لماذا يتعثر نزع سلاح حزب الله؟
في اللحظة التي ينشغل فيها الشرق الأوسط بترميم ما تصدع بعد حرب غزة، تتقدم إلى الواجهة معركة أكثر تعقيداً: نزع سلاح حزب الله.
ورغم الهدوء النسبي الذي فرضه وقف إطلاق النار، فإن الخطوط بين لبنان وإسرائيل ما زالت تتوهج تحت الرماد، بينما تتقاطع الضغوط الدولية مع حسابات داخلية شديدة الهشاشة.
ظروف وصفت بـ«النادرة» يجد لبنان نفسه أمامها لاستعادة سيادته من قبضة السلاح غير الشرعي، وسط إصرار أمريكي، وتلويح إسرائيلي، وتململ داخلي من حزب باتت قوته العسكرية عبئاً على مستقبل الدولة.
فلماذا يتعثر نزع سلاح حزب الله؟
يقول موقع «ذا ناشيونال إنترست» الأمريكي، إن التطورات الأخيرة على الحدود اللبنانية-الإسرائيلية تشير أكثر فأكثر إلى احتمال اندلاع مواجهة كبيرة بين الطرفين.
فمنذ وقف إطلاق النار في نوفمبر/تشرين الثاني الذي أنهى الحرب بين الطرفين عام 2024، نفذت إسرائيل غارات جوية وعمليات اغتيال واستهداف مواقع لحزب الله، خصوصاً في جنوب لبنان.
وتبدو وتيرة التصعيد الإسرائيلي متسارعة، فيما يشبه استعداداً لعملية كبرى ضد الحزب. وتشير تحليلات عديدة إلى أنه إذا فشلت السلطات اللبنانية في نزع سلاح حزب الله، فستبدأ إسرائيل المواجهة.
يأتي التصعيد ضد حزب الله فيما يواصل الحزب جهوداً لعرقلة نزع سلاحه وتعطيل أي مبادرة دبلوماسية تتعلق بمحادثات سلام أوسع بين لبنان وإسرائيل.
وقد أشاد الرئيس دونالد ترامب في خطابه أمام الكنيست بوقف إطلاق النار الذي توسطت فيه الولايات المتحدة بين إسرائيل وحماس، وامتدح الرئيس اللبناني جوزيف عون على موقفه الداعم لنزع السلاح. وسرعان ما دعا عون إلى التفاوض مع إسرائيل، في إشارة إلى احتمال حدوث اختراق، بل وأبدى انفتاحاً على محادثات مباشرة، وهو تحول تاريخي في موقف لبنان.
وبعد أسبوع، كرر المبعوث الأمريكي الخاص توم باراك هذه الدعوة، وحث لبنان على الانخراط في محادثات سلام لمعالجة قضايا الحدود والأمن، محذراً من أن رفض حزب الله نزع سلاحه قد يجرّ إلى هجوم إسرائيلي كبير. وجدد باراك رسالته أخيراً، واصفاً لبنان بأنه «دولة فاشلة» في ظل الجمود الحاصل الذي يمنع نزع سلاح الحزب.
إلا أن حزب الله تحرك بسرعة لعرقلة هذه المبادرة، إدراكاً منه أن المفاوضات المباشرة ستهمش الحزب وتسرّع عملية نزع سلاحه، بحسب الموقع الأمريكي، الذي أشار إلى أنه منذ موافقة الحكومة اللبنانية في أغسطس/آب الماضي على خطة أمريكية لنزع سلاح حزب الله وتكليف الجيش اللبناني بإعداد خطة للتنفيذ بحلول نهاية 2025، توقفت الجهود التنفيذية.
فما أسباب التأخير؟
ورغم أن السبب الأساسي للتأخير هو «اعتراض حزب الله نفسه، فإن الجمود يعود أيضاً إلى ضعف الحركة السياسية، وبطء اتخاذ القرار، والأهم غياب جدول زمني واضح في خطة الجيش»، بحسب «ذا ناشيونال إنترست».
