في ذكرى «الهروب الكبير».. وثيقة تكشف خيانة أوقعت رجال المهمة المستحيلة

أثارت وثائق مكتشفة حديثًا تساؤلات بعد مرور 80 عامًا على اكتشاف الحراس النازيين النفق المستخدم للهروب من شتالاغ لوفت 3.
ففي الخامسة صباحًا قبل 80 عامًا وتحديدا في 25 مارس/آذار 1944، اكتشف الحراس الألمان في معسكر أسرى الحرب شتالاغ لوفت الثالث أكثر حالات الهروب جرأة في الحرب العالمية الثانية، وفقا لصحيفة ديلي ميل البريطانية.
وبعد ما يقرب من عام من الحفر باستخدام أدوات بدائية، وتجنب اكتشافهم بواسطة الميكروفونات حول السياج المحيط وكذلك "القوارض" أو المخابرات العسكرية النازية في المعسكر، نجح 76 ضابطًا من سلاح الجو الملكي البريطاني في الهروب على طول نفق يزيد طوله عن 91 مترا.
كانت عملية تتسم بشجاعة وسعة حيلة منقطعة النظير، وتم تخليدها في أحد أروع أفلام هوليوود على الإطلاق - The Great Escape (الهروب الكبير) بطولة ستيف ماكوين وريتشارد أتينبورو.
لكن العواقب كانت استثنائية، فبعد حالة الغضب الشديد إثر اكتشاف أمر الهروب، أمر أدولف هتلر شخصيًا بمطاردة واسعة النطاق للرجال، أعقبها إعدام ثلثهم.
وثيقة مرفوضة
وتمكن ثلاثة فقط من الهاربين من العودة إلى بريطانيا. وتم إحباط بقية العمليات بسبب سوء الحظ، وشبكات التجسس الألمانية، ووفقاً لأدلة جديدة تم اكتشافها هذا الشهر - والخيانة الصريحة من قبل عميلين بريطانيين.
وقد أظهرت وثيقة أفرج الأرشيف الوطني عنها وكتبها ملازم الطيران ديزموند بلونكيت، الذي كان يبلغ من العمر 27 عامًا عندما تم أسره في يونيو/حزيران 1942 بعد إسقاط قاذفته فوق هولندا، بخط اليد بالقلم الرصاص والمؤرخة في 11 مايو/ أيار 1945، ما يلي: "هناك شخصان، اسميهما الحقيقيين غير معروفين وكان لأنشطتهما تأثير مباشر على مصير أسرى الحرب الخمسين الذين تم إعدامهم".
وأضاف "يجب تعقب هذين الشخصين، حيث أنهما بلا شك رجلان إنجليزيان، ويجب محاكمتهما بسبب أنشطتهما في التعاون مع العدو".
هذه هي المرة الأولى التي تثار فيها الشكوك بأن عملية الهروب قد تم تخريبها من الداخل. وإذا كان بلونكيت، الذي توفي عام 2002 عن عمر يناهز 86 عامًا، يشير إلى زملائه السجناء الذين اعتبرهم خونة، إلا أن مزاعمه التي تلقتها مديرية الاستخبارات العسكرية التابعة للمكتب الحربي في بريطانيا لقيت رفضا قاطعا.
معسكر اعتقال منيع:
وبني معسكر شتالاغ لوفت الثالث الجديد بمعايير تمنع محاولات هروب السجناء، إذ رفعت غرف السجناء عن الأرض، بالإضافة إلى ذلك تم بناء المخيم فوق رمال صفراء يَصعبُ اختراقها وإخفاؤها من قبل أي شخص يحاول الهرب.
برغم ذلك لم يضع النازيون ضمن حساباتهم جرأة وإبداع الطيارين في هذا المعسكر، وكان الطيارون المسجونون في المعسكر من جنسيات بريطانية وكندية وأمريكية، وغيرهم من أفراد طيران الحلفاء الذين كان عددهم نحو 600 طيار.
وشجَّعت اتفاقية جنيف التي وَقَّعت عليها ألمانيا بمعية الدول الأوروبية، والتي تنص على أنّ عقوبة محاولة الهروب من السجن هي الحبس الانفرادي لمدة عشرة أيام فقط، شجعت طيّاري التحالف على المخاطرة من أجل الهرب، فرأوا أنّ العيش بحرية لا يُقارن بالبقاء عشرة أيّام في السجن الانفرادي في حال باءت المحاولة بالفشل.
خطة الهروب:
وذكر موقع القوات الجوية الملكية البريطانية أن عملية الحفر استمرت نحو 15 شهراً، شارك فيها أكثر من 600 أسير، تحت قيادة ضابط سلاح الجو الملكي البريطاني روجر بوشيل، الذي أُطلق عليه اسم "Big X"، وكان صاحب خطة الهروب الكبير تلك.
وكانت الخطة تقوم على حفر ثلاثة أنفاق بطول 300 قدم، وبعمق 30 قدماً لكل نفق، وأطلقت على الأنفاق الثلاثة أسماء "توم" و"ديك" و"هاري".
وارتكزت خطة بوشيل على أنّه إذا كشف الجنود الألمان أحد الأنفاق فلن يشكوا في النفقين الآخرين.
واستعمل السجناء لحفر الأنفاق الثلاثة نحو 2279 سكين وشوكة وملعقة في الحفر، ونحو 4 آلاف لوح سريري لتدعيم جدران الأنفاق، كما تم تحويل 1400 علبة حليب إلى قنوات تهوية لضخ الهواء في الأنفاق الثلاثة.
كما تفادى العاملون في الحفر ارتداء ملابسهم أثناء العمل، لكي لا تلتصق بها الرمال ويتم كشف أمرهم.
كما كانت الخُطة حسب موقع "هيستوري" المتخصّص في التاريخ تتمثل في تهريب 200 أسير فقط، جزءٍ منهم ممَّن يجيدون الحديث باللغة الألمانية، وجزء من الذين عملوا بجدٍّ في عملية الإعداد، واختير البقية عن طريق القرعة.
وكما توقَّع بوشيل، اكتشف أحد الأنفاق من طرف الجنود الألمان، وهو نفق"توم"، وفرح الألمان باكتشافهم للنفق، لكنهم لم يكونوا على دراية بأن عمل السجناء على النفقين "ديك" و"هاري" مستمر.
حوَّل السجناء نفق "ديك" إلى مساحة تخزين للرمال، وركزوا كل أعمال البناء على النفق "هاري"، حتى اكتمل حفره في شهر مارس/آذار عام 1944.
وفي ليلتَيْ 24 و25 مارس/آذار عام 1944، شرع الضابط البريطاني روجر بوشيل في إنجاز خطته للهرب، وكانت الخطة أن يمرَّ عشرة سجناء عبر النفق "هاري" كل ساعة، انطلاقاً من الغرفة 104 التي تقع فيها فوهة هذا النفق.
بمجرد وصولهم إلى الغابة، تفرق أسرى الحرب في أزواج، كل منهم يحمل وثائق مزورة وخطة للعودة إلى المملكة المتحدة.
لكن الخطة اكتشفت عندما أطلق حارس ألماني في دورية ناقوس الخطر قبل وقت قصير من الفجر عندما كاد أن يتعثر في فتحة الخروج. وهرب أقل من نصف العدد المقرر وعددهم 200 شخص. وكان هذا الاكتشاف مجرد حادث، ولكن كان من الممكن تجنبه لو أن النفق قد وصل إلى الغابة كما هو مخطط له.
وكان من نتائج هذه العملية مقتل 50 أسير حرب اعتقلوا بعد فشل عملية الهروب.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuNSA= جزيرة ام اند امز