عام على مقتل نصرالله.. حزب الله من سردية «الردع» إلى خطاب «الاقتتال الأهلي»

خلال عام على مقتل الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله، انتقلت الجماعة اللبنانية من سردية الردع إلى خطاب التخويف بالاقتتال الأهلي.
وعلى مدى نحو عقد، كان نصرالله يتفاخر بقدرة جماعته على ردع الهجمات الإسرائيلية على لبنان، لكن خلال أيام معدودة بدا حزب الله مكشوفًا أمام اختراق إسرائيلي عميق، وتهاوت قياداته بالجملة، ودُمّرت مخازن أسلحته الاستراتيجية، حتى بات الاحتفاظ بما بقي منها معركة وجودية.
وبلا مواربة، هدد الأمين العام الجديد نعيم قاسم بالاقتتال الأهلي إذا ما مضت حكومة نواف سلام إلى نهاية الشوط في تطبيق قرارها بحصر السلاح بيد الدولة.
ورغم الضربات المتلاحقة التي تلقاها الحزب منذ مقتل رئيس أركانه فؤاد شكر في يوليو/تموز 2024 مرورًا بضربات "البيجر"، إلا أن الضربة القاصمة جاءت بمقتل أمينه العام حسن نصرالله في 27 سبتمبر/أيلول من العام المنصرم.
وترك مقتل نصرالله أنصار الحزب أمام حقيقة الهزيمة بلا رتوش، وقبل أن يستوعب جمهور الحزب الصدمة، كان خلفه المنتظر هاشم صفي الدين قد استُهدف أيضًا في غارة مماثلة على الضاحية الجنوبية.
ولم يترك مقتل نصرالله وخليفته فرصة أمام من بقي من قادة الحزب لإعادة ترميم سردية الردع، بل أجبرهم على قبول اتفاقية تهدئة سمحت لإسرائيل باحتلال مواقع في الجنوب، واستمرار الضربات الجوية النوعية لاستهداف النشاط الخجول للحزب في الجنوب.
الواقع الميداني
انعكست الضربات الإسرائيلية مباشرة على تماسك الحزب العسكري والسياسي، حيث أُنهكت قدراته القتالية، وتقلصت خطوط إمداده التقليدية من إيران بفعل التطورات في سوريا، في حين يواجه مصيره تحديًا داخليًا، مع تعهد الحكومة اللبنانية بنزع سلاحه ضمن شروط إعادة الإعمار الدولية.
وحتى داخل بيئته الحاضنة، تتصاعد الضغوط الاجتماعية والمعيشية، فيما يحاول الحزب إقناع جمهوره بأن حضوره لم يتصدع رغم فقدان أبرز قياداته.
وأقرّ المسؤول السياسي البارز في حزب الله محمد فنيش لوكالة أسوشيتد برس في الفترة التي سبقت ذكرى مقتل نصرالله: "كانت خسارته ضربة مؤلمة للغاية لحزب الله".
وقال مسؤول عسكري إسرائيلي، متحدثًا دون الكشف عن هويته تماشيًا مع اللوائح، في بيان: "تأثير حزب الله قد انخفض بشكل كبير"، مشيرًا إلى أن "احتمال شن هجوم واسع النطاق ضد إسرائيل يُعتبر منخفضًا"، بحسب الوكالة.
ضربة في العمق
بعد وقف إطلاق النار الذي توسّطت فيه الولايات المتحدة، أواخر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، سيطرت القوات الإسرائيلية على أراضٍ أكثر مما سيطرت عليه خلال الحرب، وواصلت إسرائيل شن غارات جوية شبه يومية تقول إنها تستهدف مقاتلي ومنشآت حزب الله.
ولفتت أسوشيتد برس إلى أن "حزب الله فقد طريقًا رئيسيًا للحصول على الإمدادات من مؤيده، إيران، عندما سقطت الحكومة المتحالفة مع بشار الأسد في سوريا في ديسمبر/كانون الأول الماضي"، وهو ما اعترف فنيش بأنه ضربة لـ"العمق الاستراتيجي" لحزب الله.
ويقول النائب اللبناني إلياس هانكاش، الذي دعا حزب الله إلى تسليم أسلحته والتحول إلى حزب سياسي فقط: "إن قيادة حزب الله منفصلة عن الواقع".
وأضاف: "لم يدافع حزب الله عن اللبنانيين، ولا عن نفسه، ولا عن أسلحته، ولا عن قيادته".
الخطة قيد التنفيذ
في 5 سبتمبر/أيلول الجاري، أعلنت الحكومة اللبنانية أن الجيش سيبدأ بتنفيذ خطة نزع سلاح حزب الله وفق إمكاناته "المحدودة"، مع الإبقاء على مضمونها "سريًا"، وذلك في ختام جلسة خُصصت لمناقشة هذه القضية الشائكة التي يرفضها حزب الله تمامًا.
وردًا على أسئلة الصحفيين في ختام جلسة مجلس الوزراء التي عرض فيها قائد الجيش خطة نزع السلاح، أكد وزير الإعلام بول مرقص أن "الجيش اللبناني سيباشر بتنفيذ الخطة، لكن وفق الإمكانات المتاحة التي هي إمكانات لوجستية ومادية وبشرية محدودة بالنهاية"، من دون أن يتطرق إلى مهل زمنية.
وكان يُفترض أن ينتهي الجيش من تنفيذ خطته بنهاية العام الجاري.
قاسم ومعركة الوجود
اليوم السبت، تحدث قاسم في احتفالية أقامها الحزب لإحياء الذكرى الأولى لمقتل نصرالله، وفي كلمته أعاد الأمين العام الجديد تأكيد أن حزبه لن يسمح بنزع السلاح، وقال: "سنواجه مواجهةً كربلائية، لأننا في معركة وجودية وبإمكاننا القيام بذلك".
وسبق لقاسم التلويح بـ"المواجهة الكربلائية"، وهو تعبير مخفف على ما يبدو للحرب الأهلية.
ولطالما روّج حزب الله أن سلاحه لن يُوجّه إلى الداخل اللبناني، لكن خصوم الحزب كانوا يتحسبون لدخول السلاح في معادلة السياسة الداخلية، كما هو واقع في المشهد الراهن.
وفي مسعى لخلط الأوراق داخليًا وإرباك المشهد السياسي، دعا قاسم في خطابه إلى ما قال إنها "نقاط في اتفاق الطائف يجب العمل على تنفيذها".
وطالب "بتطبيق المادة السابعة من البند الثاني في اتفاق الطائف مع انتخاب أول مجلس نواب على أساس وطني لا طائفي"، ووجّه مطلبًا "باستحداث مجلس للشيوخ تتمثل فيه جميع العائلات الروحية وتنحصر صلاحياته في القضايا المصيرية".
ويتحدث الأمين العام الجديد عن "تعافي" قدرات الحزب العسكرية، وهو تصريح يحمل اعترافًا بالأضرار أكثر مما يوحي بترميم الصفوف.
ظهير إيراني
لم يُخف حزب الله خلال السنوات الماضية علاقته بإيران، بل لطالما بدا أنه جدارها المنيع أمام أي تهديد إسرائيلي، لكن اليوم تبدلت الصورة، إذ عاد أمين المجلس الأعلى للأمن القومي في إيران علي لاريجاني إلى بيروت في ثاني زيارة له منذ توليه منصبه، لإظهار الدعم للحزب المتداعي.
وحول ما إذا كانت إيران تمدّ حزب الله بالسلاح، قال لاريجاني إن "حزب الله ليس بحاجة إلى أن يُزوّد بالسلاح من مكان آخر، وحزب الله قوي لدرجة أنه لا يحتاج إلى سلاح من مكان آخر". لكن حتى قادة الحزب لم يملكوا جرأة الذهاب إلى هذا المدى.
وكان لاريجاني قد التقى رئيس الحكومة اللبنانية نواف سلام، الذي أكد بدوره أنّ استقامة العلاقات اللبنانية-الإيرانية ينبغي أن تقوم على أسس الاحترام المتبادل لسيادة كل من الطرفين وعدم التدخل في الشؤون الداخلية.
عون وخطاب السيادة
في ذكرى مقتل نصرالله، دعا الرئيس اللبناني العماد جوزيف عون إلى أن تكون المناسبة للتأكيد على أن "حماية التضحيات التي يقدمها أبناء هذا الوطن، على اختلاف انتماءاتهم، والوفاء لها، لا تكون إلا بوحدة الموقف، والتفاف الجميع حول مشروع الدولة الواحدة، القوية، العادلة".
وطالب عون بـ"الابتعاد عن الانقسام، والتأكيد أن لا حماية حقيقية إلا تحت سقف الدولة اللبنانية، التي وحدها تمتلك الشرعية، ووحدها تضمن الأمان لجميع اللبنانيين، من دون تمييز أو تفرقة".
وأعرب الرئيس عون عن أمله في "أن تكون هذه الذكرى الأليمة محطة للتلاقي، ولترسيخ الإيمان بأن لا خلاص للبنان إلا بدولة واحدة، وجيش واحد، ومؤسسات دستورية تحمي السيادة وتصون الكرامة".
ويحيي الحزب ذكرى مقتل نصرالله وصفي الدين بسلسلة نشاطات بدأها ليل الخميس بإنارة صخرة الروشة، التي تعد من معالم العاصمة اللبنانية، بصورة الأمينين العامين السابقين، رغم معارضة الحكومة للخطوة وعدم منح الحزب ترخيصا.
وأثارت الفعالية جدلا في البلد المنقسم سياسيا، ووضعت رئيس الوزراء نواف سلام في مرمى نيران الحزب ومناصريه.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuNDYg جزيرة ام اند امز