باحث أمريكي: دول الخليج أفضل وسيط للسلام في أوكرانيا
قال الباحث الأمريكي في معهد نيولاينز للدراسات السياسية والاستراتيجية يوجين تشوسوفسكي إن أحد الجوانب الرئيسية في الحرب الأوكرانية تمثل في ظهور لاعبين من خارج الصفوف الموالية للغرب وروسيا، لكنهم مع ذلك مؤثرون في تشكيل مسارها.
وأحد هؤلاء اللاعبين البعيدين عن فريق الغرب وروسيا هو مجلس التعاون الخليجي المكون من ستة دول أعضاء، هي: السعودية، ودولة الإمارات العربية المتحدة، وقطر، والكويت، والبحرين، وعمان، بحسب تحليل كتبه تشوسوفسكي بمجلة "فورين بوليسي" الأمريكية.
وقال الباحث بمعهد نيولاينز (مقره واشنطن) إنه على الرغم من التحالف الفضفاض مع القوى الغربية مثل الولايات المتحدة، لم تنضم تلك الدول إلى الإجراءات المناهضة لروسيا، لافتا إلى أن دول مجلس التعاون الخليجي أثرت على ديناميكيات رئيسية بالحرب في أوكرانيا، مثل الطاقة والدبلوماسية وتقاطع الجغرافيا السياسية الأوراسية مع الشرق الأوسط.
ويعتبر مجلس التعاون الخليجي لاعبا أساسيا في أسواق النفط والغاز الطبيعي العالمية، حيث تمثل مجتمعة حوالي 40% من احتياطيات النفط المؤكدة العالمية و23% من احتياطيات الغاز الطبيعي المؤكدة، بحسب تشوسوفسكي، مشيرا إلى أن هذا عامل مهم، بالنظر إلى أن الولايات المتحدة وأوروبا جعلتا تنويع المصادر بعيدا عن الطاقة الروسية جزءا رئيسيا من استراتيجيتهما لاعتراض جهود موسكو الحربية في أوكرانيا وتقليص عائداتها.
وأوضح تشوسوفسكي، في تحليله، أن دول مجلس التعاون الخليجي أدت وظائف هامة مرتبطة بكل من تلك الجهود الغربية، ففيما يتعلق بالتنويع استوردت أوروبا مزيدا من النفط من السعودية ودولة الإمارات والكويت خلال العشرة شهور الأولى من عام 2022 مقارنة بنفس الفترة العام السابق (وفي حالة السعودية ودولة الإمارات، أكثر من إجمالي الثلاث سنوات الماضية).
وازداد تدفق الغاز الطبيعي من دول الخليج إلى أوروبا أيضا، حيث كانت قطر ثاني أكبر مورد للغاز الطبيعي المسال إلى الاتحاد الأوروبي (بعد الولايات المتحدة) العام الماضي، حيث قدمت 16% من إمدادات الغاز الطبيعي المسال إلى التكتل الأوروبي في الشهور العشرة الأولى من 2022.
وفي تلك الأثناء، وقعت شركة "قطر للطاقة" المملوكة للدولة اتفاقا لمدة 15 عاما مع ألمانيا في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2022 لإرسال مليوني طن من الغاز الطبيعي المسال سنويا بداية من 2026، مما يعزز العلاقات طويلة الأمد بين أكبر مورد للغاز الطبيعي المسال في الخليج وأكبر اقتصاد في أوروبا.
ومع ذلك، لم تتماش دول مجلس التعاون الخليجي تماما مع استراتيجية الغرب الأوسع المتعلقة بالطاقة، بحسب تشوسوفسكي، موضحا أن دول الخليج زادت بالفعل من وارداتها من النفط الروسي منذ بدء الصراع، حيث استخدمت النفط الأرخص التي استوردته من روسيا في الاستخدام المحلي، بينما زادت صادرت نفطها إلى أوروبا.
كما عارضت دول مجلس التعاون الخليجي استبعاد موسكو من أوبك بلس، التي تتضمن أعضاء أوبك بالإضافة إلى دول أخرى مثل روسيا وكازاخستان وماليزيا والمكسيك وجنوب السودان والسودان.
وقال تشوسوفسكي إن دول الخليج دعمت أهمية روسيا بأسواق النفط العالمية والوحدة داخل أوبك بلس، لافتا إلى أنه بالرغم من تراجع إنتاج النفط الروسي بسبب العقوبات وخفض الإمدادات إلى أوروبا، لا تزال روسيا ثاني أكبر منتج للنفط داخل أوبك بلس، حيث يحسب أعضاء الكتلة الحاجة إلى تعاون موسكو لتحقيق الاستقرار في الأسعار في حال تقلب أسعار النفط في المستقبل.
ورأى الباحث، في تحليله، أن العديد من دول مجلس التعاون الخليجي استفادت من ثقلها فيما يتعلق بالطاقة ووضعها السياسي للعب دور دبلوماسي أكثر نشاطا في الحرب، على سبيل المثال تفاوض ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان على تبادل للأسرى بين روسيا وأوكرانيا في سبتمبر/أيلول عام 2022، في حين توسطت دولة الإمارات والسعودية في تبادل للسجناء بين الولايات المتحدة وروسيا في ديسمبر/كانون الأول من نفس العام، والذي تضمن مبادلة لاعبة كرة السلة بريتني غرينر وتاجر السلاح فيكتور بوت.
واعتبر تشوسوفسكي أن جهود الوساطة تلك لم تكن لتصبح ممكنة بدون علاقات العمل الوثيقة مع كل من روسيا والغرب، وهذا يشير إلى الوضع الفريد الذي تتمتع به دول مجلس التعاون الخليجي التي رفضت فرض عقوبات على روسيا والحفاظ على روابط اقتصادية مع موسكو، وكذلك استعدادها لزيادة إمدادات الطاقة إلى أوروبا.
وفي النهاية، لا تريد دول مجلس التعاون الخليجي الانجرار إلى الصراع، لكنها قد تصبح عاملا أساسيا فيه، بحسب تشوسوفسكي، موضحا أنه بناء على الكيفية التي سيستمر بها الصراع قد تشارك دول الخليج في تسوية محتملة للحرب عندما يحين وقتها.