عبد الله حمدوك.. "التوافقي الهادئ" يخسر رهان العبور بالسودان
على مدار عامين قضاها رئيساً لوزراء السودان، كان عبدالله حمدوك متفائلاً من العبور ببلاده إلى بر الأمان بمقولته المأثورة "سنعبر وننتصر".
لكن استقالة حمدوك من منصبه، مساء الأحد، تعكس، وفق مراقبين، سقوط رهانه على التوافق والشراكة بين العسكريين والمدنيين في إدارة شؤون البلاد.
خيبة أمل حمدوك حملتها نصوص استقالته التي قدمها للسودانيين عبر خطاب بثه التلفزيون الرسمي، معللا مغادرته رئاسة الحكومة بعدم التوصل لتوافق سياسي لتكملة الفترة الانتقالية.
فمن هو حمدوك، الشخصية الاقتصادية الهادئة، التي اتفق عليها السودانيون لإدارة الحكومة الانتقالية، في مرحلة حرجة من تاريخ البلاد.
حمدوك (63 عاما) خبير اقتصادي، تمرد على حكم الرئيس المعزول عمر البشير، واختار المنفى حتى إزالة حكم تنظيم الإخوان من إدارة بلاده.
وإثر اتفاق تقاسم السلطة بين الجيش وائتلاف قوى التغيير، في أغسطس/آب 2019، عُين رئيسا للحكومة، أمام تحديات اقتصادية بارزة.
حمدوك من مواليد جنوب كردفان، في جنوب السودان، عام 1956، بدأ مساره الأكاديمي بدراسة الاقتصاد الزراعي في الخرطوم، ثم حصل على ماجستير من جامعة مانشستر في المملكة المتحدة.
في الثلاثينيات من عمره، وتحديدا بين عام 1981 و1987، أي قبل انقلاب البشير على الحكم بعامين، أصبح موظفا ساميا في وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي بالسودان.
وبعد حكم البشير وتنظيم الإخوان، ترك حمدوك ذو الميول اليسارية، السودان، ليشغل مناصب دولية، بدأها بتولي منصب استشاري عام 1993، قبل أن يصبح كبير المستشارين الفنيين في منظمة العمل الدولية (1995-1997).
ثم أصبح خبيرا اقتصاديا وسياسيا رئيسيا في مصرف التنمية الأفريقي في ساحل العاج (1997-2001).
مند عام 2001 فصاعدًا، تولى حمدوك رئاسة مجموعة أنشطة اللجنة الاقتصادية لأفريقيا بشأن إدارة سياسة التنمية، والشراكة الجديدة لتنمية أفريقيا والتكامل الإقليمي، والحوكمة والإدارة العامة.
خلال الفترة من 2003 إلى 2008، عمل حمدوك في المعهد الدولي للديمقراطية والمساعدة الانتخابية، كمدير إقليمي لأفريقيا والشرق الأوسط.
بعد رحلة المنفى الطويلة، عاد حمدوك إلى الخرطوم عام 2019، حين أطاحت ثورة شعبية بحكم البشير، قادما من أديس أبابا، ليتسلم فورا رئاسة الحكومة الانتقالية.
قال حمدوك لدى توليه منصبه إن من أولوياته حل الأزمة الاقتصادية العميقة وعبء الدين العام الخانق ونشر السلام في ربوع البلاد بعد حروب أهلية طويلة.
سرعان ما بدأ حمدوك محادثات مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي لبحث إعادة هيكلة ديون السودان.
كما بدأ محادثات مع الولايات المتحدة لرفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب وهو التوصيف الذي كان سببا في عزل السودان عن النظام المالي العالمي منذ 1993. وخرج السودان من القائمة في العام 2020.
وخلال الفترة التي رأس فيها حمدوك الحكومة، قبل صندوق النقد إدراج السودان ضمن مبادرة الدول الفقيرة المثقلة بالديون بناء على التزام البلاد بإصلاحات على صعيد الاقتصاد الكلي. وأدى ذلك إلى تأهل السودان أخيرا للإعفاء من ديون والحصول على أموال جديدة.
كان من الإصلاحات الاقتصادية الرئيسية التي عمل حمدوك على تنفيذها رفع الدعم عن الوقود الذي كان يكلف الدولة عدة مليارات من الدولارات سنويا وتخفيض قيمة العملة السودانية وتعويمها. كما سعى إلى فرض سيطرة الحكومة على الشركات المملوكة لقوى الأمن.
قبل أسابيع قليلة من عزله من منصبه اعترف حمدوك بالصعوبات الناجمة عن الإصلاحات لكنه أبدى أمله أن يظهر أثرها الإيجابي بسرعة. وقال إن الشعب السوداني دفع ثمنا غاليا للإصلاحات وإن لابد من تحقيق تطلعاته.
حمدوك من أنصار الانتقال إلى الحكم المدني في السودان. ومع تزايد التوتر بين الجيش والمدنيين في الإدارة المشتركة خلال سبتمبر/ أيلول قدم حمدوك خارطة طريق للخروج من الأزمة وقال إنه ليس محايدا أو وسيطا في النزاع بل إن موقفه الواضح والثابت هو الانحياز الكامل للانتقال الديمقراطي المدني.
حقق له موقفه التأييد الشعبي. وخلال المظاهرات احتجاجا على الانقلاب رفع المتظاهرون صور حمدوك وعلقوا لافتات عليها صوره.
بعد توقيع اتفاق للعودة رئيسا للوزراء، وهي خطوة عارضها كثير من المحتجين والشخصيات السياسية التي أيدته في السابق، قال حمدوك إنه فعل ذلك لوقف إراقة الدماء بعد مقتل العشرات من المدنيين خلال المظاهرات.
قبل أن يعلن استقالته من منصبه خلال خطاب مطول شرح خلاله تداعيات الأزمة والأسباب التي دفعته لمغادرة المنصب والتي من بينها عدم قدرته على التوصل لتوافق سياسي لتكملة الفترة الانتقالية.