استطاعت كلية آل مكتوم وبدعم خاص من سمو الشيخ حمدان بن راشد أن تبني لها مكانة مرموقة كمنارة أكاديمية ثقافية تنشر القبول والتسامح.
كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن القوة الناعمة أو كما يسميها البعض الدبلوماسية الثقافية أو الدبلوماسية اللينة، ودورها المهم في تجسير الهوة بين الثقافات وتقريب الشعوب من خلال الثقافة بمختلف أنواعها، ومن الملاحظ أن التوجه الثقافي في السنوات الأخيرة منصبّ بكل جهوده وإمكانياته في كثير من الدول -خاصة تلك المصنفة بالاستعمارية- باتجاه تفعيل هذا النوع من الدبلوماسية، ربما لتحسين صورتها الاستعمارية السابقة في أذهان الشعوب، وحتى تتمكن من عولمة ثقافتها وتسهيل تسويق منتجاتها الاقتصادية.
فإذا كان الاقتصاد القديم اعتمد في قوته على إنتاج الأشياء الصلبة التي تستهدف حياة الإنسان العامة وعيشه ومعيشته فإن الاقتصاد الجديد يرتكز في قوته على إنتاج القوة الناعمة التي تستهدف العقل والروح والوجدان، لذا تتسارع الدول اليوم وتتنافس في إنتاج قوتها الناعمة التي ستنافس بها في الأسواق، والتي ستفتح أبواب الشعوب والدول الموصدة أمامها، ولتقريب وردم الفجوات بين الثقافات المختلفة وتوحيد الآراء ليس فقط حول القضايا العالمية الجوهرية، ولكنها أيضا تصل لتوحيد الذائقة البشرية بمستوياتها المتعددة.
المتابع لجهود سمو الشيخ حمدان بن راشد آل مكتوم الثقافية يلاحظ الدور الجبار الذي لعبته هذه الجهود في مد جسور ثقافية وفكرية بين الشرق والغرب، ودورها الملحوظ والقوي من خلال تعزيز الثقافة النخبوية في صياغة خط خاص فيما نسميه اليوم بالدبلوماسية الثقافية أو القوة الناعمة
فإرسال الجاليات التعليمية والثقافية من فنانين وموسيقيين ورحالة ومستكشفين ما هو إلا شكل من أشكال القوة الناعمة التي تستخدمها الدول للتأثير على الرأي العام وتغييره لما يخدم مصالحها ويروج لرموزها الثقافية، فمن كان يعتقد على سبيل المثال أن يكون الهامبرغر الوجبة المفضلة لشباب العالم كله وليس منطقة دون أخرى! وغير ذلك كثير من الأمثلة التي تعكس الانفتاح والقبول الثقافي لنماذج ثقافية غذائية أو موسيقية أو غيرها.
وعلى سبيل المثال فرنسا من خلال المركز الثقافي الفرنسي المنتشر في أغلبية دول العالم لا تعمل على نشر وتعليم اللغة الفرنسية فقط ولكن نشر الثقافة الفرنكوفونية بمفهومها الواسع، وألمانيا من خلال معهد جوته المنتشر أيضا في كثير من الدول تعمل على نشر ثقافتها الألمانية وإرثها الفكري والثقافي، وبريطانيا من خلال المجلس الثقافي البريطاني الذي أسسته عام 1934 والذي يعمل في أكثر من 100 دولة تسعى بواسطة أنشطته الثقافية المختلفة إلى تعزيز صورة المملكة المتحدة وثقافتها ولغتها وإرثها الملكي والسياسي.
وجدير بالذكر هنا أن الاهتمام بالثقافة كواحدة من الأدوات المهمة التي ممكن استخدامها لتعزيز وتفعيل السياسة الخارجية لكل بلد، زاد وكبر بعد أطروحات جوزيف ناي الأكاديمي الأمريكي من جامعة هارفارد عن مصطلح القوة الناعمة في سنة 1990 في كتابة المعنون بـ: Bound to lead, the changing nature of American power، فقد نال الكتاب اهتماما واسعا في جميع الأوساط الأكاديمية والسياسية، وكان في الحقيقة حديث الساعة في وقته، وقد عرّف "ناي" الدبلوماسية الثقافية بأنها عبارة عن خطوات منظمة ومدروسة لتحقيق التبادل القيمي والثقافي والفكري بين الشعوب، بهدف تعزيز التفاهم والتعاون والحوار المتبادل، وهي تمازج أو تفاعل تكاملي بين القوة الناعمة التي تعني إمكانية تحقيق الأهداف ليس عن طريق الضغط والإرغام ولكن عن طريق الجاذبية الثقافية، وبين الدبلوماسية العامة التي ترعاها الحكومات لخلق الرأي العام والتأثير في الرأي العام في بلدان أخرى.
وقد أشار ناي في كتابه إلى أهمية دور الثقافة النخبوية في إنتاج القوة الناعمة المتمثلة في التبادل الأكاديمي والعلمي.
والمتابع لجهود سمو الشيخ حمدان بن راشد آل مكتوم الثقافية يلاحظ الدور الجبار الذي لعبته هذه الجهود في مدّ جسور ثقافية وفكرية بين الشرق والغرب، ودورها الملحوظ والقوي من خلال تعزيز الثقافة النخبوية في صياغة خط خاص فيما نسميه اليوم بالدبلوماسية الثقافية أو القوة الناعمة.
فمعهد آل مكتوم في مدينة دندي في اسكتلندا ومنذ إنشائه لعب دورا بارزا في تحفيز وتعزيز التبادل الثقافي الإماراتي الاسكتلندي. فالزيارات الطلابية من جامعات الدولة لهذا المعهد واحتكاكهم بطلاب من دول أخرى وبالمجتمع الاسكتلندي أدى إلى خلق سبل تواصل متينة تدعم تبادل القيم والأهداف والتقاليد والأفكار على تنوعها، وعمل على تعزيز التفاهم والتعاون والحوار المتبادل بين الشعوب بصفة عامة.
نعم.. تحتاج جميع الدول لمد جسور التواصل ونشر قيم التعاون وتعزيز التقارب بينها، وتزداد هذه الحاجة لأية دولة في وقت الأزمات السياسية المختلفة، لذلك ومنذ البداية وبنظرته البعيدة الثاقبة أدرك سمو الشيخ حمدان بن راشد أهمية البعد الثقافي في الدبلوماسية الدولية وعمل وبشكل استباقي على إيجاد نواة للثقافة النخبوية الأكاديمية لتحقيق التبادل العلمي والفكري والثقافي بين ثقافتين مختلفتين، وهما الثقافة الإماراتية العربية الإسلامية والثقافة الغربية متمثلة في المجتمع الاسكتلندي.
فكانت كلية آل مكتوم عملت منذ تأسيسها على تجسير الهوة الثقافية بين المجتمعين والتقريب لوجهات النظر حول القضايا العالمية الإنسانية والسياسية المختلفة، وعملت أيضا منذ البدايات على إقامة الصلات وكسر حواجز الشك واستبدالها بجسور الثقة والقبول والتسامح.
فبدأت الكلية بالعمل على مجموعة طالبات من جامعات وكليات الدولة المختلفة، من خلال تنظيم رحلات تعليمية ثقافية وترفيهية في الوقت نفسه، ثم توسعت الفكرة وأصبحت تضم طالبات من جامعات دول خليجية، ثم كبرت وتوسعت بشكل أكبر وأصبحت تشمل طالبات من بعض جامعات الدول العربية مثل جامعات من جمهورية مصر العربية وبعض الجامعات الإسلامية مثل جامعة ماليزيا وغيرها.
هذه الرحلات تنظم بطريقة تمكن الطالب من التعرف على جوانب مختلفة من المجتمع البريطاني بشكل عام والمجتمع الاسكتلندي بشكل خاص، جوانب سياسية قانونية وجوانب أخرى ثقافية إضافة إلى جوانب تاريخية وتراثية ودينية، مما يحقق التلاقح الثقافي المتنوع في إطار تعليمي عفوي مشوق وسلس.
وعبر السنوات استطاعت كلية آل مكتوم وبدعم خاص من سمو الشيخ حمدان بن راشد أن تبني لها مكانة مرموقة كمنارة أكاديمية ثقافية تنشر القبول والتسامح، وتحتفي بالتعدد الثقافي بجميع أشكاله وأنواعه، وهذه جهود تصب بشكل كبير في خانة ما يسمى اليوم بالدبلوماسية الثقافية، التي تعتبر من أهم الأدوات السياسية للتقريب بين الرؤى في القضايا السياسية المختلفة.
أدرك سمو الشيخ حمدان بن راشد منذ البداية أهمية الثقافة في بناء جسور الثقة بين الشعوب ونشر الثقافة العربية الإسلامية بالشكل الجاذب والمحبب، فكانت جهوده حفظه الله منصبة لإنشاء هذه النواة التي أصبحت اليوم منارة للسلام والتبادل الثقافي، وتخريج دفعات من الطالبات أصبحن بعد الانتهاء من برنامجهن التعليمي في الكلية يتمتعن بنظرة ورؤية للعالم أكثر انفتاحا وفهما وثقة بثقافتهن وثقافة الآخر.
من خلال هذا الاحتكاك السنوي للطالبات استطاعت كلية آل مكتوم أن تغير مفهوم الآخر المختلف والمضاد في بعض الأحيان عند الكثير من الشباب ليكون آخر مكملا لنا، نتشارك معه في كثير من القواعد الإنسانية ونضع أيدينا سويا لخلق عالم متوافق يسوده الحب والسلام لا التضاد والكراهية.
لقد أدرك سموه منذ البداية أن الثقافة من أرقى أشكال التبادل الإنساني الواعي التي طورها البشر عبر مسيرتهم الإنسانية، وأنها أفضل وأرقى الوسائل المتاحة لنا اليوم لتجاوز حدود المكان والتواصل الإنساني الحر الجميل فعمل بها وسخرها، وكانت كلية آل مكتوم منصة حقيقية للاحتفاء بالتعدد والاختلاف ونشر التسامح والسلام.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة