"معرض الكتاب التراثي".. رافعة للتفاعل الفكري والثقافي
المعرض الذي يقام في إطار البرنامج الثقافي لمهرجان سلطان بن زايد التراثي يعد مبادرة لتحسين وتشجيع ثقافة القراءة في كل إمارات الدولة
من بين 70 جناحا تضمها السوق الشعبية في مهرجان سلطان بن زايد التراثي، في نسخته الحادية عشرة التي تختتم أعمالها في 11 فبراير الجاري، يبرز جناح معرض الكتاب التراثي لمركز زايد للدراسات والبحوث بأبوظبي كرافعة للتفاعل الفكري بين الرّواد، وبأنّه يشكل فضاءات مفتوحة على كل الثقافات التي تقدّم نتاجات النّخب المخضرمة إلى الأجيال الجديدة.
المعرض الذي يقام في إطار البرنامج الثقافي المصاحب للحدث، يعد مبادرة تهدف إلى تحسين وتشجيع ثقافة القراءة في أبوظبي وجميع إمارات الدولة، ويقدّم المعرض الذي أصبح محور اهتمام جماهيري نحو 135 عنوانا من إصدارات المركز؛ ما بين طبعات محققة عن أمهات الكتب، وفي مجالات تاريخ الدولة والمنطقة، إلى جانب الدواوين الشعرية والموسوعات التراثية وفي الأدب والفكر والحضارة العربية والإسلامية وغيرها.
وبالنظر إلى الكتب الأكثر مبيعاً في الأسبوع الأول للمعرض سنجد أن كتاب "زايد رحلة في صور" باللغتين العربية والإنجليزية، يتصدر القائمة، فهو يطرح سيرة ومسيرة المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان "طيب الله ثراه" عبر رحلة توثيقية من الصور والشروحات تبرز إنجازاته الكبيرة التي تحققت للإمارات في ميادين مختلفة.
ويقدّم كتاب "أبوظبي رحلة في صور" قراءات عن تطور ونمو الحياة الاجتماعية والمحطات الوطنية التاريخية موثقة بالصور والخرائط خلال فترة تمتد من بدء حقبة النفط عام 1983 وحتى نهاية السبعينيات، ويأتي في قائمة الأكثر مبيعاً أيضاً كتاب "الألعاب الشعبية في دولة الإمارات العربية المتحدة" في طبعة ثالثة أنيقة ومنقحة للباحث الدكتور عبد الله علي الطابور، أما كتاب أياد من ذهب: الحرف والصناعات التقليدية في دولة الإمارات العربية المتحدة للمصور يوسف العدان فيتحدث عن الحرف والمهن التقليدية الرائجة في مجتمع الإمارات باعتبارها ركنا مهما من أركان التراث الشعبي، كما يركّز عى شرح كل حرفة بالصور الدقيقة، إذ يعرض أكثر من 60 حرفة من الحرف والصناعات التقليدية والمعارف الشعبية، ثم تأتي كتب علاقات إمارة أبوظبي السياسية مع جاراتها في عهد الشيخ حمدان بن زايد الأول 1912- 1922 لموزة عويص علي الدرعي، ثم كتاب "أدبيات الكرامة الصوفية" دراسة في الشكل والمضمون للدكتور محمد أبو الفضل بدران، وكتاب "تحفة الأندلس وشعار سكّن الأندلس"، تحقيق عبد الإله أحمد نبهان والدكتور محمد فالح صالح زعل، وغيرها مما حقق إقبالا جماهيريا غير مسبوق للمعرض في أسبوعه الأول.
وبلغة الأرقام فقد استقطب نحو 66 وفدا مدرسيا من إمارات الدولة كافة بعدد إجمالي زاد عن 6500 تلميذ، ونحو 43 وفدا رسميا وأكاديميا وجامعيين وفنانين ومثقفين وإعلاميين وسياحا أجانب وزوارا وعائلات من الإمارات ودول مجلس التعاون، بلغ عددهم الإجمالي نحو 9 آلآف، وهنا يصعب أن نمرّ على هذا المشهد دون أن نتحدث عن رهان الثقافة الرابح الذي تمّ تكريسه في أمرين أولهما: تعزيز قيمة الكتاب المطبوع وإعادة الشباب إلى الاهتمام بمجالات الثقافة والمعرفة الجادة الرصينة، بمواجهة تحديات الكتاب الرقمي وثقافة الإنترنت من تحت عباءة عولمة الثقافة، وثانيهما الانسجام مع مشروع السياسة الوطنية للقراءة في الدولة التي تستند إلى 7 محاور، لعل أبرزها الاستراتيجية الوطنية للقراءة 2016 -2026 وتنطلق من رؤية تسعى إلى أن تكون القراءة أسلوب حياة في المجتمع الإماراتي.
وفي السياق، قال الدكتور راشد أحمد المزروعي مدير مركز زايد للدراسات والبحوث لـ "بوابة العين الاخبارية": في الواقع يمثل هذا المعرض حالة ثقافية خاصة، فهو ليس مجرد سوق لبيع الكتب كما يعتقد البعض، فسياسته ترتكز على تقديم كتاب مفيد بسعر زهيد جدا، وبخاصة الكتب التي تعنى بشؤون اللغة العربية كونها عنوان هويتنا وحضارتنا، نحن نعمل لكي يصل الكتاب إلى كل النّاس من الفئات العمرية كافة، ولعل المهرجان أوقع مناسبة يمكن استثمارها لتعزيز مفهوم القراءة واقتناء الكتب وبخاصة أجيال المستقبل.
على جانب آخر، فإن هذا المعرض المتنقل في أرجاء الدولة، وما يساهم به في مشروع تطوير صناعة الكتاب والنّشر، يلفت الانتباه بشدة إلى ظاهرة غاية الأهمية تتمثل في أن الدّولة أصبحت "ناشرا" بعد أن ظلّ النّشر صناعة فردية حتى أواخر القرن العشرين يقوم بها "الوراقون" إما للاستثمار وإما للدّعوة من أجل عقيدة، ولمّا أصبح موضوع النّشر في مختلف صوره من أخطر الوسائل لبناء العقول وتشكيل الرأي العام في ظل تنامي الفكر المتطرف، فقد أصبح من ألزم اللاّزم لكل مؤسسة حكومية معنية بالفكر أن تضطلع بمسؤولية التثقيف، ولهذا فإن الحديث عن هذا المعرض وغيره من المعارض السنوية التي تحتضنها الدولة وتشارك بها مؤسسات حكومية عديدة تعد أمرا يدعو إلى الإعجاب والتقدير.
ولا شكّ أنّ أي متتبع لإنتاج مركز زايد للدراسات والبحوث في السنوات الأخيرة قد لاحظ أن مستوى مطبوعاته في رقي مستمر، وقد نجحت في جذب أقلام النّخبة من الكتّاب والأكاديميين والباحثين والمترجمين من الإمارات والوطن العربي لغايات الارتقاء بالكتاب الجاد الرّصين.