التحولات الكبرى والقفزات النوعية لأي دولة نحو المستقبل والتنمية والابتكار لا تكون صدفة بل تأتي نتيجة عقود من التعليم المتميز والأمن الراسخ والتنمية المتواصلة، تعززها رؤية استراتيجية على المدى البعيد وقيم الدولة وعلاقاتها الخارجية واقتصادها المتين.
هكذا هو الأمر في التوجهات الجادة للسعودية والإمارات نحو الاستفادة من اقتصاد الفضاء وفرصه الواعدة خاصة في المجالات ذات الأولية مثل الاستدامة والتكنولوجيا.
بدأت الإمارات مسيرة اكتشاف الفضاء بحلم المؤسس الشيخ زايد، ومن ثمّ تابع أبناؤه من بعده بجد وتخطيط وعمل دؤوب العمل على تحقيق هذا الحلم الطموح، حتى نجحوا في أول مهمة فضائية عبر مركز محمد بن راشد للفضاء عندما أُرسل رائد الفضاء المميز هزاع المنصوري في رحلة استمرت ثمانية أيام على متن محطة الفضاء الدولية عام 2019.
وفي عام 2021، قامت الإمارات بخطوة استثنائية في مسيرة اكتشاف الفضاء حين أصبحت أول دولة عربية تصل إلى كوكب المريخ بعدما نجح مسبار "الأمل" الإماراتي في دخول مداره حول الكوكب الأحمر.
ثم تبع ذلك إنجاز إماراتي آخر هو الأول من نوعه عربياً، وحصد أصداءً عالمية واسعة، عندما قام رائد الفضاء الإماراتي سلطان النيادي بالسير في الفضاء خارج محطة الفضاء الدولية، وذلك خلال المهمة الفضائية التي أداها مع طاقم crew-6 التي انطلقت في فبراير/شباط الماضي بواسطة صاروخ شركة "سبيس إكس فالكون 9"، وتمتد هذه المهمة لستة أشهر، يشارك خلالها في إجراء تجارب علمية في عشرة مجالات حيوية طوال مدة المهمة.
السعودية كانت قد خطت خطوة تاريخية وغير مسبوقة لاستكشاف الفضاء قبل نحو أربعة عقود تقريباً، عندما انطلق أول رائد فضاء عربي مسلم، وهو الأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز، في رحلة دامت نحو سبعة أيام، على متن مكوك الفضاء الأمريكي ديسكفري.
ومن يومها والحلم السعودي بريادة الفضاء لم يغب عن الأذهان، وقد دعمته مؤخراً البنية العلمية في المملكة، متمثلة في مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية، ثم الهيئة السعودية للفضاء التي تأسست عام 2018، وأطلقت العام الماضي برنامجاً لإرسال روّاد سعوديين إلى الفضاء.
واستكمالاً لهذه المسيرة العلمية كان السعوديان ريانة برناوي وعلي القرني قد وصلا قبل نحو ثلاثة أيام إلى محطّة الفضاء الدولية لتدشن بذلك المملكة مرحلة جديدة في مجال الفضاء، ولتصبح ريانة برناوي أول امرأة عربية مسلمة تصعد إلى محطة الفضاء الدولية، وتتصدر بذلك المملكة الدول العربية بعدد روّاد الفضاء الذين أرسلتهم إلى المحطة الدولية.
كان لافتاً مشهد اللقاء الخليجي الذي رأيناه حين التحمت مركبة علي وزميلته ريّانة مع محطّة الفضاء الدولية، واستقبلهم رائد الفضاء الإماراتي سلطان النيادي بالماء والتمر، وكتب على حسابه بـ"تويتر": "يجتمع العلَمَان الإماراتي والسعودي جنباً إلى جنب في الفضاء".
مشهدُ اللقاء هذا يُبهج كل خليجي وعربي ويكشف اهتمام السعودية والإمارات بصناعة الفضاء وأبحاثه العلمية، ويؤكد الرؤى الطموحة لقيادتي البلدين لمواكبة الطفرة الاقتصادية في عالم الفضاء، وحجز موقع ريادي على خريطة الاقتصاد الدولي في هذا القطاع الواعد.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة