حمد بن خليفة.. أمير الانقلابات وقائد قطر إلى الهاوية
النظام القطري يزور التاريخ بشأن توابع انقلاب حمد على أبيه
بالانقلاب على أبيه تولى "حمد" شؤون الحكم وقيادة الدوحة في مرحلة هي الأسوأ في تاريخها، وما زال شعبه يدفع ثمن سياساته الكارثية.
يوم أسود في تاريخ قطر، حين دقت عقارب الساعة مشيرة إلى يوم الـ27 من شهر يونيو/حزيران عام 1995؛ إذ نفذ حمد بن خليفة أمير تلك الدويلة السابق، والمتحكم في سياستها حتى اليوم، انقلابا على أبيه بينما كان الأخير خارج البلاد.
وبهذا الانقلاب، تولى "حمد" شؤون الحكم، وقيادة الدوحة إلى أسوأ مرحلة في تاريخها، وما زال شعبه يدفع ثمن سياساته الكارثية حتى اليوم.
ولا تعد ذكرى انقلاب حمد بن خليفة على أبيه، مجرد نقطة سوداء في تاريخ حاكم، أو مجرد أكبر قصة عقوق في تاريخ الدول العربية، وإنما هو أحد أسوأ الأحداث في تاريخ المنطقة الحديث.
مع تولي "حمد" مقاليد الحكم عام 1995، بدأ في تنفيذ مخطط تفكيك الأمة العربية، فأسس قناة "الجزيرة"، مطلع نوفمبر/تشرين الثاني 1996 كذراع إعلامية لنشر الفتنة، وفي عام 2003، تآمر على السعودية عبر تسجيلات موثقة، وتحالف مع الجماعات الإرهابية وعلى رأسها الإخوان وحزب الله لتنفيذ مخططاته.
كما دعم ما عُرف باسم احتجاجات الربيع العربي التي انطلقت عام 2011، ولا تزال الشعوب في سوريا وليبيا واليمن تدفع ثمن تدخلاته في شئونها ودعمه للإرهاب.
وأسهمت سياساته في تكريس الانقسام الفلسطيني، وارتهان الإدارة القطرية لنظامي رجب طيب أردوغان في تركيا، وولاية الفقيه في إيران، ولا تزال قطر والمنطقة تدفع ثمن جرائم وآثام صاحب أكبر سياسات تخريبية في تاريخ بلاده، في ظل استمرار نجله تميم بن حمد السير على نفس النهج.
بداية التمرد.. بوادر لا تنبئ بخير
ولد حمد بن خليفة آل ثان، في 1 يناير/كانون الثاني عام 1952، وتلقى دراسته الابتدائية والإعدادية والثانوية في مدارس قطر، ثم التحق بكلية ساند هيرست العسكرية الملكية بالمملكة المتحدة، وتخرج فيها شهر يوليو/تموز عام 1971، وبعد 6 سنوات من تخرجه تولى في 31 مايو/أيار 1977، منصب ولي العهد، كما عيّن وزيرًا للدفاع في التاريخ نفسه.
وحين كان وليا للعهد، بدأت منذ وقت مبكر محاولات تمرده على البيت الخليجي، ففي أوائل تسعينيات القرن الماضي، وبينما كان قادة الخليج منشغلين بحل أزمة احتلال العراق للكويت، استغل حمد بن خليفة عقد القمة الخليجية في الدوحة في ديسمبر/كانون الأول 1990، طرح موضوع حدودي حول جزر "حوار" الواقعة تحت السيادة البحرينية التي كان يسعى للاستيلاء عليها.
آنذاك قام حمد بن خليفة، وتحدث عن رفضه التصويت على موضوع تحرير الكويت حتى يتم النظر في جزر حوار، وسحب "المايك" من والده، وقال: "نحن رؤساء القمة، ولن تتم مناقشة موضوع غزو الكويت إلا إذا حسمنا قضية (حوار)، وأقرت البحرين بأنها لنا"، لكنه بعدها سمع من الملك فهد -رحمه الله- ومن بقية القادة ما لا يسره، ووبخه الملك فهد بشدة على تجاوزه الأدب مع والده الشيخ خليفة وكلامه.
لم يمر عامان على تلك الواقعة، حتى اختلقت قطر في 30 سبتمبر/أيلول عام 1992 أزمة الخفوس مع السعودية، ورغم أن الشيخ خليفة بن حمد كان حاكم الدوحة، إلا أن نفوذ ابنه ومن وراءه (حمد بن جاسم) كان ظاهرا، ولقنته المملكة درساً قاسياً آنذاك.
يوم الانقلاب
لم يكن أمير قطر الأسبق خليفة آل ثاني يدرك أن ابنه وولي عهده حمد، الذي جاء مودعا إياه في مطار الدوحة، كان قد أعد عدته لطعنه في ظهره والانقلاب عليه.
غادر الشيخ خليفة الدوحة متوجها إلى سويسرا في 27 يونيو/حزيران 1995، لقضاء عطلته، ليشرع ابنه حمد في مخططه فوراً، فأمر القوات بالسيطرة على القصر الأميري والمطار.
بعدها، اتصل حمد بوالده ليخبره بأن الأمور انتهت، فأغلق والده الخط في وجهه.
ولاحقاً، وفي خطاب متلفز، أعلن حمد نفسه حاكماً جديداً لقطر، وبعد فترة وجيزة، بث التلفزيون الرسمي مشاهد لأفراد من أسرة آل ثاني يبايعون الأمير الجديد.
إلا أن المتحدث الرسمي للمعارضة القطرية، خالد هيل، أكد أن الاعتقاد السائد بأن القطريين فرحوا بوصول الشيخ حمد للسلطة "خاطئ"، موضحاً أن 90% ممن عاصروا تلك الفترة يؤكدون أن المبايعة تمت من دون علمهم.
حينها، أغلقت عناصر الأمن طرقات الدوحة، وحوّلت سير الناس إلى الديوان الأميري، حيث دخلوا غير مدركين لما يحصل، فوجدوا أنفسهم يبايعون حمد.
وبحسب هيل، يمكن عند مراقبة الفيديوهات والصور بدقة التثبت من أن الناس بالفعل لم يكونوا يدركون ما الذي يحصل، وبدا واضحاً أن القطريين أجبروا على المبايعة.
ويؤكد حديث الهيل، المعاناة التي تعيشها قبيلة "الغفران" القطرية حتى الآن، لرفضها انقلاب حمد على أبيه.
وتمارس السلطات القطرية، انتهاكات ممنهجة ضد أبناء قبيلة "الغفران"، منذ عام 1996 وحتى الوقت الحاضر، تضمنت التهجير وإسقاط الجنسية والاعتقال والتعذيب وطرد أطفالهم من المدارس وحرمانهم من التعليم ومنعهم من ممارسة حقوقهم المدنية والترحيل القسري.
عقوق في أسوأ صوره
لم يكتف "حمد" بإزاحة والده عن الحكم؛ بل قام بمطاردته عبر الإنتربول الدولي، مطالبا بالقبض عليه بجرائم مختلقة ومزورة، في صورة من أكبر صور العقوق والافتراء.
وأصدر حمد مذكرة جلب لاعتقال والده إلى الدوحة عبر الإنتربول، بعد توجيه اتهامات له بسوء استعمال الوظيفة وخيانة الأمانة والاحتيال والتزوير في قانون العقوبات، وطلب القبض عليه وتسليمه.
وكشف الأمير بندر بن سلطان، رئيس الاستخبارات السعودية سابقاً، أنه بعد إزاحة حمد لوالده من الحكم، جاء رئيس الوزراء القطري ووزير خارجيتها الأسبق حمد بن جاسم إلى السعودية وطلب منها عدم استقبال الشيخ خليفة.
رفضت الرياض ذلك، بل إن الملك فهد - حسب رواية الأمير بندر - قال إنه سيستقبله استقبالاً رسمياً ويسكنه في قصر الضيافة، وقال لمن كانوا موجودين بمن فيهم "بن جاسم": "قبل أسبوع كان أمير قطر والآن أصبح عدواً؟".
