اليوم أضعف حلقة في التوسع الإيراني هي في لبنان، تحالف «حزب الله» مع «عون - باسيل»، الذي غطاؤه الأخير في الشارع اللبناني من شريحة شعبية
على عكس ما يعتقده كثيرون أن «أيقونة» اختراق النظام الإيراني للنسيج الوطني العربي هي في لبنان من خلال «حزب الله»، في خلطة من الشعارات واستغلالٍ «للعوز»، حيث استولت إيران من المقعد الخلفي على القرار اللبناني... هذا الخط من التفكير وجب إعادة النظر فيه. «الأيقونة» كانت ناجحة حتى ثورة الشعب اللبناني منذ أسابيع، ويمكن تعطيلها إن وفق الساسة اللبنانيون، وخاصة القيادة السنية، في فهم عمق التطورات في الساحة اللبنانية، وقراءة المستجدات والعمل بمقتضاها، أما إن لم ترغب تلك القيادة في الفهم أو أن تتحجج بحجج مصلحية، غطاؤها وطني أو تخضع للتهديد، فإن احتمال «استمرار نجاح الاختراق» قائم!
الجمهور اللبناني وصل إلى قناعة أن «دولة بسلاحين» هما دولتان لا واحدة! ولم يعد «التابو» قادراً على إقناع العقلاء غير أزلامه المدججين بأفكار طوبائية مسبقة، أو أنه قادر أو راغب بأي حراك في إطار «المقاومة» المفترضة
اليوم أضعف حلقة في التوسع الإيراني هي في لبنان، تحالف «حزب الله» مع «عون - باسيل» الذي غطاؤه الأخير في الشارع اللبناني من شريحة شعبية بدأ يضعف، لأن الجمهور المسيحي بكل قواه صارت لديه قناعة أن ذلك التحالف يأخذ لبنان إلى الانقياد لطهران، مع كل ما يحمله ذلك الانقياد من مخاطر على اللبنانيين تجاه اقتصادهم وحياتهم، وتجاه الحاضنة العربية وتجاه الرغبة الدولية. إلا أن بعض الشارع المسيحي، خاصة العوني، ما زال يراهن ويتمنى أن تمر الأزمة بأقل ما يمكن من الخسائر.
وذلك رهان قد لا ينجح. الرقم الأكثر صعوبة في المعادلة اللبنانية في هذه المرحلة الحاسمة هي «المكون السني»، وبالأخص قيادة ذلك المكون، وهو سعد الحريري والمجموعة الصغيرة النافذة حوله التي يستمع إليها. القيادة السنية هي التي تحمل الشرعية، وبذلك فإن «سلطة الشرعية» استخدمت في السنوات الأخيرة لتغطية «سلطة القوة»، في هذه الحال «حزب الله». المؤشر واضح، فقد استخدم زعيم «حزب الله» كل قدراته الخطابية ليقول إن «الحكومة باقية» ثم استرسل لطمأنة «عون - باسيل» والعهد لا يغيره أحد! بل ذهبت بعض الإيحاءات الإعلامية الموالية لذلك التحالف للقول إن الحراك الشعبي اللبناني هو حراك «أميركي - صهيوني» في سابقة وصلت فيها التهديدات وتحت ضغط الارتباك إلى اتهام شعب كامل بالخيانة! لقد عمل الحريري في الفترة السابقة تحت ذرائع مختلفة على نسج غطاء سياسي لفريق قال في السابق إن «قتل والده عمل شرعي ووطني»،
وأعلن أن ذلك الغطاء هو من أجل لبنان! التحول أن الفريق الذي يغطيه منذ سنوات قلائل يعاني المطاردة الدولية ويفقد التمويل المالي السابق، سواء من طهران، التي تخضع لعقوبات واسعة، أو من الخزينة العراقية التي ثبت استنزافها ويتفتح عقل شعبها على منع نهبها، فالنشاطات السياسية والاستخبارية والمالية لـ«حزب الله» أصبحت تحت المجهر الدولي وملاحقة من مؤسسات ودول، واستفاق جزء من بيئته على أن الحزب حسب التعبير اللبناني الدارج «فوتهم بالحيط»! لأن قيادته لا يمكن أن تستمع للنقد حتى الداخلي! ولا تريد أن تتفهم المطالب الحياتية في أطواق البؤس البشري في مدن لبنان، من الضاحية الجنوبية حتى طرابلس!
