مبادرة إسكات البنادق.. هل تنهي الحروب في القارة السمراء؟
مبادرة إسكات البنادق 2020 تواجه تحديات كبرى بسبب التهديدات الإرهابية والأزمات الإنسانية والمادية التي تعاني منها بعض الدول الأفريقية.
بحلول عام 2020 من المزمع أن يتم إعلان "إسكات البنادق في أفريقيا" وفقا لرؤية أفريقيا 2063، وعلى الرغم مما حققته القارة من تقدم في العديد من السياقات الخاصة بمواجهة التهديدات الأمنية، وما تم وضعه من خطط واستراتيجيات فاعلة لضمان تحقيق واستدامة السلم والأمن في القارة الأفريقية، فإن الوضع الراهن لا ينبئ بأن الوصول إلى هذا الإعلان ما زال بعيدا إلى حد ما عن التنفيذ بحلول العام القادم، وذلك في ضوء استمرار الصراعات وتعقد خارطتها، وتصاعد التهديدات الإرهابية، والتحديات المادية والإنسانية في أفريقيا والتي تقف حائلا دون تحقيق الهدف المرحلي المرجو من الرؤية.
القمة الأفريقية.. نسائم أمل لإسكات البنادق وتوحيد القارة السمراء
مبادرة إسكات البنادق
احتفلت منظمة الوحدة الأفريقية في مايو/أيار عام 2013 بالذكرى الخمسين لتأسيسها، وقد شهدت إحياء ذكرى اليوبيل الذهبي للاتحاد الأفريقي اعتماد رؤساء الدول والحكومات الأعضاء، إعلان الذكرى السنوية الخمسين والذي عبّر عن إصرار القادة على "تحقيق هدف أفريقيا الخالية من النزاع، وجعل السلام حقيقة، وتخليص القارة من الحروب، والصراعات الأهلية، وانتهاكات حقوق الإنسان، والكوارث الإنسانية والصراعات العنيفة".
وانطلق في هذا الوقت الحديث حول مبادرة "إسكات البنادق"، حيث وقع الزعماء الأفارقة وثيقة Solemn declaration، والتي تناولت رؤيتهم وتطلعاتهم للخمسين عاما القادمة (رؤية أفريقيا 2063).
وتضمنت تلك الرؤية مراحل مقسمة لفترات زمنية مقدار كل فترة منها 10 سنوات، وتشرف عليها إدارة التخطيط الاستراتيجي للاتحاد الأفريقي بالتشاور مع مختلف الأطراف داخل القارة.
وقد حدد زعماء القارة في تلك الوثيقة نقاطا محددة: نريد إفريقيا قوية، فتيّة، متعلمة، مصنعة، منتجة، وفاعلة في الدور العالمي، خاصة أن أفريقيا تمتلك أكثر من 90% من احتياطيات الموارد في العالم.
ويستند هذا المخطط، المشار إليه في جدول أعمال 2063، إلى تسريع تنفيذ المبادرات الوطنية والإقليمية والقارية الماضية والسابقة لضمان النمو والتنمية المستدامة، ويقع في قلب جدول أعمال 2063 التطلع إلى أفريقيا آمنة وسلمية، وخلصت خارطة إلى مراحل محددة بأجندة زمنية تشمل:
• عام 2016: التحول إلى البث التلفزيوني الرقمي في كل أنحاء أفريقيا
• عام 2017: تسريع إنشاء منطقة قارية للتجارة الحرة
• عام 2018: تتمتع القارة باتصالات حديثة متماشية مع الاتصالات الدولية
• عام 2019: المضي قدما في توحيد مواصفات جواز السفر الرقمي الأفريقي
• عام 2020: العمل على إسكات صوت البنادق في القارة من خلال العمل على احتواء النزاعات والصراعات داخل القارة، وأن يتم التعامل من جانب كل من له قضية في القارة، من خلال المفاوضات والطرق السلمية لحلها، خاصة في ظل السعي نحو تطوير القوات الأفريقية بشكل كبير، وألا يكون هناك أي وجود لقوات حفظ سلام من خارج القارة.
• عام 2022: تطوير برامج التجارة الأفريقية البينية، بحيث تكون الأولوية للتجارة بين دول أفريقيا.
وقد أعلن مجلس الأمن والسلم الأفريقي التابع للاتحاد الأفريقي في 1 يوليو/تموز 2017 وضع خريطة طريق ميدانية لـ"إسكات صوت الأسلحة" في القارة بحدود عام 2020، وتفعيلها على الأرض خلال القمة التاسعة والعشرين لرؤساء دول وحكومات الاتحاد.
وأنجز مجلس الأمن والسلم الأفريقي في آخر اجتماعاته قبيل القمة، تفاصيل توصية للزعماء الأفارقة، للمقترح بإسكات الحروب بحلول 2020، تتضمن تعيين عدد من الشخصيات المهمة لمتابعة الأمر وتقديم تقارير حول تنفيذ المقترح، الذي تمت إجازة خطوطه العريضة في اجتماع سابق في 16 يناير/كانون الثاني 2017.
وقد اعتمدت القمة الأفريقية الـ٢٩ في يناير/كانون الثاني ٢٠١٧ خارطة طريق أعدها مجلس السلم والأمن الأفريقي وحددت آليات ملزمة لكل الأطراف لإنهاء الحروب والنزاعات في القارة الأفريقية بحلول عام ٢٠٢٠.
ومن خلال المبادرة، يتم التوصل إلى اتفاقات نهائية مع أطراف النزاع، ووقف إطلاق النار، وإيصال المساعدات الإنسانية للمتضررين ومحاربة المجاعات، ومعالجة جميع القضايا في القارة الأفريقية، وطرح الحوار بين كل الأطراف والتوصل إلى التنازلات من أطراف النزاع "الحكومات – الحركات الشعبية".
وقد عين في أكتوبر/تشرين الأول 2017 وزير الخارجية الجزائري السابق ومفوض السلم والأمن السابق للاتحاد الأفريقي رمضان العمامرة ممثلا ساميا للاتحاد الأفريقي لإسكات البنادق، وبهذه الصفة، سيحفز العمامرة، بالتعاون الوثيق مع جميع أصحاب المصلحة المعنيين، الدعم من أجل إنهاء العنف وإدامة السلام في القارة.
بينما وافق المجلس على تقديم اقتراح للقمة بإعلان يوم أفريقيا الذي يوافق 25 من مايو/أيار سنوياً، يوما للعفو من أجل تسليم وجمع الأسلحة غير الشرعية للهيئات الوطنية المكلفة بتطبيق القانون، وأن ترافق العملية إجراءات إيجابية تتضمن عدم توقيف الأشخاص الذين يسلمون الأسلحة التي يمتلكونها بطريقة غير شرعية، وعدم ملاحقتهم اعترافا بالإرادة الحسنة المعلن عنها وتبني ثقافة السلم.
ودعا المجلس المنظمات الأفريقية والمجتمع المدني والقطاع الخاص والشركات إلى اتخاذ الإجراءات الضرورية، بالتعاون مع مفوضية الاتحاد الأفريقي، لضمان تطبيق كامل لخريطة الطريق الرئيسية للاتحاد الأفريقي.
وبالتالي ففي إطار هذه الرؤية من المتوقع أن يستهدف عام 2020 باعتباره الموعد النهائي الذي ستصمت فيه جميع الأسلحة في أفريقيا، كما يتصور أنه ستكون هناك آليات وظيفية لحل ﺳﻠﻤﻲ ﻟﻠﺼﺮاﻋﺎت ﻋﻠﻰ جميع المستويات ﻟﺘﻌﺰﻳﺰ ﺛﻘﺎﻓﺔ اﻟﺴﻼم واﻟﺘﺴﺎﻣﺢ ﺑين ﺷﻌﻮب أﻓﺮﻳﻘﻴﺎ، وبالتالي فإن رؤية 2020 جزء من إطار أوسع نطاقا تم إقراره بموجب إعلان الاتحاد الأفريقي بمناسبة الذكرى السنوية الخمسين.
هل تستطيع القارة إسكات البنادق بحلول عام 2020؟
تبدو رؤية إسكات البنادق في أفريقيا بحلول عام 2020 طموحة للغاية وصعبة التحقق في الإطار الزمني المخصص لها، كما أن تحقيق التطلعات الواردة في هذه الوثيقة يجب أن تكون مصحوبة بخطط ملموسة قابلة للتنفيذ وواقعية ومحددة زمنيا، وهو ما يعوقه تحديات عدة يوضحها التقييم السريع والذي يمكن إجماله فيما يلي:
• تعقد خارطة الصراع: لعل أحد التحديات الرئيسية في مجال السلام والأمن في أفريقيا تبدو في كيفية ضمان حلول دائمة للصراعات.
فقد شهدت العديد من المناطق في أفريقيا حروباً مسلحة ناجمة عن عودة المشاكل القديمة التي كان قد سبق حلها في السابق، أو التي انتقلت إلى مرحلة الحوار والمفاوضات.
وتجدر الإشارة إلى أن العديد من الصراعات في أفريقيا ذات طبيعة داخلية، وتأتي في شكل حروب أهلية أو صراعات مسلحة داخل حدود الدولة، وتتسم بالعديد من الخصائص الفريدة المستمدة من الهويات الطائفية الدينية أو الثقافية أو العرقية.
وقد تحولت النزاعات الداخلية إلى أزمات إقليمية، حيث أصبحت الفصائل المتحاربة تقوم بتنفيذ عملياتها داخل الدولة وخارجها، وتؤدي هذه الديناميكية إلى تعقيد الصراعات وصعوبة حلّها في أفريقيا، حيث يتورط عدد لا يحصى من الأطراف الفاعلة في الصراع وتتسع المصالح إلى ما يتجاوز نطاقها الأصلي، وبالتالي عند وضع وتنفيذ خطط تهدف إلى تحقيق رؤية 2020 من المهم أن نعترف بتعقيد المشهد الأمني الذي يتطلب تدخلا أكثر شمولية.
• التدخلات الخارجية: غالبا ما تتأثر التحديات والصراعات الوطنية في أفريقيا بالجهات الفاعلة الخارجية، ففي ظل الصراعات العنيفة التي تحدث في أفريقيا تتصاعد أدوار والأطراف المعنية وأصحاب المصلحة في هذه الحروب والتي غالبا ما تنشأ من خارج القارة.
ويمكن العثور على جهات غير أفريقية تمارس نفوذها على الأوضاع الداخلية في الدول التي تشهد نزاعات، وهو ما دفع لتصاعد شعار "الحلول الأفريقية للمشاكل الأفريقية" كرد فعل للمخاوف المرتبطة بالتدخل الأجنبي في الشؤون الداخلية للبلدان الأفريقية.
يؤكد مؤيدو الشعار المذكور أعلاه أن القارة تحتاج إلى قوتها الخاصة في تفعيل الحلول التي تأخذ بعين الاعتبار العوامل التي تتناسب مع ظروف القارة (على سبيل المثال: المجموعات العرقية، والتراث السلفي والثقافي والعلاقات الدينية.. إلخ)، إلا أن هذه الأدوار يعوقها عدم كفاية القدرات التقنية والخبرة في بعض الأحيان، والافتقار إلى الإرادة السياسية لضمان التنفيذ والتفعيل المستدام في أحيان أخرى، الا أن هناك رؤى أخرى ترى أهمية دور الجهات الفاعلة غير الأفريقية في نظام العالمي المترابط الحالي، خاصة في ضوء وجود فجوات في قدرة أفريقيا على مواجهة تحدياتها، أي وبعبارة أخرى ترتبط مشاكل أفريقيا بتلك الموجودة في العالم (والعكس أيضا) وليس من الحكمة تماما منع المساهمات من الجهات الخارجية فقط لأنها غير أفريقية، وإنما يجب تقييم المساهمات قبل تطبيقها أو رفضها.
• تهديدات الإرهاب والجماعات المتطرفة: لقد اعتمد الاتحاد الأفريقي في وقت مبكر من عام 1992 مجموعة من الصكوك السياسية والملزمة قانونا لمكافحة الإرهاب من خلال وضع مجموعة من المؤسسات والآليات والأدوات المبتكرة التي تستجيب للتهديد الإرهابي.
وتشمل هذه العمليات دعم السلم والترتيبات الأمنية المخصصة، فضلا عن المؤسسات المتخصصة مثل لجنة الاستخبارات والأجهزة الأمنية الأفريقية والمركز الأفريقي للدراسات والأبحاث المتعلقة بالإرهاب، وآخرها آلية الاتحاد الأفريقي للتعاون في مجال الشرطة (الأفريبول).
كما شرع الاتحاد الأفريقي في عمليتي نواكشوط وجيبوتي لتعزيز التعاون الأمني في منطقتي الساحل وشرق أفريقيا، وعلى الرغم من الجهود المبذولة على مختلف المستويات لا يزال الإرهاب يشكل تهديدا أمنيا خطيرا في القارة الأفريقية، فمن منطقة القرن الأفريقي إلى منطقة الساحل وحوض بحيرة تشاد يشكل الإرهاب والتطرف العنيف مجموعة جديدة من التحديات للأمن والاستقرار والتنمية في القارة، وتتصاعد التهديدات مع توقعات بفرار مقاتلي «داعش» من العراق وسوريا، إلى فروع التنظيم في القارة السمراء، خصوصا «بوكو حرام» في نيجيريا و«حركة الشباب» في الصومال، وجماعات متطرفة أخرى في ليبيا.
• معدلات الفقر في ضوء معدلات الفقر، فعلى الرغم من انخفاض نسبة سكان أفريقيا الذين يعيشون تحت خط الفقر -من 57٪ في عام 1990 إلى 43٪ في عام 2012- فإن المعدل البطيء للحد من الفقر بالتزامن مع ارتفاع معدل النمو السكاني يعني أن عدد الأفارقة الذين يعيشون في فقر مستمر يتجه نحو النمو.
وعلى الجانب الآخر تعتبر ظروف الفقر من الظروف المواتية لانتشار الإرهاب والتطرف العنيف في أفريقيا، فالفقر والتهميش والعوامل الأخرى تدفع الأفراد والمجتمعات المحلية إلى الانضمام إلى الجماعات الإرهابية إما من منطلق الإيمان الأيديولوجي وإما الرغبة في تحقيق مكاسب مادية. ومن ثم تأتي الحاجة إلى نهج محدد وشمولي لمنع الإرهاب ومكافحته.
aXA6IDMuMTQ5LjI3LjMzIA== جزيرة ام اند امز