من المتوقع أن تؤثر على سعر الذهب في العام الجاري 8 متغيرات عالمية .. فما هي؟
في السطور التالية، نحاول إلقاء الضوء على أهم العوامل التي من المتوقع أن تؤثر على سعر الذهب في 2019، وما هي أهم التوقعات وهل لا يزال يستحق تسمية "ملاذ آمن" كأحد البدائل الاستثمارية؟
- الذهب في 2018
لكي نحصل على فهم أعمق، نحاول المرور على أهم ما حصل في 2018.
بلغ الطلب العالمي على الذهب 4345 طنا، مرتفعاً من 4159.9 طن في 2017، أي بنسبة ارتفاع 4.45% تقريباً، وينسجم هذا الحجم من الطلب مع متوسط الطلب العالمي لـ5 سنوات والبالغ 4347.5 طن.
أهم ما لفت نظري في 2018، أن البنوك المركزية حول العالم، تحركت بشكل ملفت، وكثفت عمليات الشراء لدعم احتياطيات بلدانها من المعدن الأصفر.
لقد بلغت مشتريات البنوك المركزية 651.5 طن من الذهب وهو حجم غير مسبوق منذ نحو 50 عاماً؛ ومن البنوك المركزية التي اشترت بكثافة خلال 2018 كانت روسيا وهنغاريا وبولندا وتركيا وكازاخستان والهند.
من المؤكد، أن هذا الشراء المكثف لم يكن عبثياً أو صدفة، باعتقادي إنه بشكل أو بآخر محاولة للتقليل من مخاطر تقلبات الدولار، مع تزايد احتمال تباطؤ اقتصادي عالمي، واحتمال تزايد المخاطر الجيوسياسية.
روسيا كانت الاكثر "تحوطاً" أو ربما "تحسساً"، حيث قامت بتسييل معظم ما لديها من سندات الخزينة الأمريكية خلال 2018 (كان لديها 114 مليار دولار من السندات الأمريكية)، علماً أننا لاحظنا أن عمليات التسييل بدأت منذ 2011، حيث كانت روسيا من أكبر دائني الولايات المتحدة برصيد 180 مليار دولار.
دول أخرى لم تشتر ذهباً منذ أكثر من 30 عاماً، قامت بشراء الذهب في 2018؛ من بينها تركيا والهند اللتان حذتا حذو روسيا ولكن ليس بنفس الاندفاع.
في المقابل، بلغ الاستثمار في سبائك الذهب وعملات الذهب 1090.2 طن (25% من إجمالي الطلب)، بينما بلغ الطلب على عملات الذهب (286 طنا)، في 2018 وهو الأعلى منذ 2013.
واحتل الطلب على مجوهرات الذهب الجزء الأكبر بـ 2200 طن (50% من إجمالي الطلب)، فيما بلغ المعروض من الذهب 4490.2 طن وبلغ الإنتاج 3364.9 طن.
- تذبذب السعر وأهم العوامل المؤثرة
من الطبيعي أن يتذبذب سعر الذهب بحسب العوامل المؤثرة عليه، ولكن في 2018 كان سعر الذهب يتأرجح بشكل غير اعتيادي، وهذا بسبب تعارض الأسباب المؤثرة في السعر.
فنهاك عوامل تؤدي إلى زيادة الطلب وأخرى تؤدي الى عكس ذلك، ومع ذلك أنهى الذهب عام 2018 أفضل من الكثير من أنواع الأصول الأخرى عند مستوى 1278.30 دولار.
الشكل التالي يوضح حركة سعر الذهب خلال 2018:
وعلى الرغم من تداخل بعض العوامل المؤثرة في سعر الذهب، فإن عرضها بشكل مستقل لا يعني عدم تأثر بعضها بالآخر، الهدف من العرض بهذه الطريقة هو توعوي وتثقيفي، مع الحفاظ على الموضوعية والمهنية في العرض وهو اجتهاد قد نتفق أو نختلف في عدد تلك العوامل أو أهمية تأثيرها.
- من أهم العوامل المؤثرة في سعر الذهب لعام 2019 هي:
1. الدولار الأمريكي: عادة تتناسب حركة الدولار الأمريكي عكسياً مع الذهب، وهذا يتطلب دراسة وتحليل أهم العوامل المؤثرة في الدولار، وفي مقدمتها سعر الفائدة الذي يرفع قيمة الدولار نتيجة انخفاض العرض ويضغط بالتالي على سعر الذهب.
2. التضخم: ارتفاع معدل التضخم يؤدي إلى انخفاض القيمة الشرائية للعملة، وبالتالي ارتفاع سعر الذهب، ولهذا في الدول النامية المضطربة لا ينصح بالاحتفاظ بكميات كبيرة من النقد لأنه عرضة للانخفاض.