كل لبنان يعرف اليوم المسكوت عنه، والذي أوصلهم إلى هذا المكان الحرج اقتصادياً والشائك سياسياً، وهو أن فريقاً منهم يحمل السلاح ومستعد أن يرسل بعض أبنائهم إلى أي ركن في العالم يأمر به المرشد في طهران، ويختطف الدولة، حتى لو كانت شوارع بيروت الخلفية، التي تعج بالبؤس والحرمان تحتاج إلى خبز ودواء! الإشارات بدأت تظهر ولو على حياء، يأخذ البعض الحماس فيصرح بذلك أمام الجمهور، أن «حزب الله» لا يمثلنا، ولكن يتراجع عندما يعرف أن الجهر قد «يكلفه حياته»! إلا أن المعرفة وإن كانت مسكوتاً عنها هي هناك ويتوسع الحديث عنها مع الأيام. الحزب الذي بنى هياكل موازية للدولة، وفي كثير من الأحيان والأماكن «هزأ بالدولة» أصبح الآن يريد أن تظل الدولة مطية لنشاطه، وأصبح الحريري وصحبه من «الأحباء» الذين يجب الحرص عليهم، بعد أن كانوا في أدبيات الحزب من «الخونة».
اليوم قوة «حزب الله» ليست في ذاته، قوته الباقية هي في تردُّدِ القيادة السنية، في اتخاذ القرار الصحيح. لو اتُخذ القرار المناسب في معسكر الحريري، في أن يترك تحالف «حزب الله» - عون لمواجهة «الموسيقى» التي تصدح في المجالين الشعبي اللبناني والمسرح الدولي، وهي قادمة من كل هذا التجمع اللبناني الضخم الذي زحف إلى الساحات، والذي يعرف كثير منهم أن شعار «المقاومة» المفترضة، لم يعد يقنع أحداً، فلا أكثر سلاماً في العالم من الحدود اللبنانية الإسرائيلية، ولا الحدود السورية الإسرائيلية، وكل ما هو مشاهد لا أكثر من «زعيق» في الإعلام وحرق للعلم الأميركي. لحقق للبنانيين أمانيهم في التحرر. حيث إن الجمهور اللبناني وصل إلى قناعة أن «دولة بسلاحين» هما دولتان، لا واحدة! ولم يعد «التابو» قادراً على إقناع العقلاء، غير أزلامه المدججين بأفكار طوبائية مسبقة، أو أنه قادر أو راغب بأي حراك في إطار «المقاومة» المفترضة، كونها تتحول إلى مقاومة لآمال وطموحات القطاع الأكبر من الشعب اللبناني.
تلك الخطوة رغم أهميتها التاريخية لن تُتخذ خوفاً من فقدان الفعالية السياسية أو أمور أخرى، ولكنها إن اتُخذت قربت خلاص هذا البلد من قبضة الابتزاز. الافتراض أنه إن سارت الأمور كما هي، أي تغطية «القيادة من الخلف»، فإن طموحات الشعب اللبناني سوف تذروها الرياح. الاستراتيجية الأكثر نجاعة هو سحب «سلطة الشرعية» و«كشف سلطة القوة» إلى العالم، فسحب ذلك الغطاء هو الذي سوف يحقق للشعب اللبناني الخلاص، لأن الخطأ الفادح الذي تقع فيه أي قيادة شرعية أن تحارب في معركة يرغب أعداؤها أن تحارب فيها.
إنَّ أيَّ رئيس حكومة لا يستطيع أن يتحكم في حزب مسلح يرسل محازبيه إلى أصقاع الدنيا، وينفّر أي استثمار داخلي أو خارجي، ويشجب السياحة، ويعطل الصناعة، ويقدم له رئيس الوزراء في الوقت نفسه جوازات السفر! أزف الوقت لتغيير العلاقة الزبائنية في السياسة اللبنانية بعلاقات الدولة الحديثة الدستورية، التي تحتكر السلاح، وقتها فقط يمكن للاقتصاد اللبناني أن ينتعش، ووقتها يكون الاحتمال الأقرب أن يولد اللبناني على أرضه ويموت فيها، بدلاً من الموت في الاغتراب.
آخر الكلام...
يقول صديق لبناني «السلاح بيخوف والناس تريد الستر»! لم يعد «حزب الله» جزءاً من الحل، هو كل المشكلة!
نقلاً عن "الشرق الأوسط"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة