ما وراء اكتشاف الديناصور هابيل بـ"أرض المعارك الضارية" في مصر (حوار)
احتفت الأوساط العلمية في مصر مؤخراً بتمكن فريق بحثي من اكتشاف نوع من الديناصورات عاش قبل 98 مليون عام.
وبحسب وسائل إعلام محلية، تلقّت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي المصرية تقريراً يفيد باكتشاف فريق مكوّن من علماء مركز جامعة المنصورة للحفريات الفقارية، وخبراء من وزارة البيئة، لحفرية ديناصور يُعرف بـ"هابيل المفترس" في منطقة الواحات البحرية في الصحراء الغربية في مصر.
واستقبلت الأوساط العلمية، الاكتشاف، بحفاوة واسعة، كما سلطت الضوء عليه وسائل إعلامية عالمية، بما يدل على أهمية هذه الدراسة، وما أضافته من قيمة إلى الموسوعة العلمية.
وتواصلت "العين الإخبارية" مع بلال سالم، معيد بكلية العلوم جامعة بنها وباحث بفريق "سلام لاب" بمركز جامعة المنصورة للحفريات الفقارية ومبتعث إلى جامعة أوهايو الأمريكية، بصفته المؤلف الرئيسي للدراسة، للكشف عن مراحل الاكتشاف ومعرفة أدق تفاصيله والاطلاع على مختلف الظروف التي صاحبت هذا الإنجاز، وإلى نص الحوار:
في البداية.. ما سر شغفك بمجال الحفريات؟
أصبح هذا الشغف واضحاً لي في المرحلة الجامعية. وقتها، عرفت ما هي الحفريات، وما تشتمل عليه من علوم ما بين التاريخ وعلم البيولوجي، وقضيت فيهما مراحلي الدراسية المختلفة وفترات الإجازة الصيفية.
واكتشفت هذا الأمر حينما تطرقنا في السنة الأولى الجامعية إلى دراسة مادة "الهيستوريكال جيولوجي" أو الجيولوجيا التاريخية، وهي ترصد تاريخ الأرض وما حدث للكائنات التي كانت تعيش عليها.
كما كنت محظوظاً في الفترة نفسها. وقتها كنت أواظب على شراء المجلات العلمية من بينها "ناشيونال جيوجرافيك"، خاصةً عدد شهر أكتوبر/تشرين الأول لعام 2014، وكان خاصاً بالحديث عن ديناصور مصري، ومنها توالت القراءات وازداد شغفي.
أعطنا لمحة عن الاكتشافات الحفرية في مصر خلال الفترات السابقة
السجل الحفري في العمود الجيولوجي ممتد لأكثر من 3.7 مليار سنة، ومصر بها رواسب تعود لأكثر من 300 مليون سنة، كما أن بها أقدم متكون ينتج حفريات فقارية، وهي صخور الواحات البحرية، التي يبلغ عمرها 100 مليون سنة.
ما المحطات المهمة في مسيرتك البحثية قبل الاكتشاف الأخير؟
أول محطة كانت في عام 2017، حينما تعرّفت إلى الدكتور هشام سلام، أستاذ الحفريات بالجامعة الأمريكية وجامعة المنصورة ومؤسس مركز جامعة المنصورة للحفريات الفقارية، ثم أصبحت عضواً من فريقه البحثي "سلام لاب"، ومن ثم صاحبته في عدد من الرحلات البحثية، ومن بعدها أصبحت آخذ منه النصيحة، وبات بمثابة المعلم والمرشد لي في هذا التخصص، كما يملي عليّ ما أقرأ ويرسم لي الطريق، ويحاول طوال الوقت أن يساعدني في تحصيل العلوم.
بعدها، بدأت الاشتراك في المؤتمرات البحثية في تخصص الحفريات الفقارية، ثم سجلت رسالة الماجستير، ثم أتبعتها بنشر أول بحث لي في تخصص الحفريات الفقارية في عام 2021.
منذ متى بدأت في دراستك الأخيرة؟
بدأت في عام 2018، حينما أخبرني الدكتور هشام سلام بأنني سأعمل على بعض البقايا المكتشفة في الواحات البحرية ضمن رسالة الماجستير الخاصة بي، وعملت عليها فعلًا.
وتجدر الإشارة إلى أن المادة المجمعة واكتشافها بمنخفض الواحات البحرية كان منذ عام 2016، بجهود مشتركة بين مركز جامعة المنصورة ووزارة البيئة، بعد ذلك تم إجراء عمليات ترميم للعينات داخل مركز جامعة المنصورة على مدار عامين، أي حتى سنة 2018، وهي الفترة التي بدأت فيها أعمالي الترميمية بجانب مهامي البحثية.
ما المدة الزمنية التي استغرقتها للتوصل إلى النتائج المعلنة؟
عامان.
عرّفنا بفريقك البحثي من حيث المهام وعدد أفراده
الفريق يضم علماء وخبراء في الديناصورات، معنا الدكتور هشام سلام، وهو قائد الفريق البحثي، وأنا مؤلف رئيسي للبحث، ثم بقية أعضاء الفريق منهم الدكتور مات لمانا والدكتور باترك أوكانور من مؤسسات أمريكية، ولهما تاريخ في دراسة الحفريات في الواحات البحرية خلال البعثات التي كانا يأتيان ضمنها قبل عقدين من الزمن، إضافةً إلى الدكتورة سناء السيد النائب السابق لمدير مركز جامعة المنصورة للحفريات الفقارية، وهي مبتعثة لجامعة ميتشجان للحصول على درجة الدكتوراه، بجانب ممثلين من وزارة البيئة منهم الدكتور وائل ثابت.
