السودان في 2021.. مكاسب اقتصادية عطلتها الخلافات السياسية
مكاسب اقتصادية غير مسبوقة حققها السودان في عام 2021، لعل أبرزها استئناف الدعم من مؤسسات التمويل الدولية المتوقف لعقود.
المصالحة التاريخية بين الخرطوم ومجتمع التنمية الدولي وما أعقبها من فعاليات اقتصادية لدعم البلاد، أثارت تفاؤل الشعب السوداني بدرجة كبيرة في تحسن الأوضاع والوصول إلى رخاء معيشي مستدام.
وأسهم "مؤتمر باريس" الذي انعقد في العاصمة الفرنسية مايو/أيار الماضي، في تقديم صورة مشرقة إلى السودان دوليا بعد الإطاحة بنظام عمر البشير، وحصلت البلاد على نتائج مرضية خلاله تمثلت في إعفاء بعض الديون الخارجية وعقد شركات استثمارية في مجالات الطاقة والزراعة والبنى التحتية والنفط وغيرها.
لكن خبراء أكدوا على أن هذه المكاسب ربما تتحول إلى سراب بسبب التقلبات السياسية التي طرأت على المشهد السوداني.
تطورات سياسية
وفي 21 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، وقع قائد الجيش السوداني الفريق أول عبد الفتاح البرهان. ورئيس الوزراء عبد الله حمدوك اتفاقا سياسيا يتضمن عودة الأخير لمنصبه، وتشكيل حكومة كفاءات، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، وتعهد الطرفان بالعمل سويا لاستكمال المسار الديمقراطي.
ورحبت دول ومنظمات إقليمية ودولية، بينها الأمم المتحدة، بهذا الاتفاق، بينما رفضته قوى سياسية ومدنية سودانية، رافعة شعارات ترفض الشراكة بين العسكريين والمدنيين، وتطالب بتسليم السلطة كاملة لحكومة مدنية.
وجاء الاتفاق بين البرهان وحمدوك بعد مرور أقل من شهر على إجراءات استثنائية أعلنها الجيش أبرزها فرض حالة الطوارئ وحل مجلسي السيادة والوزراء الانتقاليين، واعتقال قيادات حزبية ومسؤولين، فيما اعتبره الجيش "تصحيحا لمسار الثورة".
ديون السودان
أعقب مؤتمر باريس إعفاء 23.5 مليار دولار أمريكي من ديون السودان من الدول داخل مجموعة نادي باريس بعد أن استفاد السودان من مبادرة الدول الفقيرة المثقلة بالديون "هيبك" عقب استيفاء شروطها.
وكان رئيس الوزراء السوداني الدكتور عبدالله حمدوك يتوقع إعفاء 80% من ديون بلاده الخارجية للدول الأعضاء في نادي باريس وخارجه، بما يعادل 45 إلى 46 مليار دولار من جملة دين البلاد الذي يبلغ 60 مليار دولار.
وقال حمدوك يومها "مؤتمر باريس حقق كل الأهداف المرجوة منه، حيث أعاد البلاد إلى منظومة التنمية الدولية وقدم السودان بوجه استثماري وسياسي جديد، كما عالج ملف الديون بشكل كبير".
إلى جانب ذلك، قررت فرنسا إعفاء ديونها على السودان والبالغة نحو 5 مليارات دولار، فيما وعدت الولايات المتحدة الأمريكية بدعم للخرطوم مقداره 700 مليون دولار، لكن واشنطن أعلنت تجميد هذه المساعدات عقب قرارات قائد الجيش السوداني عبدالفتاح البرهان في 25 أكتوبر/تشرين الثاني الماضي.
كما تمكن السودان خلال عام 2021 من سداد متأخراته لدى البنك الدولي عن طريق قرض تجسيري من الولايات المتحدة الأمريكية قيمته 1.5 مليار دولار، وهو ما أتاح له فرص الحصول على تمويل ومساعدات جديدة لأول مرة منذ عقود، لكن البنك الدولي بدوره أعلن وقف المساعدات التي كانت مخصصة للخرطوم.