وبينما تفيد تقارير بأن الجيش اللبناني فكك معظم مواقع حزب الله العسكرية جنوب نهر الليطاني، فإن الحزب يرفض نزع سلاحه في كامل أنحاء لبنان.
يأتي ذلك، فيما لا يزال شكل المفاوضات المحتملة بين لبنان وإسرائيل موضع خلاف؛ فتاريخياً، كانت المفاوضات غير مباشرة ومحدودة النطاق وبوساطة أمريكية وأممية.
لكن، وفق تصريحات باراك، يبدو أن إدارة ترامب تفضل الآن محادثات مباشرة تقوّض نفوذ حزب الله وتسرّع نزع سلاحه.
والبديل هو إطار «المفاوضات غير المباشرة» المنصوص عليه في اتفاق وقف الأعمال العدائية لعام 2024، الذي أنهى 13 شهراً من الصراع بين إسرائيل وحزب الله.
وينص الاتفاق على التزام لبنان بنزع سلاح حزب الله والمليشيات الأخرى، مقابل وقف إسرائيل عملياتها الهجومية. وتتابع آلية ثلاثية برئاسة الولايات المتحدة وبدعم فرنسي ومن خلال «اليونيفيل» عملية التنفيذ.
ويحاول حزب الله، بدعم من بري، الحفاظ على هذا الإطار كونه يمنحه الوقت لإعادة تنظيم صفوفه والحفاظ على نفوذه السياسي بدعم من إيران.
وبينما يتهم إسرائيل بخرق وقف النار-وهو ما تنفيه تل أبيب- يطالب بوقف العمليات الإسرائيلية في لبنان، وانسحاب إسرائيل من الأراضي اللبنانية، وتقديم مساعدات لإعادة إعمار الجنوب، مقابل الاستمرار فقط في «مناقشة ما يسمى استراتيجية الدفاع الوطني» المتعلقة بنزع سلاحه.
وإذا كان الماضي مؤشراً، فإن الحزب يكرر ما فعله قبل نحو 19 عاماً بعد صدور القرار 1701، الذي أنهى حرب 2006، واستخدمه كغطاء لإعادة التسلح وتعزيز قدراته، بينما كان يوجه اتهامات لإسرائيل بخرق الاتفاق.
ولا يرفض حزب الله التخلي عن سلاحه فحسب، بل يشير أيضاً إلى أنه أعاد بناء قواته وترسانته، متحدياً بذلك شروط وقف إطلاق النار. وقد أعلن ذلك أمينه العام نعيم قاسم وأعاد تأكيده مسؤولون آخرون.
ورغم أن حجم إعادة التسلح قد يكون مبالغاً فيه -خصوصاً مع الرقابة الإسرائيلية المستمرة وتضرر خطوط إمداده بعد سقوط النظام السوري-، فقد أفاد تقرير لصحيفة «جيروزاليم بوست» بأن الحزب يعيد بناء قدراته ويجنّد مقاتلين بوتيرة أسرع من قدرة الجيش على تفكيك مواقعه، خصوصاً شمال الليطاني.
كما ذكرت «وول ستريت جورنال» أنه يعيد بناء قدراته في ثلاثة مجالات:
- الصواريخ
- الصواريخ المضادة للدروع
- المدفعية.
وبحسب «ذا ناشيونال إنترست»، فإنه يبدو أن قيادة الحزب تعيد صياغة عقيدتها العسكرية بعد الخسائر التي تكبدتها خلال الحرب مع إسرائيل؛ فالحزب يعاني من فراغ قيادي بعد مقتل معظم قادته الميدانيين أصحاب الخبرة، وتراجع ترسانته—خصوصاً الأسلحة الاستراتيجية—وتعطل إمدادات السلاح عبر سوريا، وضعف إيران بعد حربها مع إسرائيل، فضلاً عن الضائقة المالية.
إلا أنه رغم ذلك، يعيد ضبط استراتيجيته بعيداً عن «وحدة الجبهات» التي اعتمدها خلال حرب 2023-2024، ويركز الآن على ما يصفه بـ«الجهاد والدفاع عن الوطن ومقاومة الظلم العالمي»، كما ظهر في خطاب النائب علي عمار.
ولاحظ كثيرون غياب التهديدات بتدمير إسرائيل وتحرير القدس من خطابات قاسم، مقارنة بخطابات حسن نصر الله سابقاً.
ومع إدراك الحزب، بأن الحرب المعلوماتية لا تقل أهمية عن العسكرية، يواصل حملته الإعلامية، زاعماً أنه أعاد التسلح كاملًا، رغم أن دعاية الحزب اليوم أقل صخباً من السابق.
ووفق تقرير لو فيغارو، يعيد الحزب النظر في هيكليته، ويبني جيلاً جديداً من القادة الشباب المتمرسين في التكنولوجيا، ويقلص الاتصالات لحماية سرية العمليات، كما أعاد -بدعم إيراني- هيكلة قواته إلى خلايا صغيرة أكثر استقلالية.
وتشير تقارير إلى أن الحزب يتجه نحو ترسانة أصغر قائمة على الأسلحة الخفيفة والصواريخ المضادة للدروع، ويزيد اعتماده على الطائرات المسيّرة المتوسطة المدى المصنّعة محلياً. وبعد تدمير إسرائيل لمعظم مخزونه من الصواريخ الثقيلة، بات الحزب يعتبر الأسلحة الاستراتيجية عبئاً، ويركز على الدفاع لا الهجوم.
ومع عودة الحزب إلى عقيدته «الجهادية»، ظهرت مؤشرات على إمكانية اللجوء إلى هجمات انتحارية في أي مواجهة مقبلة. كما أعاد الحزب بناء شبكات أنفاقه في الجنوب، بحسب «ذا ناشيونال إنترست».
ورغم أن الحزب يعاني مالياً، بفضل ملاحقة واشنطن لنشاطاته المالية غير المشروعة، واستهداف إسرائيل لمؤسسة «القرض الحسن»، وضعف الدعم الإيراني، واعتراض السلطات اللبنانية عمليات تهريب الأموال، فإنه لا يزال يحصل على تمويل عبر إيران، ويركز إنفاقه على المجهود العسكري ورعاية الجرحى وأسر قتلاه.
فهل تتحرك إسرائيل منفردة؟
توالت الدعوات إلى مفاوضات مباشرة مع إسرائيل منذ تحذيرات باراك. وخلال زيارة للبنان، دعت المبعوثة الأمريكية مورغان أورتيغاس إلى مفاوضات مباشرة أوسع، وضغطت على الحكومة لنزع سلاح حزب الله بالكامل قبل نهاية العام.
وبحسب تقارير، اقترحت أورتيغاس توسيع نطاق الآلية الثلاثية بإشراك مدنيين وتعزيز التعاون الأمني بين لبنان وإسرائيل. وبعد زيارتها، قال عون في 3 نوفمبر/تشرين الثاني، إن لبنان «لا خيار أمامه إلا التفاوض مع إسرائيل».
لكن قبل اجتماع حكومي جديد لمراجعة تقرير الجيش، نشر حزب الله رسالة مفتوحة إلى القيادة اللبنانية يرفض فيها احتكار الدولة للسلاح، ويرفض أي محادثات مباشرة مع إسرائيل.
وبعد الرسالة، كثفت إسرائيل ضرباتها ضد الحزب وأمرت بإخلاء عدة قرى جنوبية. وفي اليوم التالي، شددت السفارة الأمريكية عبر منصة «إكس» على أنها لن تسمح للحزب بأن يبقى مصدر تهديد للبنان.
وتحاول الدولة اللبنانية استعادة سلطتها عبر نزع سلاح الحزب. ورغم المخاوف—خصوصاً معارضة الحزب وخطر اندلاع صراع أهلي في بلد ذي تركيبة طائفية معقدة—فإن اللحظة الإقليمية بعد وقف النار في غزة تمثل فرصة نادرة للبنان، بحسب الموقع الأمريكي، الذي قال إنه لا يزال أمام الدولة اللبنانية خيار التحرك وفق جدول زمني واضح، وإلا فإن إسرائيل ستتولى الأمر وفق شروطها.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMTU4IA== جزيرة ام اند امز