بعد عام على ثوران بركان "كيلاويا".. هاواي تحيا وسط الحمم
بعد أيام قليلة من زلزال هاواي في مايو 2018، ثار بركان كيلاويا لينفث الرماد بارتفاع 10 كيلومترات ويدمر مئات المنازل ويجلي آلاف السكان.
لم يكن مايو 2018 شهراً عادياً في هاواي، ففي 3 مايو ضرب زلزال بقوة 6.9 درجة الجزيرة الكبرى "بيج آيلاند" في الأرخبيل الواقع في المحيط الهادئ، ليثور بعدها بأسبوعين بركان "كيلاويا" ويطمر مئات المنازل ويجلي آلاف السكان.
في أحد أيام فصل الربيع لعام 2018، أخذت جدران مكتب عالم الزلازل بريان شيرو تهتز، وسقطت الكتب من فوق الأرفف، وتصدع الزجاج والجدران، اختبأ شيرو تحت مكتبه، إذ أن الحكمة تقتضي أخذ الحيطة قدر المستطاع.
يقول شيرو، الذي يعمل في مرصد براكين هاواي ببلدة هيلو: "كان يوما مثيرا، ولكن اتضح لاحقا أن هذا كان مجرد البداية".
وبعد أيام قليلة من الزلزال، ثار بركان كيلاويا، أحد أنشط البراكين على كوكب الأرض، اختفت بحيرة الحمم البركانية الحمراء وبدأ البركان ينفث رمادا وصل ارتفاعه إلى 10 كيلومترات، وتم إغلاق المتحف الموجود بموقع المرصد أمام الزوار.
وتحدثت عناوين وسائل الإعلام عن "الرعب في الجنة"، إذ كان هذا الثوران البركاني أحد أقوى الثورات التي حدثت في هاواي خلال 200 عام. ومنذ مايو حتى أغسطس من العام الماضي، ظهرت تصدعات في جميع منحدرات البركان، وطمرت الحمم 700 منزل وتسببت في تشريد الآلاف، كما تضررت السياحة.
وبركان كيلاويا موجود في "حديقة براكين هاواي الوطنية"، التي تأسست في 1916، وهي تضم بركاني كيلاويا ومونا لوا، وهما من أضخم البراكين في العالم، ويقع البركان على جزيرة "بيج آيلاند"، وكان يزور الحديقة سنويا مليونا زائر، ما كان يجعلها أحد أكبر مقاصد الجذب السياحي في الأرخبيل الواقع بالمحيط الهادئ والذي يتألف من 8 جزر رئيسية.
وخلال الثوران، أُغلقت الحديقة الوطنية لمدة 134 يوما، وهي أطول مدة إغلاق شهدتها في تاريخها الممتد لأكثر من 100 عام، وانخفض عدد الزوار بمقدار النصف تقريبا.
ومنذ إعادة فتح الحديقة الوطنية بصورة تدريجية خريف العام الماضي، بدأ السائحون في العودة، إلا أن جيسيكا فيراكين، المتحدثة باسم الحديقة، أوضحت أن الأعداد لم تعد لسابق عهدها، ولا تزال مناطق جذب عديدة في الحديقة مغلقة بسبب مخاوف من حدوث انهيارات، بما في ذلك متحف تاريخي كان قريبا من مكتب شيرو، الذي كان يطل مباشرة على فوهة بركان كيلاويا.
وتمت إعادة فتح معظم المسارات ونقاط المراقبة حول فوهة "هاليماوماو" الرائعة. وعاد فندق "فولكانو هاوس"، وهو الفندق الوحيد بالحديقة، ليستقبل ضيوفه مجددا بعد فترة إغلاق قسرية استمرت 5 أشهر، ومن الفندق يمكن للزوار النظر في عمق فوهة البركان والاستماع بالمنظر المحيط بها.
ويقول شيرو: "الطبيعة القوية تركت بصمتها،" فقد أصبحت فوهة البركان أضخم بـ 15 مرة عن ذي قبل؛ وزاد عمقها من 85 مترا إلى 500 متر، وانقطع الطريق الدائري الذي كان يُستخدم للالتفاف حول الفوهة في بعض أجزائه، وأصبحت بعض قطع الأسفلت معلقة من حوافها مثل لوحة من الفن السيريالي".
تغير الكثير من الأمور في أرخبيل هاواي، فعلى شبه جزيرة "بونا"، المقصد الشهير لقضاء العطلات في الجنوب الشرقي، تراكمت الحمم البركانية على الطرق وتسببت في قطع بعض الأماكن عن العالم الخارجي، كما طمرت منتجعات سياحية وبحيرة عذبة وشواطئ غوص.
ويعتقد العديد من السكان المحليين، الذين جاء أسلافهم إلى الأرخبيل من جزر بولينيزيا (الفرنسية في جنوب المحيط الهادئ) أو آسيا، على سبيل المثال، أن ما حدث هو نتيجة نشاط قُوى روحية.
يقول مايكل نيومان، وهو حارس في الحديقة الوطنية: "خلال ثورة البركان، شعرت وكأن الجزيرة قد عادت إلى الحياة. شعرت بشيء روحاني".
وتشكل قصص التراث الشعبي التي يرويها كبار السن في المجتمع المحلي في الأرخبيل، جزءاً مهما في الثقافة الشعبية بهاواي، وتقول الأسطورة إن إلهة النار "بيليه" وهي المسؤولة عن تكوين الجزر، تعيش مباشرة في فوهة "هاليماوماو" ببركان كيلاويا وأنها هي من تسببت في ثوران 2018.
وعلى الرغم من الرعب الذي يسيطر على العالم جراء البراكين، فإن السكان المحليين في هاواي يعتقدون أنه مع كل ثورة بركان، تبدأ "بيليه" في تشكيل أرض جديدة وحياة جديدة.
ويمكن رؤية ذلك في "بوهويكي"، وهو امتداد ساحلي جنوب منطقة بونا، حيث تجمعت تدفقات الحمم البركانية العام الماضي بعد نحو 3 أشهر من ثوران البركان.
ويحملك طريق ترابي غير ممهد خلال الرحلة إلى بوهويكي. وعلى طول الطريق، تسبب البركان في إضافة كيلومترين من السواحل الجديد، أي ما يعادل 500 ملعب لكرة قدم. وهذه هي المناطق التي ستنمو فيها نباتات البن أو أشجار البابايا أو أشجار المانجو في مرحلة ما.
وفي نهاية الطريق الترابي، يوجد ما يعتقد السكان المحليون أن بيليه قامت بتشكيله: خليج من أشجار جوز الهند الخضراء، شاطئ رائع من الرمال السوداء الجميلة التي تشكلت أثناء الثوران- مقصد جديد أصبح مفضلا للسكان المحليين والسياح.
يقول الجيولوجي ريك هازليت، عالم البراكين، إن "البخار يحول الحمم البركانية إلى رمال عند دخولها في المياه". وفي غضون أيام قليلة، تجرف التيارات المائية الرمال السوداء إلى الشاطئ حيث تتراكم شيئا فشيئا لتكون الجزر.