الهدي في الحج.. أنواع وشروط وأحكام "التقرب إلى الله"
الهدي واجب من واجبات الحج إذا كان الحاج متمتعا أو قارنا (جمع بين الحج والعمرة)، وهو ما يهدى من الأنعام إلى الحَرَم تقرباً إلى الله.
ويجب على القارن والمتمتع، ولا يجب على المفرد إلا بفعل محظور أو تَرْكِ واجب، وللهدي أحكام وشروط تتعلق به، فهو كأضحية العيد؛ حيث يجب ذبح شاة مجزئة في الأضحية، أو سُبُع بقرة أو سُبُع بَدَنة يشترط فيها أن لا يكون بها عيبٌ، أو مرضٌ، أو عورٌ وعرجٌ بيِّن، ولا يشترط أن يذبح الحاجّ هديه بنفسه، بل يجوز له أن يوكّل من يذبح عنه.
أنواع الهدي
ينقسم الهَدْي إلى نوعين تطوع وواجب، وهدي التطوع هو من الذبائح المستحبة: وهو ما يهدى لبيت الله تقربا به إلى الله سبحانه في غير تمتع ولا قران، فيشمل ما يهديه الحاج المفرد، وأيضا ما يهديه المعتمر، ويشمل كذلك ما يهديه المسلم من أي مكان فيبعثه إلى الحرم ليذبح هناك.
أما الهدي الواجب فهو الذي يجب بسبب من الأسباب الموجبة للدم، مثل هدي التمتع والقران، أو الدم الواجبة بفعل محظور أو تَرْكِ واجب من واجبات الحج.
هدي التمتع والقران
من حج متمتعاً أو قارناً فيلزمه ذبح الهدي، بشرط أن لا يكون من حاضري المسجد الحرام- أي ليس من أهل الحرم وما اتصل به.
ووجوب الهَدي على المتمتع والقارن له سبب، وهو الجمع بين النسكين (الحج والعمرة) في سفرة واحدة؛ وهدي التمتع والقران لا يجوز ذبحه إلا في الحرم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نحر هديه في الحرم، وقال: "خذوا عني مناسككم"، وهكذا أصحابه رضي الله عنهم إنما نحروا هديهم في الحرم تأسيًا به صلى الله عليه وسلم.
يقول جل وعلا: "فَإِذَا أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ "(196) سورة البقرة، فقوله: فمن تمتع بالعمرة إلى الحج، يشمل القارن ويشمل المتمتع، ولا يجوز أن يستعاض عن ذبح هدي التمتع والقران بالتصدق، والصحابة والتابعين ومَن بعدهم من المجتهدين أخذوا بما دل عليه القرآن ودلت عليه السُّنّة من وجوب الهَدْي على المُتَمَتِّع والقارن فإن لم يستطع فإنه يصوم عشرة أيام ثلاثة في الحَجّ وسبعة إذا رجع إلى أَهْله.
وأيام الذبح أربعة: يوم العيد وثلاثة أيام بعده، ويجوز الذبح في ليالي أيام التشريق؛ لقوله تعالى: "لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ (28) ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ".
هدي الإحصار والفوات
من فاته الوقوف بعرفة بأن طلع عليه الفجر يوم النحر ولم يقف بعرفة بعد، فإن الحج قد فاته، فيتحلل حينئذ بعمرة، ويجب عليه قضاء حجه، وأن يذبح هديا في قضائه، هذا إذا لم يكن قد اشترط في بداية إحرامه، فإن اشترط فلا شيء عليه.
ويجب الدم أيضاً بسبب الإحصار وهو طروء مانع يمنع المُحْرِم من إتمام نسكه بعد أن شرع فيه، كمرض، فهنا ينحر هديا في محله ثم يتحلل، والدليل على ذلك قوله تعالى: "فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلاَ تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ".
دم ترك الواجب
وهو الدم الواجب لترك واجب من واجبات الحج كترك الإحرام من الميقات، وترك المبيت بمزدلفة ومنى، وترك طواف الوداع، فمن ترك واجبًا من واجبات الحج وجب عليه دم، والدم سبع بدنة، أو سبع بقرة، أو شاة تجزئ أضحية، يذبح بمكة ويقسم بين فقراء الحرم، وإن كان لا يستطيع فإنه يصوم عشرة أيام: ثلاثة في الحج، وسبعة إذا رجع إلى أهله.
ويبدأ وقت ذبح الدم لترك واجب من أول ترك الواجب، سواء كان قبل أيام العيد أو بعده، ولا حد لآخره، ولكن تعجيله بعد وجوبه مع الاستطاعة واجب، ولو أخره حتى وصل إلى بلده لم يجزئ ذبحه في بلاده، بل عليه أن يبعث ذلك إلى الحرم ويشتريه من هناك ويذبحه في الحرم ويوزع على فقراء الحرم، ويجوز أن يُوَكِّل من يقوم بذلك نيابة عنه من الثقات.
كفارة محظورات الإحرام
من ارتكب محظور من محظورات الإحرام كالحلق ولبس المخيط والتطيب وتقليم الأظافر، فالواجب فيه دم على التخيير، فإما فدية أو صيام ثلاثة أيام، أو إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع من التمر، أو غيره مما يقتات به كالبر والأرز والذرة، مقداره كيلو ونصف تقريبًا.
كفارة الجماع
وهو الدم الواجب بالجماع، فإذا جامع الرجل زوجته قبل التحلل الأول فسد حجه، وعليه بدنة يذبحها ويقسمها على الفقراء بمكة المكرمة، ويتم أعمال الحج ويقضيه من العام التالي.
دم جزاء الصيد
تلزم الفدية من تعمد قتل الصيد وهو محرم أو قتله في الحرم لقول الله سبحانه: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ".
هدي التطوع
ومن الذبائح المستحبة: هدي التطوع، وهو ما يهدى لبيت الله تقربا به إلى الله سبحانه في غير تمتع ولا قران، فيشمل ما يهديه الحاج المفرد، وأيضا ما يهديه المعتمر، ويشمل كذلك ما يهديه المسلم من أي مكان فيبعثه إلى الحرم ليذبح هناك، وهو سنة؛ لفعل النبي صلى الله عليه وسلم، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: لقد كنت أفتل قلائد هدي النبي صلى الله عليه وسلم، فيبعث هديه إلى الكعبة، فما يحرم عليه مما يحل للرجال من أهله حتى يرجع الناس، أخرجه البخاري.
وقد ساق النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع مئة من الإبل، نحر منها ثلاثاً وستين بيده، وأكمل علي بن أبي طالب الباقي، فعَنْ جَابِرٍ بن عبد الله رضي الله عنه (أَنَّ الْبُدْنَ الَّتِي نَحَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ مِائَةَ بَدَنَةٍ، نَحَرَ بِيَدِهِ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ، وَنَحَرَ عَلِيٌّ مَا غَبَرَ، وَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ كُلِّ بَدَنَةٍ بِبَضْعَةٍ، فَجُعِلَتْ فِي قِدْرٍ، ثُمَّ شَرِبَا مِنْ مَرَقِهَا) رواه أحمد.
الأكل من الهدي
فرق الفقهاء بين دم الجبران (يعني فدية من ترك واجبا من واجبات الحج فإنه يجبر بدم)، فلا يجيزون الأكل منه، وبين دم النسك والتطوع الذي يجيزون الأكل منه، فلا يجوز الأكل من الهدي إن كان واجبًا عليه بفعل محظور أو ترك واجب، أما إن كان الهدي متطوعًا به أو أضحية أو باعتباره من أنساك الحج- المتمتع والقارن- فله الأكل منه.