وصل عدد الحجاج هذا العام حوالى 1.6 مليون نسمة من أكثر من 65 دولة. وهى قوة ناعمة ضخمة للمملكة السعودية وللمسلمين أنفسهم، حيث يرى العالم وحدة الحجيج بالرغم من تعدد الأجناس واللغات، ولكن السؤال المهم: لماذا هذا التناقض بين وحدة الحجيج وانقسامات المسلمين، وما
وصل عدد الحجاج هذا العام حوالى 1.6 مليون نسمة من أكثر من 65 دولة. وهى قوة ناعمة ضخمة للمملكة السعودية وللمسلمين أنفسهم، حيث يرى العالم وحدة الحجيج بالرغم من تعدد الأجناس واللغات، ولكن السؤال المهم: لماذا هذا التناقض بين وحدة الحجيج وانقسامات المسلمين، وما الحل؟
كان من أولى رحلات عبدالناصر الخارجية بعد وصول الضباط الأحرار للحكم هو ذهابه لأداء فريضة الحج فى 1953. كان عبدالناصر ـ كمعظم أبناء طبقته المتوسط ـ متدينا ولكن لم يكن إسلاميا، بمعنى أن يجعل من تعاليم الدين الإسلامى أساس نظام الحكم. نعم فى ترحاله الطلابى للبحث عن هوية سياسية، انجذب عبدالناصر إلى جماعة الاخوان المسلمين الذين اختلفوا عن بقية الأحزاب والتنظيمات السياسية فى تأكيدهم على الهوية الاسلامية، كما أن تنظيم الضباط الأحرار كان يضم بين صفوفه بعض المتعاطفين مع جماعة الاخوان وحتى أعضاء فيها، وحتى قام عبدالناصر والعديد من زملائه بالتنسيق مع جماعة الاخوان فى السنوات الأولى للعهد الجديد، لكن دب الخلاف وظهر للعلن فى 1954 عند محاولة اغتيال عبدالناصر، إلا أن ما لفت نظر عبدالناصر فى هذه الرحلة الخارجية الأولى فى 1953 هو هذا المنظر المهيب للحجاج فى مكة، هذه الجماهير التى تأتى من كل صوب ولكنها متراصة ومنتظمة، وذلك بالرغم من تعدد الدول التى جاءوا منها واللغات التى يتعاملون بها. تأثر هذا الشاب الثورى الذى وصل لتوه للحكم بحيث أنه أعلن بكل وضوح أن الدائرة الإسلامية هى إحدى الدوائر الثلاث فى السياسة الخارجية المصرية الجديدة، وفى الحقيقة عندما نقرأ هذا التصور للسياسة الخارجية المصرية والتنظير لدور نشيط، فإن الدائرة الإسلامية هى أكثر من ثلاث، على أساس أن الدائرتين الآخريين ـ العربية والإفريقية ـ تحتويان أيضا على الإسلام والعديد من المسلمين، فيجب ألا ننسى مثلا أن أكبر دول القارة الإفريقية قاطبة ـ نيجيريا وسكانها الذين تعدوا 150 مليونا تكون أغلبيتهم من المسلمين، الإسلام كان إذن حاضرا وبقوة فى تنظير السياسة الخارجية المصرية وهى تبحث عن دور نشيط على الساحة الدولية. ومع ذلك وبعد وقت وجيز للغاية تعدلت ممارسة السياسة الخارجية المصرية مع الالتزام بالدور الدولى النشط ولكن تغيير الدوائر الأساسية. استمرت الدائرتان العربية والإفريقية ولكن تم إعادة صياغتهما ليرتبطان بالدائرة الثالثة الجديدة التى حلت محل الدائرة الإسلامية: دائرة عدم الانحياز، والتى تزعمتها مصر منذ منتصف الخمسينيات مع كل من الهند متعددة الأديان ويوجوسلافيا المسيحية. القراءة المتفحصة لوثائق هذه الفترة توضح بدون أدنى شك الاستقطاب الأيديولوجى القوى داخل العالم الإسلامى، بدءا من الدفاع عن الأحلاف العسكرية الغربية مثل حلف بغداد وجنوب شرق آسيا والانضمام إليها من جانب دول إسلامية كبيرة مثل العراق بالطبع ولكن أيضا إيران وباكستان التى انفصلت عن الهند لتكون دولة إسلامية، بل إن تركيا نفسها كانت عضوا نشطا فى الناتو ـ أى حلف شمال الأطلنطى. ومع ذلك يجب التوضيح أن كلا من معسكرى الدول الإسلامية المتصارعة ـ المتحالفة مع الغرب والمؤيدة لعدم الانحياز ـ كانت تعلن أن سياستها تستوحى الإسلام وتهدف إلى تدعيمه. هكذا أصر معسكر عدم الانحياز أنه يهدف إلى الاستقلال بعيدا عن عودة الاستعمار الغربى بينما يصر المتحالفون مع الغرب أنهم يدافعون عن التعاليم الدينية ضد »الاتحاد والشيوعية التى لا دين لها«. السؤال المهم هو مع انتهاء الحرب الباردة واختفاء الاتحاد السوفيتى نفسه، لماذا يستمر الخلاف الحاد بين الدول الاسلامية، لماذا كانت أطول حرب دامية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية هى بين دولتين إسلاميتين: العراق وايران، لمدة ثمانى سنوات 1980 ـ 1988؟ وذلك بالرغم من وجود مؤسسات إسلامية للتوفيق بين هذه الدول. هناك بعض الردود الجاهزة مثل: أن قادة الدول الإسلامية لايتبعون تعاليم دينهم فى الممارسة، أو أن الدول الأجنبية تعمل على تفرقة المسلمين، وعندنا فعلا نظرية دولية تم تطويرها وتطبيقها أثناء الحرب الايرانية ـ العراقية وهى نظرية الاحتواء المزدوج التى كانت تسكب الزيت على النار لكى تستمر هذه الحرب أطول مدة ممكنة لكى يتم إضعاف هاتين الدولتين جناحى الإسلام، وهو ما حدث. ولكن هذه الاجابة لاتكفى لشرح استمرارية الاقتتال بين المسلمين ودولهم. لماذا بقى هؤلاء المسلمون منقسمين على أنفسهم بحيث لم يستطيعوا مواجهة تحديات الاختلاف الداخلى وإحباط الانتهازية الخارجية؟.
الاجابة باختصار ـ والتى قد تتطلب مقالة مستقلة ـ هى افتقار المسلمين إلى ما يسمى «كيف وإخواتها»، أى كيفية قبول الخلافات فيما بينهم، وإيجاد الوسائل الجدية لحل هذه الخلافات، فبالرغم من الإصرار على التسامح كأحد مكونات السلوك الاسلامى، فإن الخلاف سريعا ما يصبح استقطابا بل يضحى اقتتالا، من العلاقة بين إيران والسعودية إلى صناعة العداوة بين الشيعة والسنة، ناهيك عن ظهور منظمات إرهابية تتكلم باسم الاسلام مثل القاعدة أو داعش وغيرهما من ميليشيات إسلامية على المستوى المحلى. ولتوضيح أهمية «كيف وإخواتها». فلنقارن ما يحدث فى أوروبا بعد تصويت خروج البريطانيين من الاتحاد، بالرغم من أن البريكسيت شبيه «بالطلاق» المؤلم للبعض، إلا أن الجهود مستمرة ليكون هذا الطلاق رحيما، يحمى ما تبقى لأعضاء الأسرة وحتى تجنب القطيعة بين الزوجين.
نقلًا عن صحيفة الأهرام
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة