الخطر الحقيقي من امتلاك حمد للمال القطري ليس في توظيفه لإضعاف دولته فحسب، بل ما تم توظيفه لإسقاط أنظمة وتدمير دول وتشريد شعوب.
تصنع الأمم العظيمة تاريخها بالعمل المتواصل والجهد، والعقول الحكيمة التي ترسم رؤى الحاضر والماضي، ولم نرَ عبر العصور أمة نجحت في الصمود بين سطور ما قرأنا من أمجاد دون أن تصنع شعوبها الأمجاد بالعمل والتضحيات.
اليوم نرى نماذج لـ"أمم" جديدة قرأت التاريخ ولم تُعتبَر منه أو لم تفهمه بالشكل الصحيح، أو أن غرورها دفع بها لتجاهله تماماً، ومنها دول في المنطقة مثل إيران وقطر، والنموذج القطري يعكس رحلة فشل لنظام يصارع على كل الجبهات معتمداً على "قوة" واحدة هي قوة المال، والخطر الحقيقي من امتلاك حمد للمال القطري ليس في توظيفه لإضعاف دولته فحسب، بل ما تم توظيفه لإسقاط أنظمة وتدمير دول وتشريد شعوب.
تسارع نسق السقوط لقطر ينعكس بشكل جلي عبر ما نراه من أضرار وانعكاسات على اقتصاد البلاد، حيث أظهر التقرير الدوري لوزارة الاقتصاد والتجارة القطرية أن المئات من الشركات التجارية قد أغلقت نشاطها التجاري بعد تقلص الاستثمارات وتباطؤ نمو الاقتصاد، وتصدرت شركات المقاولات قائمة الأكثر شطباً.
هذا المال الذي أُخذ جزء كبير منه لدعم الإرهاب، مما جعل قطر تدخل كواليس منصات مكافحة الإرهاب في كل دول العالم، فهل هذا هو المجد التاريخي الذي أراده حمد لشعبه وبلاده؟، وثَّق التاريخ أن قطر حاضنة الإرهابيين والمتطرفين دينياً منذ أكثر من عقدين، وأن أموالها و"جهودها" طالت كل دول العالم عبر زرع بذور الإرهاب ورعايته ودعمه.
أنفق حمد الملايين من أموال القطريين ثمناً لـ"أفكار" المرتزقة، ومليارات الدولارات ثمناً لصفقات أسلحة ضخمة لا يعلم أحد جدواها، هل هي دفاعية، أم هجومية؟ تم شراؤها من أجل مصلحة شعب لا يعرف "مصلحته" غير أمير صغير لا خبرة له غير طاعة المدير الكبير.
التاريخ سيكتب عِبَراً من عقود ظلام صنعتها الأموال، لدولة تتحدث في كل المنابر عن "أمجاد"، وفي الحالة القطرية لا يمكن أن نرى ومن الآن إلا أمجاد السقوط، وسلطة واحدة هي سلطة أموال تُدار في الظلام، وكل صراعات حمد تمت على حلبات لا نور فيها، ملاعب شر حيكت فيها مؤامرات إسقاط شعوب وما زالت تدار.
والآن وبعد أن بدأ العالم في كشف الحقيقة، وبعد أن فضح الواقع الجديد النظام القطري، بدأ هذا النظام يرتد نحو سياسات دفاعية بدلاً من استراتيجياته التخريبية، معتمداً على أموال الشعب القطري لشراء المواقف الخارجية الداعمة.
التعنت ورفض النظام القطري التوقف عن سياساته الداعمة للإخونجية، ولجوؤه إلى مواصلة الاعتماد على المال للخروج من عنق الزجاجة سيوصل الشعب القطري بالتأكيد إلى عمق هاوية قد تؤدي إلى نهاية كارثية، في حين أن الحل قريب جغرافياً ومنطقياً، فحل الأزمة التي تمر بها قطر هو في المملكة العربية السعودية، ومفتاح الانفراج فيها، لكن عناد حمد وتكبّره، وتعوده على "إدارة" أزماته، عبر شراء الحلول المؤقتة سيقف عائقاً أمام أي انفراج.
وتسارع نسق السقوط لقطر ينعكس بشكل جلي عبر ما نراه من أضرار وانعكاسات على اقتصاد البلاد، حيث أظهر التقرير الدوري لوزارة الاقتصاد والتجارة القطرية أن المئات من الشركات التجارية قد أغلقت نشاطها التجاري بعد تقلص الاستثمارات وتباطؤ نمو الاقتصاد.
وتصدرت شركات المقاولات قائمة الأكثر شطباً، تلتها شركات تجارة الأجهزة الكهربائية والإلكترونية والسلع العمومية والبقالة والتموين ومواد البناء، وقبل أيام منحت وكالة ستاندرد أند بورز للتصنيف الائتماني، نظرة مستقبلية سلبية للاقتصاد القطري.
وبلغت قيمة التراجع في إجمالي ودائع غير المقيمين في البنوك القطرية منذ مايو حتى ديسمبر 2017 نحو 12.4 مليار دولار، حسب بنك قطر المركزي، وعلى الرغم من كل مؤشرات التراجع الاقتصادي، وما يعاني منه الشعب القطري من حصار يضيق يوماً بعد يوم، يواصل حمد ضخ الأموال ثمناً لشراء تحالفات مع دول كانت وما زالت عدوة لشعبه.
شعور النظام القطري بالخطر وقناعاته بأنه لن يستمر إذا ما تواصلت الأمور على هذا النسق تدفعه للهروب إلى الوراء وفي الاتجاه الخطأ، ورغم كل الأسلحة التي اشترى بها المواقف المؤقتة فما زال يبحث عن مكان آمن بين العباءة الإيرانية وأطراف ما يجرّه أردوغان من "أمجاد" من خيال.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة