد الزيودي وزير دولة للتجارة الخارجية الإماراتي.
ويجمع المؤتمر وزراء ووفودا من جميع أنحاء العالم، لتحديث اتفاقيات منظمة التجارة العالمية بشأن السياسة التجارية، ومراجعة وظائف النظام التجاري المتعدد الأطراف، بالإضافة إلى تحديد جدول الأعمال المستقبلي للمنظمة.
- قادة العالم يحددون 5 إجراءات للحفاظ على نتائج COP28 التاريخية
- بعد صفقة «إيرباص» و«توتال».. ما هو الوقود المستدام؟
إعادة العولمة التجارية
يقول الخبراء إن العالم معرض بشكل متزايد لخطر التفتت الاقتصادي، وهو عكس التكامل الاقتصادي العالمي الذي تحركه سياسات تسترشد في كثير من الأحيان باعتبارات استراتيجية.
أدت الأحداث الأخيرة، مثل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وجائحة كوفيد-19، وغزو أوكرانيا، وتفاقم تأثيرات تغير المناخ، إلى زيادة التوترات الجيوسياسية والتحديات البيئية، وزيادة الشكوك حول فوائد العولمة الاقتصادية، مما يزيد من صعوبة إيجاد حلول تعاونية.
يقصد بالعولمة الاقتصادية على الصعيد العالمي سرعة تبادل السلع والخدمات التي أصبحت متاحة بفضل الإلغاء التدريجي للحواجز التجارية، وتطور وسائل النقل والمواصلات وشبكات الإنترنت والاتصالات.
تسببت الأزمات والأحداث الأخيرة وغيرها من عوامل التطور في ظهور العديد من الاتجاهات الناشئة التي تؤثر أيضا على التجارة العالمية، خاصة فيما يتعلق بالعالم النامي.
تشمل هذه العوامل تأثير التقنيات الرقمية على السلع وطرق التجارة نفسها، وإضفاء الطابع الإقليمي على التجارة، والتحولات في سلاسل التوريد العالمية، والتي اشتدت خلال جائحة كوفيد-19، والتجزئة التجارية المحتملة بسبب الضغوط الجيوسياسية، وزيادة التركيز بشأن الاستدامة وسط تهديدات تغير المناخ والأضرار البيئية.
على إثر ذلك، تعاني العولمة الاقتصادية، التي عرفناها طوال العقود الثلاثة الماضية، من الركود، أو على الأقل من تغير واضح في شكلها المعروف، ولم يعد الاقتصاد الدولي ينمو بالسرعة التي كان عليها من قبل بسبب الأحداث العالمية التي تزيد من الاضطرابات.
أدى ذلك إلى إعادة الدول لتوجيه نفسها على نحو متزايد حول الداخل الوطني، وانهيار الاتفاقيات التجارية الدولية، مما يعني السقوط في أزمة التفتت الاقتصادي العالمي.
تشير تقديرات منظمة التجارة العالمية وصندوق النقد الدولي إلى أن الخسائر المحتملة الناجمة عن التفتت الاقتصادي يمكن أن تتراوح بين 5% إلى 7% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وهو ما يعادل إزالة الناتج المحلي الإجمالي للهند وإيطاليا من الاقتصاد العالمي.
كما أن التفتت الاقتصادي يقلل الموارد المتاحة ويعيق التعاون الدولي الذي يشكل أهمية حيوية لمعالجة القضايا والأزمات العالمية، التي تحتاج إلى موارد كبيرة لمواجهتها، مثل مكافحة تغير المناخ، في الوقت الذي يسعى فيه إلى تحقيق أهداف التنمية المستدامة.
وإعادة العولمة هو مصطلح جديد نسبيا، يهدف إلى تأطير وتوصيف المرحلة الأحدث من العولمة، التي نعيشها حاليًا، ويقصد به إعادة التفكير وإعادة تشكيل أنماط العولمة المعروفة بسبب تزايد الصدوع والتمزقات، على معظم، إن لم يكن جميع جوانب الممارسات والعادات والمفاهيم المرتبطة بالعولمة بشكلها التقليدي.