ما مراحل العمل على الاكتشاف؟
اشتمل العمل على عدة مراحل، منها الاستكشاف المبدأي، ثم الحصول على العينات واستخراجها في عام 2016، ثم مرحلة الترميم والوصف التشريحي والرقمي، وعمل التحاليل المعينة بأجهزة الكمبيوتر، انتهاء بإعادة بناء للنظام البيئي لمنخفض الواحات البحرية قبل 100 مليون سنة.
ما الوسائل التي اعتمدتم عليها في دراستكم؟
أولاً اعتمدنا في أعمال الترميم على بعض الأدوات، منها جهاز ضغط الهواء لإزالة الرواسب الموجودة على الفقرة المكتشفة، وهي عبارة عن رواسب من الرمال المشبعة بالحديد والتي كانت صلبة جداً.
كما استعملنا أدوات أخرى، فلجأنا إلى عملية التصوير المقطعي والفوتوغرافي العادي، ورصدنا وسجلنا الفقرة المكتشفة في بعض المصفوفات الخاصة بشجر الأنساب باستخدام بعض البرامج الخاصة على أجهزة الكمبيوتر، من أجل الحصول على شجر أنساب لهذا الديناصور، وتبين علاقته بأفراده الآخرين وبأقارنه في القارات الأخرى المختلفة.
كذلك اعتمدنا على فنان ذي خبرة في الرسم الجيولوجي التاريخي، لإعادة رسم تخيلي للنظم البيئية للمنطقة التي عاش فيها الديناصور.
ما صفات ديناصور هابيل المكتشف؟
طوله 6 أمتار، والجمجمة كبيرة ومدججة بالأسنان بما يساعده في عملية الافتراس، له أذرع أمامية قصيرة تكاد تكون لا تستخدم في أي نشاط، والخلفية منها قوية بها عضلات لمساعدته في السرعة والافتراس، وله فقرات عنقية بها قدر هائل من العضلات لمساعدة الجمجمة في الافتراس.
لم ركّزتم على منطقة الواحات البحرية دون غيرها للخروج بهذا الاكتشاف؟
نظراً لأن منخفض الواحات البحرية له شهرة كبيرة في إنتاج الحفريات الفقارية خاصة الديناصورات، وهو من أوائل الأماكن التي تم دراسة حفريات الديناصورات بها في بداية القرن الماضي.
كما كان هذا المنخفض من أوائل الأماكن في أفريقيا والعالم أجمع التي أنتجت حفريات أذهلت العالم كله، لكن الديناصورت التي تم جمعها كانت عبارة عن 4 ديناصورات جمعها العالم الألماني إرنس شترومر بداية من عام 1915 وحتى 1930.
ووُضعت العينات المكتشفة في متحف برلين للتاريخ الطبيعي، وللأسف هذه العينات تم تدميرها كافة في الحرب العالمية الثانية، والآن باتت الواحات البحرية بعدما كانت تُعرف بـ"أرض الديناصورات"، نظرًا لاستخراج 4 هياكل للديناصورات، أصبحت تُعرف بـ"أرض الديناصورات الضائعة".
والواحات البحرية كانت وما زالت نقطة بحثية حولها علامات استفهام تحتاج لإجابات.
في أي دورية علمية نُشرت هذه الدراسة؟
في مجلة Royal Society Open Science، ومقرها المملكة المتحدة.
هل تلقيتم دعماً من المؤسسات البحثية في مصر؟
نعم، تلقينا دعماً من جامعة المنصورة ومؤسسة "ناشيونال جيوجرافيك" لاستكمال العملين الحقلي والبحثي.
ما الذي يضيفه الاكتشاف الأخير إلى علم الحفريات بشكل عام؟
يمثل أول وأقدم تسجيل لعائلة هابيل في الواحات البحرية وفي شمال أفريقيا بشكل عام، وهو نوع آكل للحوم ويزيد من تعداد الديناصورات آكلة اللحوم لتكون 4، مقابل 2 من نظيرتها آكلة العشب، وهذه النسبة تدل على نظام بيئي شرس فيه الكثير من الافتراس والحروب والصراعات، أي أن الواحات البحرية كانت بمثابة أرض للموت والمعارك بين الديناصورات.
كما أن الاكتشاف يدحض بعض الأدلة الخاصة بنظرية قديمة تقول إن هذه الديناصورات لم تكن موجودة في مصر، بزعم وجود بحر يعبر من ليبيا ويصب في المحيط الأطلنطي بما يمنع هذه الكائنات من الانتشار، وبالتالي يجب إعادة النظر في هذه النظرية.
هل بالإمكان العثور على حفريات أخرى في منطقة الواحات؟
نعم، المنطقة ما زالت قيد الدراسة وهذا يؤكد أنها قادرة على العطاء وبها إنتاج لعديد من الحفريات، وهي نقطة بحثية وموضع تساؤل، خاصة أنه مع استكمال بناء النظام البيئي الخاص بإنتاج الحفريات سيسفر عن هذا اكتشافات جديدة سنوثقها في المجلات والدوريات العلمية خلال الفترة المقبلة.
ما خطتك المستقبلية؟
هذه الدراسة هي خطوة ضمن خطة أكبر ومجموعة من الخطوات التي سنسير فيها مستقبلًا، تهدف إلى إعادة اكتشاف الديناصورات المصرية من الواحات البحرية، كما أن هناك بعض الاكتشافات التي أعمل على توثيقها من نفس المنطقة، وأرغب في التوسع في الرحلات الاستكشافية إلى المنخفض، للحصول على مزيد من العينات.
aXA6IDE4LjE4OS4xODUuNjMg
جزيرة ام اند امز