3. عدم اليقين والمخاطر: ارتفاع حالة عدم اليقين والمخاطر سواء كانت جيوسياسية أو ائتمانية أو مخاطر الاقتصاد الكلي أو غيرها، ترفع مستوى القلق الذي يؤدي إلى رفع الطلب على المعدن الأصفر.
4. أداء أسواق المال: ارتفاع أسواق المال (الأمريكية على وجه الخصوص)، يجذب المستثمرين بسبب العوائد وأي تلكؤ في أدائها يرفع من مخاطرها ويتم التوجه إلى الذهب (جزئياً) كأحد الملاذات الآمنة.
5. الطلب على مجوهرات الذهب: معظم الطلب على الذهب يأتي من الطلب على مجوهرات الذهب، وتشير دراسات إلى أن تزايد الطلب بشكل مستدام يأتي من تنامي الطبقة الوسطى، خصوصا في آسيا.
وأعتقد أن هذا العامل سيكون عاملاً "زاحفاً" وبهدوء، أي أن تأثيره مهم جداً ولكن على المدى الطويل، أي بمعنى آخر يخدم المستثمر طويل الأمد.
6. بريكست (خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي): أعتقد أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بدون اتفاق، سيطيح بالجنيه الإسترليني ويرفع الطلب على الذهب، وإذا تم الاتفاق على تمديد فترة المهلة النهائية لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، فإن ذلك من شأنه تقليل المخاطر وبالتالي عدم اللجوء للذهب كملاذ آمن.
7. مشتريات البنوك المركزية: السؤال المهم في 2019، هل ستبقي البنوك المركزية في العالم على وتيرة الشراء التي شهدناها في 2018؟
تعزيز احتياطيات الدول موضوع يتضمن نظرة طويلة الأمد، سنراقب سلوك البنوك المركزية في الربع الأول، إذا تكرر نمط الشراء، فإن ذلك يجعلنا نعتقد أننا بصدد تأسيس نمط سلوكي يضع البنوك المركزية لاعباً ومحركاً رئيساً في الطلب على الذهب.
8. الاحداث المفاجئة: قد يرى كثيرون أن احتمال تصاعد بعض المخاطر الجيوسياسية، تأتي في طليعة الأحداث التي يجب مراقبتها، وفي الحقيقة أعتقد أن الحدث الأبرز الذي قد يتصاعد تأثيره، هو استمرار التحقيقات في الكونغرس الأمريكي بخصوص سلوكيات قد تشكل مخالفات من قبل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
في حالة إثبات وقوعها، سيكون لذلك تداعيات في مقدمتها حرمانه من الترشح لولاية ثانية؛ إن حصل مثل هذا الاحتمال فإن سعر الذهب سيشهد ارتفاعا حتى ولو بشكل مؤقت.
- 2019 والمدى السعري للذهب
من أهم العوامل التي ستقلل القلق، وبالتالي تقليل الطلب في 2019، هو التوصل لاتفاق على التجارة الحرة بين الولايات المتحدة والصين، واحتمال تمديد اتفاق بريكست.
بالمقابل، من أهم العوامل التي ستسمح بارتفاع الذهب هي سياسية الفدرالي "المتأنية" في رفع الفائدة، وحالة عدم اليقين في تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي.
هناك عشرات الأبحاث والمقالات المتخصصة ذكرت تقديرات متباينة، كل منها يعتمد على فرضيات وعوامل و ربما يعطي أوزانا مختلفة لأهمية بعض تلك العوامل.
بعض المصادر أشارت إلى معدل 1345-1365 دولارا للأونصة، وبعضها أشار إلى مدى سعري أوسع 1270-1380 دولارا للأونصة، وآخرون كانوا أكثر تفاؤلاً.
من آخر الأبحاث التحليلية التي صدرت خلال الأسبوع الماضي، هي لبنك "غولدمان ساكس" الأمريكي، حيث توقع محللوه أن يرتفع سعر الذهب خلال 3 و6 و12 شهراً إلى 1350 دولارا و1400 دولار و1450 دولارا للأونصة، على التوالي.
من المهم الإشارة إلى أن تلك التقديرات يتم مراجعتها بسبب بروز عوامل أو تغيرات في عوامل تقتضي معها المراجعة.
هذه الأسعار هي ليست توصيات شراء وإنما للإشارة إلى أن الذهب لا يزال مخزناً للقيمة في أوقات عدم اليقين والاضطرابات الاقتصادية.
لتكون الصورة أكثر وضوحاً، الشكل التالي يوضح حركة سعر الذهب خلال فترة 20 عاماً:
بعضنا ينظر للذهب على أنه ادخار وبعضنا الآخر يراه استثمارا، وآخرون يرونه زينة وتفاخرا، وربما هو كل هذا، أترك الموضوع بين أيديكم، أنتم كيف ترونه؟
وضاح ألطه/ عضو المعهد الأوروبي لحوكمة الشركات
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة