بعد تحديد موعد جنازة آخر زعيم سوفيتي.. ماذا نعرف عن جورباتشوف؟
بعد يوم من وفاته، أعلنت ابنة ميخائيل جورباتشوف أن جنازة آخر زعيم سوفيتي، الذي توفي عن عمر يناهز 91 عامًا، ستقام يوم السبت المقبل.
وقالت ابنة جورباتشوف إن الجنازة ستقام في قاعة الأعمدة الشهيرة داخل مجلس نقابات موسكو، وهو نفس المكان الذي عُرض فيه جثمان جوزيف ستالين بعد وفاته في عام 1953.
وقال الصحفي أليكسي فنيديكتوف، وهو صديق مقرب لجورباتشوف، في منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي، إن الجنازة ستقام يوم السبت الثالث من سبتمبر/أيلول المقبل.
المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف كان أكد في وقت سابق أن الكرملين سيقرر خلال اليوم الأربعاء ما إذا كانت الدولة الروسية ستنظم جنازة رسمية لجورباتشوف.
ونقلت وكالة تاس للأنباء عن بيسكوف قوله إن الكرملين سيعلن لاحقا ما إذا كان الرئيس فلاديمير بوتين سيحضر الجنازة.
وأرسل بوتين في وقت سابق اليوم الأربعاء تعازيه في برقية إلى عائلة جورباتشوف، بينما أشاد الكرملين بالسياسي الراحل باعتباره رجل دولة استثنائيا ساعد في إنهاء الحرب الباردة، لكنه كان مخطئا للغاية بشأن احتمالية التقارب مع الغرب "المتعطش للدماء".
ماذا نعرف عن جورباتشوف؟
توفي جورباتشيف عن 91 عاما الثلاثاء في روسيا جراء "مرض عضال وخطر"، على ما أعلن المستشفى حيث كان يعالج.
ولد ميخائيل جورباتشيف في عائلة مزارعين، "في قرية لا كهرباء فيها ولا جهاز راديو" وانتقل في سن التاسعة عشرة إلى موسكو بعدما كان يقود حصادة قمح في بلدته و"استقل للمرة الأولى القطار" للتوجه إلى الجامعة.
وخلال دراسته القانون انخرط في الحركة الطالبية للحزب الشيوعي المعروفة باسم "كومسومول". ولدى عودته إلى سيفروبول عمل بدوام كامل في هذه المنظمة وبرز سريعا في الفرع المحلي للحزب الشيوعي.
ولفت أنظار يوري اندروبوف الذي كان يومها مديرا لجهاز الاستخبارات السوفياتية (كاي جاي بي) فنقله إلى موسكو في 1978 حيث انضم إلى اللجنة المركزية في الحزب الشيوعي قبل أن يصبح الزعيم الأخير للاتحاد السوفياتي.
مسيرة تقليدية
وسلك مسيرة تقليدية في الحزب الشيوعي قبل أن يصبح في 11 مارس/آذار 1985 في سن الرابعة والخمسين زعيما للاتحاد السوفياتي. وكان الاتحاد السوفياتي يومها يعاني من أزمة اقتصادية وغارقا في حرب طال أمدها في أفغانستان.
وتميز بصغر سنه. ففي أقل من ثلاث سنوات بعد وفاة ليونيد بريجنيف في 1982، عرف الحزب الشيوعي السوفياتي أمينين عامين متقدمين في السن هما يوري أندروبوف وقسطنطين تشيرنينكو اللذان توفيا في هذا المنصب.
كان جورباتشيف مدركا أن الأزمة ستتفاقم، فأطلق برنامج "بريسترويكا" وسياسة "غلاسنوست" (الشفافية والانفتاح) لإصلاح النظام السوفياتي والحد من نفوذ الحرس القديم في الحزب الشيوعي.
وبات ملايين السوفيات يتمتعون بحريات غير مسبوقة لكنهم عانوا أيضا من نقص في السلع ومن فوضى اقتصادية وحركات قومية قضت على الاتحاد السوفياتي وهو أمر لم يغفره له الكثير من مواطنيه.
وخلال فترة حكمه حصلت تجاوزات؛ فدخلت الدبابات السوفياتية إلى ليتوانيا وقمع المتظاهرون السلميون في جورجيا، وفي 1986 وقعت كارثة تشرنوبيل النووية التي بقيت طي التكمان لمدة أيام ما ساهم في تعريض مئات آلاف الأشخاص لتلوث إشعاعي.
إرث مثير للجدل
في الغرب كان غورباتشيف يثير اهتمام القادة الغربيين من المستشار الألماني هلموت كول إلى الرئيس الأمريكي رونالد ريغن، بسبب انفتاحه على الحوار.
وقالت رئيسة الوزراء البريطانية مارغريت ثاتشر عنه: "يعجبني غورباتشيف إنه رجل يمكن التعامل معه".
وأظهر الزعيم السوفياتي أنه مختلف عمن سبقوه في هذا المنصب مع إبرامه اتفاقا حول نزع السلاح النووي ورفضه التدخل عسكريا للدفاع عن الستار الحديد وسحبه الجيش الأحمر من أفغانستان.
وتعزز احترام الغرب له مع ضبط النفس الذي أبداه عندما انهار جدار برلين والأنظمة الشيوعية في تشيكوسلوفاكيا والمجر وبولندا. ونال جائزة نوبل للسلام في 1990.
وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي الراحل شيمون بيريز الحائز جائزة نوبل أيضا "أهم الأحداث في القرن العشرين كانت تحرر المرأة وتحرير روسيا"، لكن الروس يعتبرون عموما أن غورباتشيف قضى على نفوذ بلدهم كقوة عالمية عظمى.
وكان رحيله عن السلطة مهينا بعض الشيء؛ فعند انتخاب بوريس يلتسين بالاقتراع العام رئيسا لروسيا السوفياتية في يونيو/حزيران 1991 حاول غورباتشيف إنقاذ الاتحاد السوفياتي باقتراحه حكما ذاتيا داخليا واسعا.
خصم لدود
إلا أن المشروع فشل في 19 أغسطس/آب 1991 عندما حاول التيار المتشدد في الحزب إطاحته إلا أن بوريس يلتسين، خصم جورباتشيف اللدود، كان المقاوم الأكبر لمحاولة الانقلاب الفاشلة هذه.
وانهار الاتحاد السوفياتي المتعثر أساسا، في ديسمبر/كانون الأول مع إعلان بيلاروس وأوكرانيا أن الاتحاد السوفياتي "لم يعد موجودا". واستتبع ذلك إعلان غورباتشوف استقالته في 25 ديسمبر/كانون الأول
وتقول المؤرخة إيرينا كاراتسوبا "كان رجلا سياسيا عفويا لم يفكر أبدا بالتداعيات، أراد غورباتشيف تغيير كل شيء من دون أن يغير شيئا في الجوهر".
وأضافت "انهارت الاشتراكية ذات الطابع الإنساني سريعا عندما انهارت أسعار النفط وخسر (الروس) الحرب الباردة. ستطرح تساؤلات كثيرة حول لغز جورباتشيف حول ما كان قادرا على التحكم به وخلاف ذلك".
وتعاطف الروس معه فقط في العام 1999 عندما توفيت زوجته رايسا بعد إصابتها بسرطان الدم. وكان جورباتشيف لا يتردد خلافا للعادات الروسية، في التعبير علنا عن حبه لزوجته التي عرفت بأناقتها.
ومنذ مغادرته السلطة انخرط غورباتشيف في الدفاع عن البيئة وأنشأ مؤسسة جورباتشيف المكرسة للدراسات الاجتماعية الاقتصادية. في العام 1996 ترشح للانتخابات الرئاسية في مواجهة بوريس يلتسين لكنه لم يحصل إلا على 0,5 % من الأصوات.