كيف قادت الصدفة ثورة الهيدروجين؟.. رحلة مبتكر مصري (مقابلة)
تمتلئ قائمة الإنجازات البحثية التي غيرت وجه البشرية، بعشرات القصص التي كان بطلها الصدفة، لكن ما حدث مع الهيدروجين كان مذهلاً.
وربما يضيف العالم قريبا إلى تلك القصص، قصة بطلاها باحثان مصريان بكلية الهندسة بجامعة دركسيل الأمريكية، حيث قادتهما الصدفة إلى اختراق مهم في إنتاج الهيدروجين بطريقة مستدامة، وباستخدام أشعة الشمس فقط.
فما هي تفاصيل تلك الصدفة التي يتحدث عنها المجتمع البحثي، وما هو الفارق الذي ستحدثه في مجال إنتاج الهيدروجين الأخضر، وما هو الاختلاف بين الطريقة التقليدية لإنتاج الهيدروجين الأخضر، والطريقة التي قادت لها تلك الصدفة.. هذه الأسئلة وغيرها يجيب عنها الدكتور حسين بدر، أحد الباحثين أصحاب الاكتشاف.
حتى نقيم أهمية ما توصلتم إليه، يجب في البداية معرفة ما هو الوضع حاليا، فيما يتعلق بإنتاج الهيدروجين الأخضر؟
يعول العالم كثيرا على الهيدروجين الأخضر كوقود للمستقبل، حيث إنه أوفر عنصر في الكون، ولكن المشكلة أن تقنيات إنتاجه، لا توفره بالفاعلية الكافية، فضلا عن أنها عاجزة عن تحقيق أهداف الاستدامة، لذلك فإن هناك جهودا تبذل لابتكار طرق فصل مستدامة للهيدروجين عن الماء، وكنت وزميلي ميشيل برسوم على موعد مع طريقة جديدة، يقف خلفها قصة طريفة.
وما تفاصيل تلك القصة؟
قصتنا شأنها شأن كثير من الإنجازات البحثية، حيث قادتنا الصدفة إلى اكتشاف طريقة الفصل المستدامة، التي تجعل من طاقة الهيدروجين الأخضر خيارا مثاليا لطاقة المستقبل، حيث كنا نعمل على تجهيز أحد مركبات عائلة "المكسين" من فلز انتقالي مثل التيتانيوم، بهدف دراسة ملاءمتها لعدد من التطبيقات.
وخلال عملية تحضير المركب، جرت العادة على استخدام حمض يسمى" الهيدروفلوريك الأكال"، للمرور من صيغة كيميائية وسيطة إلى الصيغة النهائية للمركب، لكن ما حدث، هو أننا كنا نبحث عن مادة بديلة لهذا الحمض، الذي يحتاج التعامل معه لاشتراطات أمان عالية للغاية، وخلال أكثر من عام من التجارب، شملت 150 تجربة على مجموعة مختلفة ومتنوعة من الهيدروكسيدات، وأثناء التجربة على "رباعي هيدروكسيد ميثيل الأمونيوم"، لم نحصل حينها على المركب المنتظر، بل حصلنا على أسلاك نانوية وجدنا أن لها قدرة على تسهيل التحليل الكيمائي الذي يفصل ذرات الهيدروجين ويحررها من جزيئات الماء عند تعريضه لضوء الشمس.
وكيف حولتم تلك الصدفة إلى دراسة بحثية؟
اختبرنا في دراسة بحثية استخدام التيتانيوم، بالإضافة إلى مواد أخرى، اشتُقت من معادن رخيصة التكلفة ومتوافرة، تحت درجة حرارة متوسطة (نحو 70-80 درجة مئوية)، لإنتاج الخيوط النانونية، وتم غمر الخيوط في محلول من ماء وميثانول، وتعريضها لأشعة فوق بنفسجية مرئية سُلطت عليها من مصباح يحاكي أطياف ضوء الشمس، وأثبتت تجاربنا أنها تمثل 10 أضعاف كفاءة المواد المستخدمة حاليا فيما يتعلق بالثبات والإنتاجية، حيث أنها مستقرة تحت تأثير أشعة الشمس المستمرة مدة أسبوعين، ولم تتأثر سلبا عند الإبقاء عليها في الماء مدة ستة أشهر.
إذا أردنا أن نلخص أبرز نقاط إنجازكم البحثي، فماذا يمكن أن تقول؟
أكسيد التيتانيوم في حد ذاته ليس مادة جديدة، ولكن الجديد في الخيوط النانوية بصفاتها المميزة والتي نجحنا في إنتاجها باستخدامها، وقد حصلنا على براءة اختراع عن تلك الخيوط المستخدمة في فصل الهيدروجين.
وما خطوتكم التالية؟
سنتعاون مع الشركات المهتمة بإنتاج الهيدروجين الأخضر من أجل اختبار الخيوط النانوية على أرض الواقع خلال عمليات التصنيع الحقيقية، كما بدأنا في إجراءات تأسيس شركة ناشئة تسعى إلى تسويق أكسيد التيتانيوم النانوي بمختلِف الشركات والدول التي ترغب في تجربته.
وهل تتوقعون رواجا لتقنيتكم الجديدة؟
هناك توجه واضح من دول العالم إلى التوقف عن استخدام الوقود الأحفوري وإحلاله بمصادر الطاقة النظيفة، لذلك أتوقع أن يكون لتقنيتنا دور مهم في مستقبل الطاقة النظيفة.
متى تتوقع إتاحتها في السوق؟
كما قلت لك فإن هناك توجها نحو طاقة الهيدروجين، فألمانيا لديها قطار يعمل بطاقة الهيدروجين، و كندا أيضا سيرت أول قطار بالهيدروجين في شهر يونيو / حزيران الماضي، و ولاية كاليفورنيا الأمريكية ستفعل نفس الشيء قريبا، كما أن الولاية لديها 12 ألف سيارة، بعضها يعمل بالهيدروجين والكهرباء، إذن فإن هناك رغبة في التحول.
ولكن المشكلة أن إنتاج الهيدروجين بشكل تجاري منافس للبترول، لم يصل بعض لمرحلة أن نطلق عليه "هيدروجين أخضر"، فما ينتج هو " الهيدروجين الرمادي"، حيث يكون من نواتج الإنتاج ثاني أكسيد الكربون، وما يحدث حاليا أن نعمل مع الشركات على إحداث تعديل في بنيتها التحتية ليكون إنتاج الهيدروجين منافس للبترول، وبتقنيات غير ملوثة للبيئة، بحيث يكون بالفعل "هيدروجين أخضر".
وما الفارق بين تقنيات إنتاج الهيدروجين الأخضر بطريقتكم والطرق المتاحة حاليا؟
الطرق المتاحة حاليا لإنتاج الهيدروجين الأخضر، تعتمد على استخدام معادن نادرة الوجود في التربة، منها معدن "البلاتين"، وهذا معدن مرتفع السعر، وغير متوفر بوفرة، بينما طريقتنا تعتمد على معادن متوفرة، ورخيصة الثمن.
ختاما: ما توقعاتك لمخرجات قمة "كوب 28" ودورها في الدفع باتجاه تلك التقنيات؟
قمم المناخ مثل "كوب 28" وقمة الهيدروجين العالمية التي استضافتها هولندا قبل شهور، فعاليات في غاية الأهمية، لأنها تناقش السياسات الجديدة من ناحية، وتنشر الوعي من ناحية أخرى، حتى يعرف الناس ماذا يحدث في اتجاه تقنيات الهيدروجين الأخضر، ولماذا يجب أن نتحول نحو تلك التقنيات.
aXA6IDMuMTQzLjIzNy4xNDAg جزيرة ام اند امز