ووفقا لرالف أوسا، كبير الاقتصاديين في منظمة التجارة العالمية، فإن إعادة العولمة تعني زيادة التعاون الدولي والتكامل الأوسع، وهي أساسية لمواجهة التحديات الملحة في عصرنا وبناء مستقبل آمن وشامل ومستدام.
وشدد أوسا على أنه من أجل الحفاظ على السلام والأمن، والحد من الفقر وعدم المساواة، وأيضا لتحقيق اقتصاد مستدام، "نحن بحاجة إلى احتضان التجارة وعدم رفضها، ونحتاج أيضا إلى نظام تجاري متعدد الأطراف".
التحديات على طاولة أبوظبي
يبحث المؤتمر الوزاري الثالث عشر لمنظمة التجارة العالمية في أبوظبي، كيف يمكن لإعادة العولمة، أو زيادة التعاون الدولي، أن تعالج التحديات الثلاثة الكبرى التي تواجه الاقتصاد العالمي اليوم: الأمن الوطني والاقتصادي، وتخفيف حدة الفقر، والاستدامة البيئية.
ضمن هذا الإطار سيتعامل المؤتمر مع العديد من القضايا الحاسمة، ولكن التركيز الرئيس سيكون شاملاً مسألة إصلاح نظام منظمة التجارة العالمية متعدد الأطراف، لتتمكن من أداء دورها مع التغيرات العالمية الحديثة.
أول ما سيطرح على جدول الأعمال هو طرق تحسين وإعادة تنشيط النظام الفريد للمنظمة لتسوية النزاعات التجارية الدولية، والذي ظل عالقًا لعدة سنوات بسبب الخلافات حول كيفية عمله.
بالتوازي، ستناقش منظمة التجارة العالمية، في اجتماعها بأبوظبي، إعادة تشكيل النظام التجاري ليعمل كحافز للتنمية المستدامة والاستجابة للمناخ والشمول، مع الاستفادة من زخم الحاجة الملحة للعمل المناخي.
ترى منظمة التجارة العالمية، وفق تقريرها الصادر في عام 2023، إن إنشاء النظام التجاري المتعدد الأطراف قبل أكثر من سبعة عقود من الزمن كان مبنياً على فهم مفاده أن الاعتماد المتبادل والتعاون يساهمان في تحقيق السلام والرخاء المشترك.
ولكن في الآونة الأخيرة أدت التحديات الجديدة، مثل التوترات الجيوسياسية، واتساع فجوة التفاوت، وتغير المناخ، إلى مخاوف من أن تعرض العولمة البلدان لمخاطر مفرطة.
وقد أدت هذه المخاوف إلى زيادة الضغوط الرامية إلى تفكيك العلاقات التجارية والتحول إلى السياسات الأحادية الجانب من خلال عملية التفتت التجاري والاقتصادي.
يتناول التقرير فوائد إعادة العولمة، أو دمج المزيد من الناس والاقتصادات والقضايا الملحة في التجارة العالمية وتعزيز التعاون المتعدد الأطراف، فضلا عن مخاطر تجزئة النظام التجاري المتعدد الأطراف.
يرى التقرير أن إعادة العولمة، لجعل الاقتصادات أكثر أمنا وشمولا واستدامة، تشكل حلا أكثر فعالية بكثير من التفتت في مواجهة التحديات العالمية، ويمكن أن تكون مصدرا للأمن والسلام، ومحركا للحد من الفقر، وأداة حاسمة لمعالجة تغير المناخ.
تمثل إعادة العولمة الأساس الذي سيقوم عليه النظام التجاري المتعدد الأطراف المعاد تنشيطه، والذي تشرف عليه منظمة التجارة العالمية، وستعلب دوراً مهماً في ضمان المزيد من التعاون، في عالم يواجه مشاكل عالمية تحتاج إلى حلول عالمية.
التجارة الخضراء وإعادة العولمة
سيكون النظام التجاري المتعدد الأطراف المعاد تشكيله، والذي يحفز التنمية المستدامة والعمل المناخي والشمولية من ضمن أمور أخرى، محورا رئيسا للنقاش في أبوظبي.
يستهدف النظام ضخ الاستثمارات الكبيرة في التكنولوجيات المستدامة، والمبادرات الرامية إلى الحد من انبعاثات الكربون، والتمويل الأخضر.
يتضمن النظام الجديد دمج الاتفاقيات المتعددة الأطراف الجديدة بين مجموعات فرعية من الأعضاء، في مجموعة معاهدات منظمة التجارة العالمية.
كما يشمل معاهدة جديدة بشأن تيسير الاستثمار من أجل التنمية، وهي الآن جاهزة للدمج، ويمثل المؤتمر الوزاري الثالث عشر فرصة للمضي قدما نحو تفعيلها.
يراعي النظام الجديد المقترح معاملة أكثر مرونة للبلدان النامية الأعضاء في الاتفاقيات التجارية، وهناك مناقشة مستمرة حول أشكال المرونة التي ينبغي أن تحصل عليها البلدان النامية الأخرى.
حول وضع البلدان النامية في النظام التجاري المقترح، قال مانويل مورينو، نائب الأمين العام للأونكتاد "أولا وقبل كل شيء، يعد التحول العادل للطاقة أمرا بالغ الأهمية داخل النظام الجديد".
أضاف "لكن لا بد من مراعاة أن المسارات نحو النمو المنخفض الكربون في البلدان النامية سوف تحتاج إلى أن تختلف تبعاً لقدراتها، كما ينبغي التركيز على دعم عمليات إزالة الكربون المرتبطة بالتجارة، وينبغي أن يشمل الدعم تقاسم الملكية الفكرية وتقنيات التكنولوجيا الخضراء مع الدول النامية، وهو التزام في اتفاق باريس لم يتم الوفاء به بعد".
التحول الأخضر
تحتاج الدول النامية إلى تمويل كبير للمناخ، يكون منفصلا عن تمويلات التنمية الأخرى، لتتمكن من الاستثمار في التحول الأخضر، بجانب التعامل مع أزمات الديون العامة التي تعاني منها، وهذا يستلزم، وفق الأونكتاد، توفير تريليونات الدولارات.
على جانب آخر، يتعين على العالم تعزيز التغيير الهيكلي الأخضر في البلدان النامية، من خلال مساعدتهم على بناء وتعزيز سلاسل التوريد الخضراء المحلية والإقليمية.
يمكن للتجارة أن تسهل ذلك من خلال إتاحة الوصول إلى السلع المفضلة بيئيا، وتعزيز أنظمة الطاقة المتجددة ومساعدة البلدان على اغتنام الفرص الناجمة عن التحول في مجال الطاقة، وفق مورينو.
كما أن مواءمة المخاوف المتعلقة بالتجارة والمناخ في جداول الأعمال المتعددة الأطراف، أمر في غاية الأهمية أيضًا، وهو ما بدأته قمة الأمم المتحدة للمناخ (COP28) بتخصيص يوم للتجارة لأول مرة، بهدف توفير منصة لإظهار الروابط القوية بين سياسات التجارة والمناخ.
قال مورينو: "تحتاج الدول النامية إلى نحو 1.7 تريليون دولار من الاستثمارات سنويا للطاقة المتجددة، ولكنها تلقت 544 مليار دولار فقط في عام 2022".
أضاف: "على الرغم من تضاعف الاستثمارات العالمية في مصادر الطاقة المتجددة ثلاث مرات تقريبا منذ عام 2015، فقد تم توجيه الأغلبية إلى الدول المتقدمة، مع حصول أفريقيا على 2% فقط، ومعالجة هذا التفاوت أمر ملح".
aXA6IDMuMTUuMTQ1LjUwIA== جزيرة ام اند امز