سلاح حزب الله.. عبء «الانتحار» لا رصيد «المقاومة»

بينما يتمسك حزب الله بسلاحه باعتباره «درع المقاومة»، تشهد بيروت انتفاضة متصاعدة ضد ما تعتبره سلاحًا يُقيد الدولة ويهدد مستقبلها.
ففي بلد منهك اقتصاديًا، ويكافح لاستعادة ثقة الخارج، بات السلاح خارج الشرعية عائقًا أمام بناء دولة ذات سيادة، وسط اتهامات للحزب بتوريط لبنان في عزلة إقليمية ودولية لا طائل منها.
فقبل أيام أكد الرئيس اللبناني جوزيف عون، أن السلطات اللبنانية، ملتزمة بـ«سحب سلاح جميع القوى المسلّحة، ومن ضمنها حزب الله»، قائلا: «واجبي وواجب الأطراف السياسية كافة (...) أن نقتنص الفرصة التاريخية، وندفع من دون تردّد، إلى التأكيد على حصرية السلاح بيد الجيش والقوى الأمنية، دون سواها، وعلى كافة الأراضي اللبنانية، اليوم قبل غد، كي نستعيد ثقة العالمِ بنا، وبقدرة الدولة على الحفاظ على أمنها بوجه الاعتداءات الإسرائيلية، التي لا تترك فرصة إلا تنتهك فيها سيادتنا».
واليوم، يعود وزير العدل اللبناني عادل نصار للتأكيد على الرسالة نفسها، قائلا في تغريدة عبر حسابه بمنصة «إكس»: اذا اختار حزب الله الانتحار برفض تسليم سلاحه، فلن يسمح له بأن يجر لبنان والشعب اللبناني معه!
ولم يوضح نصار طريقة بلاده لإجبار حزب الله على تسليم سلاحه.
لكنّ الحكومة اللبنانية تعقد الثلاثاء المقبل جلسة دعا إليها رئيس الوزراء نواف سلام، بهدف "استكمال البحث في تنفيذ البيان الوزاري في شقه المتعلق ببسط سيادة الدولة على جميع أراضيها بقواها الذاتية حصراً"، إضافة إلى "البحث في الترتيبات الخاصة بوقف" إطلاق النار.
لكن لماذا يرفض حزب الله تسليم سلاحه؟
يطالب حزب الله بأن تنسحب إسرائيل من جنوب لبنان وتوقف ضرباتها وتعيد عددا من الأسرى اللبنانيين لديها وبدء عملية إعادة الاعمار، قبل أن يصار إلى نقاش مصير سلاحه الذي يعده "شأنا داخليا"، في إطار استراتيجية دفاعية.
واعتبر الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم في خطاب قبل أيام، أن "كل من يطالب اليوم بتسليم السلاح، داخليا أو خارجيا أو عربيا أو دوليا، هو يخدم المشروع الإسرائيلي"، معتبرا أن لبنان وحزبه أمام "تهديد وجودي".
اتهامات نفاها عون، بقوله: "للمرة الألف أؤكد لكم أن حرصي على حصرية السلاح، نابع من حرصي على الدفاع عن سيادة لبنان وحدوده، وعلى تحرير الأراضي اللبنانية المحتلة، وبناء دولة تتسع لجميع أبنائها"، مضيفا "أنتم ركن أساسي فيها، عزكم من عزها، وحقوقكم من حقوقها، وأمنكم من أمنها".
فهل يهدد موقفه وقف النار؟
تتهم إسرائيل حزب الله بالعمل على إعادة ترميم بناه العسكرية، وتعد ذلك خرقا لوقف إطلاق النار الذي أنهى في 27 نوفمبر/تشرين الثاني حربا مفتوحة بين الطرفين استمرت لشهرين.
ونصّ الاتفاق على انسحاب الحزب من منطقة جنوب الليطاني (على مسافة حوالى 30 كيلومترا من الحدود) وتفكيك بناه العسكرية فيها، في مقابل تعزيز انتشار الجيش اللبناني وقوة الأمم المتحدة الموقتة في جنوب لبنان (يونيفيل).
كذلك، نصّ على انسحاب القوات الإسرائيلية من مناطق تقدمت إليها خلال الحرب، لكن إسرائيل أبقت على وجودها في خمسة مرتفعات استراتيجية، يطالبها لبنان بالانسحاب منها.
ورغم سريان وقف إطلاق النار، تشن إسرائيل ضربات شبه يومية في لبنان مستهدفة ما تقول إنه بنى تحتية ومقاتلين تابعين للحزب، الذي يمتنع عن الرد عليها.
آخر الضربات، تلك التي شنتها يوم الخميس، على ما قالت إنه بنى تحتية لإنتاج وتخزين وسائل قتالية تابعة لحزب الله في شرق البلاد وجنوبها، مما أدى إلى مقتل أربعة أشخاص.
وأعلن الجيش الإسرائيلي في وقت لاحق أن غاراته "استهدفت بنى تحتية لإنتاج وتخزين وسائل قتالية استراتيجية"، بينها "بنية لإنتاج المتفجرات المستخدمة في تطوير وسائل قتالية لحزب الله وموقع تحت الأرض لإنتاج صواريخ ولتخزين وسائل قتالية استراتيجية".
وأعلن وزير الدفاع يسرائيل كاتس أن الغارات استهدفت "أكبر موقع لإنتاج الصواريخ الدقيقة" للحزب في لبنان، بعدما كان تمّ استهدافه سابقا.
وبينما يمتنع حزب الله عن الرد على الضربات الإسرائيلية، أعرب الرئيس اللبناني عن مخاوفه من عودة الحرب مرة أخرى، موجها خطابا إلى الحزب ومناصريه، قائلا: "ندائي الى الذين واجهوا العدوان، والى بيئتهم الوطنية الكريمة، أن يكون رهانكم على الدولة اللبنانية وحدها، وإلا سقطت تضحياتكم هدرا، وسقطت معها الدولة أو ما تبقى منها".
وشدد عون على أن "المرحلة مصيرية، ولا تحتمل استفزازا من أي جهة كانت، أو مزايدة تضر ولا تنفع"، منبها من أن "الخطر أكان أمنيا أو اقتصاديا، لن يطال فئة دون أخرى".
وأوضح: "علينا اليوم أن نختار، إما الانهيار، وإما الاستقرار. وأنا اخترت العبور معكم، بوطننا لبنان نحو مستقبل أفضل لجميع أبنائه"، مضيفا: "معا نريد استعادة دولة تحمي الجميع، فلا تستقوي فئة بخارج، ولا بسلاح، ولا بمحور (..)، بل نستقوي جميعا بوحدتنا ووفاقنا وجيشنا وأجهزتنا الأمنية لمواجهة أي عدوان".
«تعنت» المواقف.. هل ترجئ إعادة الإعمار؟
وخلّفت الحرب بين حزب الله واسرائيل دمارا واسعا في أجزاء من لبنان، خصوصا في معاقل حزب الله في جنوب البلاد وشرقها وضاحية بيروت الجنوبية. وقدر البنك الدولي كلفة إعادة الاعمار والتعافي بنحو 11 مليار دولار.
وتشكل إعادة الإعمار أحد أبرز التحديات التي تواجه الحكومة اللبنانية. وتعوّل بيروت على دعم خارجي وخصوصا من دول الخليج للحصول على مساعدات لتمويل إعادة الإعمار والتعافي من الانهيار الاقتصادي. ويشترط المجتمع الدولي على لبنان نزع سلاح القوى غير الشرعية، بما فيها حزب الله، وهو الفصيل الوحيد الذي احتفظ بسلاحه منذ انتهاء الحرب الأهلية (1973-1990).