إسرائيل تفرج عن 40 وثيقة سرية حول سوريا تعود لـ50 عاما
أفرجت الحكومة الإسرائيلية، اليوم الجمعة، عن 40 وثيقة سرية تعود للعام 1974، وتلقي الضوء على المفاوضات مع سوريا عقب حرب عام 1973.
وتتعلق الوثائق، التي اطلعت عليها "العين الإخبارية"، بالوساطة التي قام بها وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر بين رئيسة الوزراء الإسرائيلية السابقة غولدا مائير والرئيس السوري الراحل حافظ الأسد.
ونشر أرشيف دولة إسرائيل، التابع لمكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، الوثائق تحت عنوان "حكومة غولدا مائير والمفاوضات بشأن اتفاقية فصل القوات مع سوريا، يناير/كانون الثاني-مايو/أيار 1974).
وتتضمن ما يقرب من 40 وثيقة من مجموعات الأرشيف، بما في ذلك محاضر اجتماعات الحكومة الإسرائيلية خلال فترة المفاوضات.
وقال أرشيف دولة إسرائيل: "في أعقاب اتفاقية فصل القوات مع مصر في يناير/كانون الثاني 1974، ضغطت الإدارة الأمريكية على إسرائيل للتوصل إلى اتفاق مماثل مع سوريا بشأن الانسحاب من الجيب الذي استولت عليه في سوريا".
وأضاف: "أرادت إسرائيل إنهاء حرب الاستنزاف في القطاع والتوصل إلى تبادل أسرى، لكن السوريين رفضوا تقديم قائمة بأسرى الحرب".
واستدرك: "وبعد أن تم حل هذه المشكلة بوساطة أمريكية، استمرت المفاوضات حتى مايو/أيار 1974 بشأن الانسحاب الإسرائيلي من الجيب وفي هضبة الجولان".
وأشار إلى أنه "في مثل هذا الأسبوع قبل 50 عامًا، في 27 فبراير/شباط 1974، سلم وزير الخارجية الأمريكي هنري كيسنجر قائمة بأسماء أسرى الحرب الإسرائيليين المحتجزين لدى السوريين إلى رئيسة الوزراء غولدا مائير، وبذلك أنهى المرحلة الأولى من الاتصالات مع سوريا بعد حرب يوم الغفران (حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973)، ومهد الطريق لتبادل أسرى الحرب واتفاقية فصل القوات على الجبهة الشمالية".
وقال: "في أكتوبر/تشرين الأول 1973، بدأت المحادثات مع مصر؛ تم تنفيذ عمليات تبادل أسرى الحرب مع مصر في نوفمبر/تشرين الثاني، وكان كيسنجر مهتمًا بالإشراف على المرحلة التالية من المحادثات، وهي فصل القوات".
وأضاف: "وفي الواقع، سعى (كيسنجر) إلى الاستفادة من الوضع، لدفع تدابير دبلوماسية أوسع وإزاحة السوفيات عن وضعهم باعتبارهم الداعمين الرئيسيين للدول العربية".
وتابع: "في اتفاقية فصل القوات مع مصر التي تم التوقيع عليها في يناير/كانون الثاني عام 1974، وافقت إسرائيل، للمرة الأولى، على الانسحاب من مناطق احتلتها عام 1967".
وبحسب أرشيف دولة إسرائيل "كانت المفاوضات مع سوريا أصعب بكثير، ولم تسفر عن اتفاق إلا في نهاية شهر مايو/أيار، أي بعد نحو ستة أشهر من انتهاء الحرب".
وقال: "كانت سوريا مهتمة بالانسحاب الإسرائيلي من المناطق التي احتلت في أثناء الحرب، لكنها رفضت أن تنقل إلى إسرائيل قائمة بأسرى الحرب الذين تحتجزهم ولم تسمح للصليب الأحمر بزيارتهم".
وذكر أنه "كشرط لبدء المفاوضات، طلبت حكومة إسرائيل قائمة بأسماء أسرى الحرب، وبعد اتصالات أولية، تقرر، في اجتماع للحكومة في 3 فبراير/شباط 1974، إبلاغ كيسنجر بأن الحكومة ستوافق على تقديم أفكار له بشأن خط فصل جديد فقط بعد أن تتلقى قائمة بأسرى الحرب والسماح بزيارات الصليب الأحمر لهم".
كيسنجر والأسد
وبحسب الوثائق فإنه في 5 فبراير/شباط 1974، اقترح كيسنجر على الأسد أن يخبره أولاً بعدد السجناء ثم تسليم قائمة الأسماء إلى السفارة السورية في واشنطن، وبعد أن يزورهم الصليب الأحمر، ستقدم إسرائيل اقتراحا ملموسا لفصل القوات.
وتحت ضغط أمريكي، قبل السوريون اقتراحه بنقل القائمة بالتزامن مع الرد الإسرائيلي على اقتراحهم بفصل القوات.
وفي 7 فبراير/شباط 1974، تلقى كيسنجر رسالة من السوريين مفادها بأنهم يحتجزون 65 سجينًا، دون إعطاء الرقم لغولدا مائير وبقي سراً.
وبعد تقارير صحفية تفيد بأن الحكومة الإسرائيلية كانت تستسلم للضغوط الأمريكية، في 8 فبراير/شباط، أبلغت غولدا مائير المستوطنين من مرتفعات الجولان والجليل أن المرتفعات جزء لا يتجزأ من إسرائيل، وأنه ليس هناك مجال للانسحاب من خطوط وقف إطلاق النار في يونيو/حزيران 1967، بما في ذلك مدينة القنيطرة، وهو ما أثار غضب العرب.
وفي 26 فبراير/شباط، التقى كيسنجر مع الرئيس حافظ الأسد وحصل على الإذن بتسليم قائمة الأسماء إلى إسرائيل، فيما وعد الأسد بالسماح بزيارات الصليب الأحمر.
وفي 27 فبراير/شباط، سلم كيسنجر القائمة إلى غولدا مائير، ما أفشى حينها ارتياحا كبيرا لدى الحكومة والجمهور الإسرائيليين، وقررت الحكومة أن يكون تبادل الأسرى هو البند الأول في أي اتفاق، وفي الأول من مارس/آذار، بدأت زيارات الصليب الأحمر.
وبعد ذلك، اعترفت غولدا مائير للحكومة بأنها كانت تعلم أن قائمة السجناء كانت في يد كيسنجر "قبل أيام قليلة" من وصوله.
وهكذا تمكنت الحكومة الإسرائيلية من تلبية الشروط التي وضعتها لفتح المفاوضات، والآن أصبح بوسع زعماء البلاد أن يلجؤوا إلى مهمة أكثر صعوبة: صياغة مقترح لفصل القوات، بل والانسحاب في واقع الأمر.
وفي 27 فبراير/شباط، بعد أن سلم القائمة لغولدا مائير، التقى كيسنجر بفريق التفاوض الذي ضم رئيسة الوزراء، ووزير الخارجية أبا إيبان، ووزير الدفاع موشيه ديان، وديفيد العازار رئيس أركان الجيش وآخرين.
وقال كيسنجر، إنه لم يبرر الاتفاق مع سوريا لأسباب عسكرية، ولم يكن لمضمونه أي أهمية، "لقد كان توقيع اتفاقية مع دولة عربية متطرفة هو الأمر المهم، بالإضافة إلى تشجيع الدول العربية المعتدلة، بما في ذلك مصر، على طرد السوفيات من المنطقة"، على حد قوله حينها.
وكانت الأسباب التي ساقها الوزراء الإسرائيليون لرفض الانسحاب إلى ما بعد الخط الأرجواني (خط وقف إطلاق النار بين إسرائيل وسوريا بعد حرب عام 1967 ويعمل كحدود الأمر الواقع بين البلدين) تشير في الأساس إلى المستوطنات.
وبعد طرح الخط المقترح، قال كيسنجر إنه غير جدي، وإنه لا ينوي عرضه على السوريين.
واقترح تأجيل بدء المفاوضات 10 أيام وإرسال ممثل إسرائيلي إلى واشنطن على أن يصل الممثل السوري لاحقا.
ولكن بعد زيارة القاهرة، عاد كيسنجر إلى إسرائيل وأوضح موقف الرئيس المصري آنذاك أنور السادات: "إذا أصرت إسرائيل على الانسحاب إلى الخط الأرجواني واندلعت الحرب، فإنه سيضطر إلى دعم سوريا، لكن الانسحاب بضعة كيلومترات أخرى، ربما من القنيطرة، يمكن أن يحل المشكلة".
وردت غولدا مائير بأن الحديث عن الانسحاب إلى ما بعد الخط الأرجواني هو بمثابة "الديناميت في إسرائيل".
وفي 10 مارس/آذار، قدمت غولدا مائير حكومتها إلى الكنيست، وتحدثت عن تعزيز الجيش الإسرائيلي ورفض العودة إلى خطوط 1967، وعن الحاجة إلى تحويل اتفاقات وقف إطلاق النار والفصل بين القوات إلى معاهدات سلام.
وسخر مناحيم بيغن من الحكومة ومائير وموشيه ديان شخصياً، بسبب افتقارهم إلى المصداقية واستخدامهم للمعلومات حول التهديد بالحرب لأغراض سياسية.
ومع ذلك، أعرب الكنيست عن ثقته بالحكومة بأغلبية 62 صوتًا مقابل 46.
وتعبر محاضر اجتماعات الحكومة عن الخلاف حول الانسحاب من هضبة الجولان إلى ما وراء الخط البنفسجي، وهو خط الفصل بين القوات بعد حرب 1967.
وقال أرشيف دولة إسرائيل: "ناقشت الحكومة الإسرائيلية الأهمية الأمنية للانسحاب من الجيب السوري والقلق على أمن المجتمعات المحلية في مرتفعات الجولان".
وأضاف: "أعرب وزير الدفاع الإسرائيلي في حينه موشيه ديان عن قلقه من استئناف الحرب إذا استمرت إسرائيل في التمسك بالخط الحالي".
وتابع: "عارضت رئيسة الوزراء مائير في البداية أي انسحاب إلى ما بعد الخط الأرجواني؛ لكنها اضطرت في النهاية إلى الموافقة على التنازل عن مدينة القنيطرة"
وأشار إلى أنه "في اجتماع الحكومة يوم 17 مايو/أيار، قالت مائير: ماذا أفعل؟ يا إلهي، لم أكن أرغب في التخلي عن القنيطرة، ليس لأن القنيطرة مثل القدس… لم أكن أريد أن ننتقل من الخط الأرجواني".
واستنادا إلى أرشيف دولة إسرائيل فإن الوثائق "تتناول أيضاً حرب الاستنزاف في سوريا، وتسلل التنظيمات من لبنان، بما في ذلك الهجوم في معالوت، والمحادثات والمراسلات بين رئيسة الوزراء (مئير) ووزير الخارجية (كيسنجر)، والرد الإسرائيلي على الضغوط الأمريكية".
وقال: "تتعلق الوثائق أيضا بالأجواء العامة العاصفة، والضغوط التي مارستها عائلات أسرى الحرب والمعتقلين، وبروز حركة معارضة للانسحاب من هضبة الجولان".
وأضاف: "الاتفاق، الذي وافقت عليه الحكومة بالإجماع، ثم أقره الكنيست بعد ذلك، تم التوقيع عليه في 31 أيار/مايو في جنيف. ودخل وقف إطلاق النار حيز التنفيذ في اليوم نفسه".
وأوضح: "أُعيد أسرى الحرب الجرحى إلى إسرائيل في اليوم التالي، وفي 3 يونيو/حزيران قدم إسحق رابين حكومته، وفي 6 يونيو/حزيران، تم إعادة أسرى الحرب المتبقين من خلال استقبال حماسي في المطار من قبل إسحق رابين وغولدا مائير معًا".
aXA6IDE4LjIyNC42OS4xNzYg جزيرة ام اند امز