"اتفاق مار مخايل" بين حزب الله وعون يعجز عن تجاوز "الحدود"
التصدعات بدأت تنال من اتفاق حزب الله والتيار الوطني الحر وأنصار عون لم يعد بمقدورهم تحمل عبء تبرير سلاح المليشيا الموالية لإيران
تبدو التصريحات الصادرة عن قيادة حزب الله وتيار الرئيس اللبناني ميشال عون كقمة جبل الثلج تخفي أكثر مما تظهر. فالتصدعات في التحالف الذي امتد لـ16 عاما باتت أكثر عمقا من مساعي ترميمها.
وتمثل الصدع الأخير في المشاحنات على مستوى الصف الثاني في التيار الوطني الحر وحزب الله على خلفية تشكيل وفد للتفاوض حول ترسيم الحدود مع إسرائيل.
واختار عون شخصية دبلوماسية ضمن الوفد، وهو الأمر الذي يرفضه حزب الله تحت زعم منح المفاوضات طابعا سياسيا.
وتجاهل عون تحفظات الحزب ما دفعه لإصدار بيان يوضح فيه موقفه من الوفد وتشكيله.
وتمثل المفاوضات بين لبنان وإسرائيل مأزقا للحزب الذي يتخذ من صراعه مع إسرائيل مبررا للاحتفاظ بسلاحه خارج إطار الدولة.
وتأسست الشراكة بين التيار المسيحي والحزب الشيعي في أعقاب جولة عسكرية بين لبنان وإسرائيل في 2006 فيما عرف بـ"اتفاق مارمخايل" على خلفية دعم عون للحزب حينها.
وقادت الشراكة السياسية بين المليشيا الموالية لإيران والتيار الحر إلى توافق حول دعم وصول عون لرئاسة الجمهورية مقابل توفير غطاء مسيحي لسلاح الحزب.
ويحمي سلاح الحزب مواقفه السياسية على الساحة الداخلية ويفاقم عدم التوازن في المشهد اللبناني الهش القائم على التوازنات الطائفية.
مأزق المفاوضات
ويدرك حزب الله أهمية مفاوضات ترسيم الحدود التي انطلقت مؤخرا برعاية أمريكية وبضوء أخضر إيراني، بحسب طيف واسع من المراقبين.
وإذا ما توصل لبنان وإسرائيل لتفاهم سيكون باستطاعة البلد الذي يعاني من أسوأ أزمة اقتصادية منذ نهاية الحرب الأهلية قبل عقود من الاستفادة بحقول طاقة واعدة في شرق المتوسط، لكن في الوقت نفسه تعري خطاب حزب الله بشأن أسباب احتفاظه بسلاحه خارج نطاق الدولة.
ويخشى الحزب من إضفاء صفة سياسية على المفاوضات الجارية، وهاجمت قواعد الحزب كما تحفظت قيادته على اختيار هادي الهاشم، أحد موظفي وزارة الخارجية السابقين وممثل عن الرئاسة ضمن وفد التفاوض.
والهاشم محسوب على التيار الوطني الحر ومقرب من جبران باسيل الرئيس الحالي للتيار وصهر الرئيس عون.
وتعرضت الرئاسة لضغوط وانتقادات من حزب الله الذي طالب بالتراجع عن تكليف الهاشم، وقبل ساعات من انطلاق المفاوضات رسميا
وأصدر الثنائي الشيعي "حزب الله وحركة أمل"، بيانا صوّبا فيه على رئاسة الجمهورية، منتقدين الطريقة التي شكّلت بها الوفد ومطالبين بإجراء التعديلات عليها، وهو الأمر الذي لم يلق تجاوبا من الرئيس عون لكنه انعكس مزيد من التوتر بين الطرفين.
أزمة حكومة أديب
وكانت محطة الدبلوماسي اللبناني مصطفى أديب الذي كلف رسميا بتشكيل الحكومة قبل تراجعه واعتذاره عن عدم إتمام مهمته أبرز محطات الخلاف بين عون وحزب الله.
وفي أعقاب انفجار هائل في مرفأ بيروت أوائل أغسطس/آب الماضي تقدمت حكومة حسان دياب رئيس وزراء حكومة تصريف الأعمال باستقالته، وقادت فرنسا جهود تشكيل حكومة إنقاذ جديدة لتفادي انهيار اقتصادي وشيك.
لكن محاولات أديب تعثرت بسبب تمسك الثنائي الشيعي بحصصهما الطائفية في الحكومة وإصرار حركة أمل المدعومة من حزب الله على تسمية وزير المالية.
وعمد الرئيس اللبناني من التنصل من سلوك حليفه خلال مفاوضات تشكيل الحكومة وشن هجوم علني نادر على حزب الله وحمله إلى جانب أمل مسؤولية إفشال المبادرة الفرنسية.
وكانت عبارة الرئيس عون "ذاهبون إلى جهنم" في رده على سؤال عن نتائج إفشال المبادرة الفرنسية خير دليل على استيائه من حلفائه وتمسك حزب الله وحركة أمل بوزارة المال.
وقال حينها "الدستور لا ينص على تخصيص أي وزارة لأي طائفة من الطوائف أو لأي فريق من الأفرقاء كما لا يمكن منح أي وزير سلطة لا ينص عليها الدستور".
وانتقد باسيل بدوره هذا المطلب متحدثا عن محاولة البعض تغيير الدستور وفرض أعراف، قائلا في مهرجان حزبي "كلّ مرّة نريد تأليف حكومة هناك مشكلة، بسبب إضاعة الوقت وتعطيل التأليف.. ومؤخراً بدأنا بموضة جديدة هي اقتناص فرصة التأليف للانقضاض على الدستور باختراع صلاحيّات وأعراف جديدة".
وفي حين يحاول مسؤولو الصف الأول في الطرفين التقليل من أهمية ما يحصل والتأكيد عند سؤالهم في وسائل الإعلام على أن الاتفاق بينهما لا يزال مستمرا، تظهر الخلافات بشكل واضح على وسائل التواصل الاجتماعي بين جمهور الطرفين وعلى ألسنة بعض القيادات.
وظهر إلى العلن بشكل غير مسبوق انتقاد مناصري التيار لسلاح حزب الله، معتبرين أن "الوطني الحر" يدفع فاتورة باهظة مقابل دعمه هذا السلاح الذي بات عبئا عليهم.
ويبدو أن السؤال لم يعد يدور حول قدرة الحزب والتيار على تجاوز الخلافات وإنما عن موعد إعلان نهاية "اتفاق مارمخايل".