كره تحول إلى عشق.. هشام سلام يروي لـ"العين الإخبارية" قصته مع علم الحفريات (حوار)
"عزيزي.. كنت قد كلفت طلابي بمراسلة شخص من اختيارهم، واختارك تلميذ مفتون باكتشافك منصوراصورس رغم أنه يبلغ من العُمر 9 أعوام فقط".
هذه الكلمات كانت بداية لرسالة تلقاها عالِم الحفريات المصري الدكتور هشام سلام عبر بريده الإلكتروني، من معلمة كندية طلبت منه الحصول على عنوانه حتى يراسله أحد تلاميذها، بحيث يناقشه الأخير في أمور تتعلق بالديناصورات.
نوهت المعلمة، خلال رسالتها إلى الدكتور هشام سلام أستاذ الحفريات في جامعة المنصورة بمصر ومؤسس مركز جامعة المنصورة للحفريات الفقارية ومركز "سلام لاب"، أن تلميذها مفتون باكتشاف بقايا الديناصور "منصوراصورس"، الذي اهتم به الوسط العلمي العالمي قبل 5 أعوام.
من جانبه، احتفى الدكتور هشام سلام بهذه الرسالة وشاركها عبر حسابه الشخصي بـ"فيسبوك"، لكن بعيدًا عن التعليقات الإيجابية التي دونها محبوه، كان لهذه الكلمات أبعاد ودلالات وتأثيرات في نفسية "رائد علم الحفريات الفقارية في مصر"، فالمنزلة العلمية التي يتبوأها في الفترة الراهنة، وذيوع صيته حول العالم حتى وسط الأطفال الصغار، كان وراءها عقبات وعثرات كبرى تحداها بعزيمته وإصراره.
منذ اكتشاف "منصوراصورس" في عام 2018، بات كثيرون ينتظرون كل ما هو جديد من الدكتور هشام سلام وطلابه في مجال الحفريات الفقارية، وهو ما زاد مع الكشف عن حفريات أخرى يُعد أبرزها الحوت البرمائي "فيومسيتس أنوبس" عام 2021، ثم ديناصور "هابيل" في 2022.
بموجب ما سبق، حاورت "العين الإخبارية" الدكتور هشام سلام، الذي بدوره استرجع شريط ذكرياته، وروى كيف بات لعلم الحفريات وجودًا قويًا داخل مصر والوطن العربي.
إلى نص الحوار:
نبدأ من المشهد الأخير.. ما هو شعورك فور قراءتك للرسالة الخاصة بالتلميذ الكندي؟
شعرت بالفخر كمصري أنني استطعت جعل الناس تقبل وترى العلم خارجًا من مصر، بحيث يسمعه القريب والبعيد.
أنا في العادة أتلقى رسائلا شبه يومية بنفس الصيغة من أولياء أمور يتواصلون معي يوميًا يعكسون خلالها شغف ذويهم. هذا شيء يشعرني بأنني أقدم خدمة للمجتمع المصري لم تكن موجودة من قبل، وأن الحلم الخاص بي سيمتد لسنوات كثيرة قادمة.
هذه الرسالة على وجه التحديد تعكس وصول صوت العلم عبر القارات والمحيطات، هي تمثل لي معزّة خاصة، فعلًا العلم لا حدود له، والأجمل والأمتع أننا في مصر سابقًا كنا مساعدين للخبراء الأجانب في مجال علم الحفريات الفقارية، نحن أصبحنا صانعين لهذا العلم الذي يُقابل بشيء من الشغف والإعجاب على المستوى الكبير.
ماذا تمثل هذه الرسالة للدكتور هشام سلام؟
هذه الرسالة لها ظروف خاصة، فأي مجتمع أكاديمي أو إداري نعيش فيه به معوقات، والرسالة جاءت في وقت كنا نقابل فيه تحديات من أناس لا يريدوننا أن نسير إلى الأمام، هذا شعور طبيعي أنه في وقت المحنة يأتي شيء "يطبطب على الشخص".
الرسالة هي بشرى تدل على أننا نسير في الاتجاه الصحيح، وأن عملنا مسموع في الخارج، هي أشياء كثيرة لها معان عميقة في ظل ما نعيشه. دائمًا في "سلام لاب" لدينا منهجية أننا نسخر من العقبات كما الكوميديا السوداء في الأفلام، بحيث تدفعنا بقوة للأمام.
