حمزة ممّن شهدوا غزوة بدر مع المسلمين وأبلى فيها بلاءً حسناً؛ فقد قتل شيبة بن ربيعة وطعمة بن عدي، وشارك في قتل عتبة بن ربيعة أيضاً.
حمزة بن عبدالمطلب بن هاشم بن عبد مناف القرشي الهاشمي أبو عمارة رضي الله عنه، هو عمّ الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وأخوه في الرّضاعة، فقد أرضعته ثويبة مولاة أبي لهب التي أرضعت الرسول، وأكبر من النبي بسنتين فقط.
كان من السابقين في اتّباع النبي والدخول في الإسلام، أسلم في السنة الثانية من البعثة، ونصر الرسول، فقد كان المسلمون قبل إسلامه وإسلام عمر بن الخطاب، رضي الله عنهما، لا يجرؤون على الظهور أمام المشركين وإعلان إسلامهم، ولكنّهم بعد إسلامهما خرجوا في صفَّيْن؛ صفّ يقوده عمر وصف يقوده حمزة.
كان حمزة ممّن شهدوا غزوة بدر مع المسلمين وأبلى فيها بلاءً حسناً؛ فقد قتل شيبة بن ربيعة وطعمة بن عدي، وشارك في قتل عتبة بن ربيعة أيضاً، وقيل إنّ الرسول عقد له لواءً كان أول لواءٍ يُعقَد في الإسلام، وخرج بعدها في غزوة أحد إلى أن قتله وحشي في منتصف شهر شوال من السنة الثالثة للبعثة وهو لم يكمل الستين بعد، ولقّبه الرسول صلى الله عليه وسلم بأسد الله في حياته.
وأطلق عليه اسم سيّد الشهداء عند استشهاده، ورُوِي عنه أنّه قُتِل في غزوة أحد قرابة 30 من الكفّار، ودفنه الرسول صلى الله عليه وسلم مع عبد الله بن جحش في قبر واحد.
إسلامه
مرّ أبو جهل مرّةً بالرسول وهو واقف على الصفا يدعو الله عز وجل ويناجيه، فما كان منه إلا أن يذهب إليه كعادته ويأخذ بسبّه وشتمه بأسوأ الشتائم وأقذعها، إلا أنّ النبي ظلّ صامتاً ولم يُجبه، فازداد أبو جهل اغتراراً بنفسه وأفعاله حتى حمل حجراً وقذف به رأس رسول الله فشجّه وأسال الدم منه، ثمّ عاد أبو جهل إلى نادي قريش ضاحكاً مُتفاخِراً بما صنع، ورأت إحدى الإماء ما حصل بينهما ثمّ مضت إلى أن رأت حمزة بن عبد المطلب وهو عائد من الصيد كعادته، ورغم أنّها لم تكن على الإسلام فإنّها قصّت عليه ما رأته بين أبي جهل ومحمد صلى الله عليه وسلم.
وحين سمع ما حصل تحرَّكت في نفسه عواطف المحبة لرسول الله ومشاعر النخوة تجاه المظلوم، فما وجد من نفسه إلا الاندفاع للقيام بأمر غريب.
مع أن حمزة رضي الله عنه كان حينها كافراً إلا أنّه اندفع بشكل غريب نحو أبي جهل، الذي كان حينها ما يزال جالساً بين سادة قريش وأشرافها عند المسجد الحرام، وعندما وصل إليه وقف أمامه ورفع قوسه دون تردد أو ارتياب وضربه به على رأسه ضربة قوية، شجّ منها رأسه وسال دمه أيضاً، فكان ذلك قصاصاً لما فعله برسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أنّه زاد عليه الإهانة الحاصلة له أمام قومه، ومع ذلك فلم يكتفِ حمزة بهذه الضربة، بل أراد أن يغيظ أبا جهل أكثر من ذلك، وعلم أنّه لا يغيظه شيء أكثر من الإسلام، فقال له: "أتشتمه وأنا على دينه أقول ما يقول؟".
كان هذا الموقف بالنسبة لحمزة موقفاً غريباً، فقد سمع بالإسلام سنواتٍ طويلةً إلا أنّه لم يدخل به، فكيف لموقف كهذا أن يؤثر به لدرجة أن يدخل في الإسلام، وهكذا عاد إلى بيته وهو في صراع مع نفسه، فهو لم يقتنع بالإسلام فعلاً بعد، وفي الوقت نفسه فقد قال كلمته أمام الناس بأنه قد دخل في الإسلام، ثمّ قرر بفطرته السليمة الالتجاء إلى الله تعالى ودعاه بأن يجعل له من أمره خيراً، فدعا الله وقال: "اللهم ما صنعتُ؟ إن كان خيراً فاجعل تصديقه في قلبي، وإلّا فاجعل لي ممّا وقعت فيه مخرجاً"، فألهمه الله تعالى أن يذهب إلى رسول الله يستشيره ويرى رأيه، فأقبل عليه صلى الله عليه وسلم وأخذ يدعوه ويعظه ويذكّره ويخوّفه حتى انشرح صدره وآمن برسول الله قائلاً له بيقين: "أشهد أنّك الصادق، فأظهر يا ابن أخي دينك، فوالله ما أحب أن لي ما أظلته السماء، وأني على ديني الأول".
استشهاده
كان زعماء قريش في غزوة أحد يهدفون لقتل رجلين اثنين؛ الرسول صلى الله عليه وسلم وحمزة بن عبدالمطلب، فأخذوا يتآمرون ويخططون لكيفية قتلهما، حتى إنّهم وقبل الانطلاق إلى المعركة كانوا قد اختاروا الشخص الذي وكّلوه بقتل حمزة، وهو عبد حبشي اسمه وحشي، وقد كان ماهراً في رماية الحربة، ووعدوه بحريته إن هو أنجز ذلك، ثمّ دفعوه إلى هند بنت عتبة لتزيد في تحريضه على ذلك، إذ كانت هند قد فقدت في معركة بدر أباها وأخاها وعمها وابنها، وقيل لها إنّ حمزة هو من قتل بعضهم وأجهز على بعضهم الآخر، فاستمرت لأيام قبل الغزوة تحثّ وحشياً وتقنعه بمهمة قتل حمزة، ووعدته بمجوهراتها مكافأة له، ففرح لذلك وعزم على فعل ذلك.
وفي غزوة أحد كان حمزة على عادته من الشجاعة والبسالة، يقاتل الرجال فيقتلهم، ويضرب عن اليمين والشمال، ووحشي واقف يراقبه من بعيد، ويتحيّن الفرصة المناسبة لقتله، فما إن سنحت الفرصة المناسبة حتّى رمى بحربته عليه، فوقعت الحربة بين أسفل بطنه وعانته رضي الله عنه، ثمّ خرجت من بين رجليه، ومع ذلك فقد نهض حمزة رضي الله عنه محاولاً اللحاق بوحشي إلا أنه لم يستطع ذلك، فمات شهيداً رضي الله عنه.