فرد حمد بن جاسم بأنه لا يمانع، لكن عدم إظهار ذلك في الإعلام، فكان الرد من الملك فهد بالاستقبال الرسمي وإسكان الشيخ خليفة في قصر الضيافة وبث الاستقبال على القناة السعودية الرسمية.
تآمر على مجلس التعاون والسعودية
بعد تولي حمد السلطة، بدأ سريعا في تنفيذ سياساته التخريبية التي استهدفت أولا مجلس التعاون الخليجي، وفي أول قمة خليجية له كأمير التي عقدت في مسقط ديسمبر/كانون الأول 1995، وبعد أشهر من انقلابه على أبيه، شهدت اعتراض الدوحة على تسمية الأمين العام الذي كان منصبه يدور بالتناوب.
وكان قادة دول مجلس التعاون قد اتفقوا على التجديد للسعودي جميل الحجيلان كأمين عام للمجلس، ولكن قطر لم توافق على الاختيار بحجة أنها هي الأحق بهذا المنصب، وكان مرشحها في ذلك الوقت عبدالرحمن العطية.
وبعد أقل من عام على انقلابه على والده، أسس حمد بن خليفة قناة الجزيرة وفتح أبوابها على مصراعيها لنشر الفتنة في المنطقة والترويج لمخططاته، واستهدف على وجه الخصوص السعودية، بشكل كشف أحقاد يكنها الرجل للمملكة، والتي سرعان ما تكشفت عبر مشاركته في مؤامرة ضد الرياض عام 2003، تم توثيقها عبر تسجيلات بصوته.
وتكشف التسجيلات تآمر حمد بن خليفة ورئيس وزرائه آنذاك حمد بن جاسم مع معمر القذافي ضد السعودية وقادتها، ويظهر في التسجيلين تخطيط الحمدين لزعزعة استقرار المملكة، والسعي إلى تقسيمها.
الأمير المزور
وفي سابقة في تاريخ العلاقات الخليجية، قدمت قطر في عهد حمد بن خليفة وثائق مزورة في قضية نزاع الحدود مع البحرين أمام محكمة العدل الدولية، بيد أن المحكمة أصدرت حكمها التاريخي الذي نص صراحة على تبني موقف المنامة.
وأثبتت المحكمة تزوير قطر لعشرات الوثائق، وسجلت عام 1999 رسميا تخلي الدوحة عن تلك الوثائق التي ثبت من قبل خبراء المحكمة أنها مزورة.
وقائع قضية تزوير قطر تعود إلى ما بعد رحيل بريطانيا من الخليج العربي في سبعينيات القرن الماضي، إذ سعت الدوحة على مدار عقود للاستيلاء على أراض وجزر ضمن السيادة البحرينية، مستخدمة في ذلك كل الوسائل المشبوهة من تزوير وثائق ومراسلات خليجية.
وذهبت الدوحة -بشكل أحادي- إلى المحكمة الدولية ضاربة بـ"الوساطة السعودية" عرض الحائط، وطالبت بإعلان السيادة على جزر حوار وجزيرتي فشت الديبل وقطعة جرادة، وإعادة تعيين الحدود البحرية، ليعود المفاوض القطري بـ"خفي حنين"، بعد تأييد المحكمة للحقائق البحرينية.
وفي أعقاب ما عرف بثورات الربيع العربي، استغل بعض المتآمرين من المعارضة البحرينية الأحداث بزعامة علي سلمان بالتعاون مع قطر وإيران؛ لإطلاق احتجاجات وشغب في فبراير/شباط 2011.
وتم الكشف عن اتصال هاتفي جرى بين رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري السابق حمد بن جاسم وعلي سلمان فضح التآمر القطري لقلب نظام الحكم في البحرين.
دعم الإرهاب والانقسام الفلسطيني
لم يكتف "الحمدين" بهذا فحسب؛ بل استغل أحداث الربيع العربي، لينفي مخطط تفكيك الأمة، فتحالف مع تنظيم الإخوان الإرهابي في مصر وعدد من الدول، وقدمت الدوحة شيكا على بياض لهم.
وتشير تقارير عدة إلى أن حجم التمويل القطري "المبدئي" للإرهاب بلغ نحو 65 مليار دولار منذ عام 2010 حتى 2015.
ولقطر تاريخ مخزٍ أيضا مع دعم حزب الله الإرهابي، ولعل المحطة الأبرز التي جعلت المليشيا تستقوى على سائر الفرقاء اللبنانيين كانت بعد الزيارة التي قام بها أمير قطر السابق حمد بن خليفة لجنوب لبنان، عام 2010، حيث تجول في قرى أسهمت الدوحة في إعمارها بعد الحرب مع إسرائيل في عام 2006.
كما أسهمت سياسات حمد بن خليفة في تكريس الانقسام الفلسطيني، فعندما أعلنت حماس انقلابها على السلطة الفلسطينية عام 2007، وبسط سيطرتها على قطاع غزة والانفصال عن الضفة الغربية، أيدت الدوحة الخطوة ودعمتها ماليا ولا تزال.
وفي أكتوبر/تشرين الثاني عام 2012، زار أمير قطر السابق قطاع غزة، واستقبلته حماس استقبال الفاتحين رغم معارضة الرئيس الفلسطيني لأي تعامل مباشر مع حماس، وحينها قدم دعماً مالياً للحركة الإرهابية قيمته 450 مليون دولار تحت ستار مشروعات إعادة إعمار غزة.
إسرائيل ووعود كاذبة
وفيما أسهمت سياساته في تكريس الانقسام الفلسطيني، سارع أمير قطر السابق إلى إقامة علاقات مع إسرائيل، بعد عام واحد من توليه الحكم، حيث تم افتتاح المكتب التجاري في الدوحة من قبل رئيس الحكومة الإسرائيلي آنذاك شمعون بيريز عام 1996، ما يشير إلى أنه "أكثر من مكتب"، إذ إن رئيسه كان يحوز رتبة سفير في الخارجية الإسرائيلية.
كما تم التوقيع آنذاك على اتفاقية لبيع الغاز القطري إلى إسرائيل، وإنشاء بورصة الغاز القطرية في تل أبيب.
على صعيد سياساته الداخلية، كان حمد بن خليفة دائم الكذب وإطلاق الوعود الزائفة للقطريين، فبعد نحو 9 سنوات من انقلابه على أبيه، صدر الدستور الدائم لدولة قطر في أبريل/نيسان 2004، ونص على إجراء انتخابات برلمانية وإعداد قانون لهذا الغرض.
وفيما كان ينتظر القطريون تطبيق الدستور، وعد حمد بن جاسم النائب الأول لرئيس الوزراء القطري وزير الخارجية آنذاك في يونيو/حزيران 2005 بأن الانتخابات البرلمانية لاختيار مجلس الشورى ستجرى "عام 2006 أو 2007 كحد أقصى".
ومضت 2006 و2007 دون أي انتخابات، وفي فبراير/شباط 2011، قال "بن جاسم" إن الدوحة تعمل على تنظيم انتخابات مجلس شورى "في المستقبل القريب".
ثم في نوفمبر/تشرين الثاني 2011، كان حمد بن خليفة آل ثاني أمير قطر السابق أكثر تحديدا من رئيس وزرائه في الوعد الجديد؛ فأعلن في افتتاح الدورة الجديدة لمجلس الشورى أن الانتخابات البرلمانية ستجري في النصف الثاني من عام 2013، وتولى ابنه تميم الحكم في 25 يونيو/حزيران من العام نفسه، ولم تجر أي انتخابات.
وبعد 4 سنوات، وتحديدا في 14 نوفمبر/تشرين الثاني 2017، أعلن "تميم بن حمد" من نفس موقع أبيه من على منصة مجلس الشورى إجراء انتخابات برلمانية، دون أن تجرى حتى اليوم.
ورغم تنازل "حمد" عن الحكم لابنه تميم في 25 يونيو/حزيران 2013، إلا إن تدخلاته في سياسات قطر وتحكمه فيها حتى اليوم تعد أحد أبرز أسباب الضياع وفقدان البوصلة التي تعانيه الدوحة، والتي يدفع ثمنها القطريون حتى اليوم.
aXA6IDMuMTQ0LjMxLjY0IA== جزيرة ام اند امز