هل توقعت قبل سنوات أن يذيع صيتك حتى بين الأطفال الصغار حول العالم؟
بالفعل توقعت أن هذا سيحدث، حقيقة صدقت حلمي حتى بات حقيقة. مثلًا مركز جامعة المنصورة للحفريات الفقارية أنشأته في دماغي عام 2008، وتحقق وجرى الاعتراف به كمركز بحثي علمي في جامعة المنصورة بعد اكتشاف المنصوراصورس في 2018، كنت جالس 10 سنوات أحلم بالمركز حتى بات حقيقة.
كنت أعلم أننا سيبقى لنا شأن كبير، خاصةً مع وجود طلاب متميزين لهم فكر علمي وقدرة على القراءة والتحليل والاستنباط، أنا أقول إنهم سيكون لهم شأن أعظم من الآن، هم صناعة كادر علمي أفضل بكثير من كتابة مئات الكتب. طلاب "سلام لاب" سيُكتب فيهم كتبًا.
أتوقع خلال 10 سنوات قادمة أن الطلاب المصريين والعلماء الشبان "هيكسروا الدنيا بأبحاثهم، سيكون لهم شأن عظيم داخل المجتمع العلمي العالمي أكبر من هشام سلام الآن. هذه كانت رسالتي: "توريث النجاح نجاح"، هو نجاح لي في الأول والأخير.
هل كنت تحب علم الحفريات في سنواتك الأولى؟
قصتي مع علم الحفريات عجيبة جدًا، أنا التحقت بكلية العلوم رغمًا عني وفقًا لترشيح لمكتب التنسيق، مجموعي لم يكن كافيًا للدراسة في كلية الهندسة، وبالتالي قلت سأكون مهندسًا كيميائيًا، لكني التحقت بقسم الجيولوجيا رغمًا عني أيضًا.
في كل مرحلة كنت أجد نفسي في مواقف لم أخترها، رغم هذا كان لدي مبدأ التحدي بأن أواجه الظروف الصعبة. كنت لا أستسلم وأبذل قصارى جهدي بما يدفعني للنجاح، حتى تصدرت ترتيب دفعتي وجري تعييني معيدًا، وفرضوا عليّ علم الحفريات.
كنت في البداية كارهًا لعلم الحفريات إلى أن فرغت من رسالة الماجستير، فبدأ تفكيري يتغير وبات لي رؤية أكبر، الفضل في هذا يعود لزوجتي التي قالت "إننا نريد أن نكون مفيدين للناس حولنا"، قلت لها هناك تخصص الحفريات الفقارية لو أتى إلى مصر سيكون عملًا عظيمًا، وقد كان.
من هذه اللحظة بدأت أهتم بعلم الحفريات وكان ثقيلًا على قلبي، وظللت صبورًا إلى أن أتيحت لي منحة لدراسة الحفريات في إنجلترا، وبدأت رحلتي في حب هذا العلم الذي بادلني الحب، أنا الآن أعشقه ولو عاد بي الزمن لاخترته، فالحفريات تطلعني على تاريخ لم يشهده بشر، أكون فرحًا حينما أرى حفرية لأول مرة وأكون أنا أول شخص ينبش التراب عنها ويمسكها بيده.
كيف حققت حلمك بتدشين مركز جامعة المنصورة للحفريات الفقارية؟
حينما كنت أدرس الحفريات الفقارية كان في ذهني أن ما أؤديه هو واجب وطني، لأنني خرجت حينها في منحة دراسية من الحكومة المصرية، ولم يكن وقتها أي باحث يحمل درجة الدكتوراه في علم الحفريات، وهذا منحني حماسًا غير عادي، ورغبت في التعلم قدر الإمكان لنقل هذا العلم للطلاب المصريين.
أتذكر خلال زيارة لي لجامعة ستوني بروك في نيويورك، وبعد حديثي مع طلاب يعدّون رسائل الماجستير والدكتوراه، وضعت لنفسي 6 أهداف لتحقيقها عقب عودتي لمصر، وهي:
- استقطاب الطلاب المتميزين، الذين يحملون شغفًا بعلم الحفريات من جامعات مصر المختلفة.
- إنشاء مركز أو مكان يكون قبلة للدارسين في مصر.
- تنظيم رحلات استكشافية في صحراء مصر كافة.
- التعاون مع العلماء المتميزين لعدم الانغلاق.
- مخاطبة كل العقول ونقل الخبرات والوصول لأوسع جمهور يهتم بهذا العلم بدايةً من الأطفال وحتى الشيخ الكبير.
- أن يكون لنا متحف للتاريخ طبيعي يتضمن كل الحفريات المصرية التي نراها في متاحف العالم المختلفة.
هذه الأهداف عملت عليها قبل عودتي لمصر، أنا الآن أنشأت مركز جامعة المنصورة واستقطبت الطلاب، ونظمنا أكثر من 60 رحلة استكشافية بدايةً من 2010، أنا حاليًا أعيش ما حلمت به وصدقته.
هل تعتبر اكتشاف حفرية منصوراصورس هي أهم نقلة في مسيرتك؟
بكل تأكيد هو الأعظم في مسيرتي حتى الآن، لأنه لم ينقلنا فقط كباحثين لمستوى آخر، بل جذب انتباه المجتمع المصري المحلي لنا وهذا كان صعبًا، نحن كنا معروفين قبلها على المستوى العالمي أما محليًا لم يكن أحد يسمع عن اكتشاف الديناصورات.
المنصوراصورس نقل كذلك ثقافة الوطن العربي جميعه، فرحة الاكتشاف هو أننا جعلنا رجل الشارع العربي يتحدث علمًا، وكانت المرة الأولى التي يجري فيها اكتشاف ديناصور على المستوى العربي بأيادي مصرية دون مساعدة الأجانب، ويتم توثيقه في أكبر مجلات العالم.
في كل عام يخرج طلابك باكتشافات مثيرة تهتم بها أشهر الدوريات العلمية.. كيف تركت بصمتك على الأجيال الجديدة؟
البصمة واضحة لأن لدينا طريق محدد وهيكلة جيدة، ونسير على منهجية واحدة في "سلام لاب"، والأجيال القادمة سيكون لها بصمات في العلم يشار لها بالبنان. لقد كرست وقتي لصناعة أجيال جديدة، بعدما أدركت أن الطالب هو امتداد للأستاذ وليس منافسًا له، لهذا أفسحت المجال بكل أريحية لهم، هم امتداد لحلمي وسأحيا بعد مماتي بأبحاثهم.
ما شعورك لحظة احتفاء الدوريات العلمية بطلابك عقب كل اكتشاف جديد يخرج إلى النور؟
هي فرحة أب بأبنائه يمتزج فيها الفخر والاعتزاز، وأشعر وقتها أننا نسير على الطريق الصحيح وأن الحلم والنجاح سيورثان لأجيال جديدة قادرة على الإبداع والاستمرار في التميز، كما أنه خلال تكريمهم في المؤتمرات أصفق لهم كأنني "أبو العريس أو العروسة" حرفيًا، نجاحهم امتداد لي.
بموجب الإنجازات التي تتحقق عامًا تلو الآخر.. هل تعتبر نفسك رائدًا لمجال الحفريات الفقارية في مصر؟
بكل تواضع أنا رائد علم الحفريات الفقارية في مصر. هذا ليس غرورًا لكنه الواقع. كنت أهدف أن أكون أول مصري يحصل على درجة الأستاذية في علم الحفريات، وقد كان هذا في سنة 2022.
ما أصعب اكتشاف توصلت إليه خلال مسيرتك؟
المنصوراصورس لما به من مغامرة تمثلت في اصطحاب 4 باحثات آنسات لمنطقة في وسط الصحراء، مع التخييم لمدة 21 يومًا، كانت تجربة فريدة من نوعها وصعبة وتخللتها توترات وأحداث صعبة، لكن ما هوّن علينا أننا كنا على علم بأن التاريخ العالم يذكر هذا الاكتشاف.
هل وضعت يدك على اكتشاف جديد من المقرر الإعلان عنه خلال العام الجاري؟
ليس اكتشاف واحد، لدينا سلسلة سيُعلن عنها في 2023.. انتظرونا.
aXA6IDE4LjE5MS4xMDMuMTQ0IA== جزيرة ام اند امز