ارتفاع التضخم وانهيار الجنيه
ورغم التفاؤل الذي ساد الشارع السوداني بتحسن الأوضاع المعيشية، إلا أن الأوضاع الاقتصادية ازدادت سوءا، تجلت في تراجع غير مسبوق في العملة الوطنية حيث وصل الدولار الأمريكي إلى 465 جنيها في السوق السوداء خلال الأشهر الماضية، وارتفع التضخم لمستوى قياسي (422%) في يوليو/تموز الماضي.
أزمة محروقات
كما تفاقمت أزمة المحروقات بأنحاء البلاد بما يؤكد وفق خبراء أن الأزمات الاقتصادية لا تزال مستمرة بسبب شح احتياطيات السودان من النقد الأجنبي.
يشير الدكتور هيثم محمد فتحي الخبير الاقتصادي السوداني إلى أن عام 2021 شهد بعض الحراك السياسي، ما ساهم في تحسين الأوضاع الاقتصادية، نتيجة التفاهمات الكبيرة بين السودان ومؤسسات التمويل الدولية ودول الاتحاد الأوروبي وأمريكا وبلدان صديقة وشقيقة، والتي تعاهدت على دعم الحكومة الانتقالية في الخرطوم.
وقال فتحي في حديثه لـ"العين الإخبارية" "لكن بعض التقاطعات السياسية وعدم التوافق أضر بهذه المكتسبات ودفع المجتمع الدولي لعدم الالتزام بتعهداته تجاه السودان".
علامة فارقة
واعتبر أن مؤتمرات أصدقاء السودان الثلاثة التي انعقدت في السعودية وفرنسا وألمانيا تمثل علامة فارقة خلال عام 2021، لكن نتائجها لم تنعكس حتى اللحظة على الوضع الاقتصادي بخلاف ما كان متوقعا.
وأشار إلى أن مؤتمر باريس أخذ الزخم الأكبر والوضع الإعلامي، وحصل السودان على منح وبرامج اجتماعية لم تر النور بسبب التغيير السياسي في 25 أكتوبر/تشرين الثاني وتوقيف رئيس الوزراء الانتقالي لمدة شهر، حيث اشترط المجتمع الدولي عودته إلى منصبه نظير استئناف المساعدات.
وأشار الخبير الاقتصادي إلى أن السودان يشهد عدم توافق سياسي بين مكوناته وتدهور أمني كبير، وهذه الأمور سوف تقود إلى استمرار الأزمة الاقتصادية في 2022 إذا لم يتم تدارك هذه الأمور.
تحولات اقتصادية
التحولات الاقتصادية الكبيرة في السودان خلال 2021 سبقها إعلان الإدارة الأمريكية سريان قرار رفع الخرطوم من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وإلغاء كافة العقوبات الاقتصادية المفروضة على البلاد، وهو ما فتح الباب أمام التطبيع المصرفي مع العالم.
ويرى أحمد خليل، المحلل الاقتصادي السوداني، أن قرارات قائد الجيش الصادرة في 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي عطلت المساعدات الدولية للسودان، فكل المنظمات والصناديق ومؤسسات التمويل الدولية رهنت استئناف الدعم بالعودة لمسار الانتقال الديمقراطي.
وقال خليل في حديثه لـ"العين الإخبارية" "ما قام به الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان قطع الطريق أمام تقديم المساعدات خاصة التي أقرها مؤتمر باريس الذي وفر للسودان أكثر من 12 مليار دولار".
مستقبل مجهول
وأضاف "بمجرد حدوث التغيير أوقفت تلك الصناديق مساعدتها، خاصة أن النتائج المرجوة منها كانت كبيرة وتعود بالنفع على المواطن السوداني في مجال الطاقة والكهرباء، إلى جانب توفير فرص عمل للمواطنين".
وأشار أحمد خليل إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت ستضخ 700 مليون دولار لإنشاء مشاريع الطاقة البديلة، ونوه إلى أن واشنطن والغرب اشترطا عودة هذه المنح والفوائد بتشكيل حكومة مدنية في أسرع وقت ممكن".
ويبدو مستقبل السودان الاقتصادي قاتما بالنسبة للخبراء، في ظل استمرار التجاذبات السياسية واضطراب مسار الانتقال الديمقراطي في البلاد.
aXA6IDE4LjE5MS4xNjUuMTQ5IA== جزيرة ام اند امز