قاعدة لحزب الله اللبناني بقلب الكاريبي.. ماذا يجري في مارغريتا؟
فيما تُسوَّق جزيرة مارغريتا كواحة سياحية كاريبية قبالة سواحل فنزويلا، تحذّر مصادر أمريكية من أن الواقع على الأرض مختلف تمامًا.
فبحسب مسؤولين وخبراء في شؤون الإرهاب، تحوّلت الجزيرة خلال السنوات الماضية إلى أهم قاعدة عمليات لحزب الله في نصف الكرة الغربي، مستفيدة من حماية نظام نيكولاس مادورو، ومن التغلغل الإيراني المتزايد في البلاد، في وقت يتراجع فيه الحضور السياحي التقليدي لصالح شبكات مسلحة وإجرامية عابرة للحدود، بحسب تقرير لشبكة "فوكس نيوز".
هذا التحوّل، وفق التقديرات الأمريكية، لا يمثّل تهديدًا محليًا فحسب، بل يعكس تحديًا أمنيًا أوسع يتصاعد في المنطقة. فقد أكد وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو أن أخطر تهديد يواجه الولايات المتحدة من نصف الكرة الغربي يتمثل في الجماعات الإرهابية الإجرامية العابرة للحدود، التي يتقاطع نشاطها بين الإرهاب والاتجار بالمخدرات والجريمة المنظمة، مشيرًا إلى أن هذه الشبكات باتت أكثر جرأة وتنظيمًا.
وتكمن أهمية جزيرة مارغريتا، بحسب ميليسا فورد مالدونادو، مديرة مبادرة نصف الكرة الغربي في "معهد أمريكا أولًا للسياسات"، في موقعها الجغرافي الحساس ودورها ضمن معادلات الأمن الإقليمي. فالجزيرة تقع قرب ترينيداد وتوباغو وغرينادا، في منطقة غنية بالنفط من البحر الكاريبي وعلى مقربة من مسارات بحرية استراتيجية.

كما اكتسبت منذ سنوات سمعة كونها مركزًا رئيسيًا لتهريب المخدرات، مستفيدة من بعدها عن البر الرئيسي وضعف الرقابة الأمنية، ما جعلها بيئة جاذبة للجماعات المسلحة غير النظامية، وأجهزة استخبارات أجنبية، وشبكات تهريب تستخدمها كنقطة انطلاق لشحنات غير مشروعة تغادر فنزويلا.
ويرى مارشال بيلينغسلي، مساعد وزير الخزانة الأمريكي السابق لشؤون تمويل الإرهاب والجرائم المالية، أن جزيرة مارغريتا تمثل اليوم "مركز الثقل" لأنشطة حزب الله في نصف الكرة الغربي.
وبحسب شهادته، ينخرط الحزب، ومعه بدرجة أقل حركة حماس، في طيف واسع من الأنشطة على الجزيرة، تشمل التمويل والتدريب والتهريب، ما يجعلها حجر الزاوية في شبكاته الإقليمية.
ويعود بيلينغسلي بجذور هذا التحوّل إلى أكثر من عقدين، حين فتحت فنزويلا في عهد الرئيس الراحل هوغو تشافيز أبوابها أمام حزب الله، ما أتاح له ترسيخ وجود واسع شمل إنشاء مواقع تدريب شبه عسكرية في جزيرة مارغريتا.
ومع وصول نيكولاس مادورو إلى السلطة، اتسع هذا الوجود بشكل ملحوظ من حيث الحجم والعمق، وتعزّزت روابط الحزب مع ما تصفه واشنطن بـ"النظام الناركوتيروري (نظام حكم يجمع بين شبكات تجارة المخدرات والعنف المنظم)" في فنزويلا، ولا سيما شبكة «كارتيل الشمس» المتهمة بضم كبار مسؤولين حكوميين متورطين في تجارة المخدرات.
وبحسب بيلينغسلي، اندمج حزب الله بعمق في اقتصاد الجزيرة، مستغلًا وضعها كمنطقة معفاة من الرسوم الجمركية وسهولة العبور إلى كولومبيا، لتوليد إيرادات عبر التهريب واستيراد المخدرات.
كما يدير الحزب مجموعة واسعة من الشركات المحلية، إلى جانب تشغيل عدة معسكرات تدريب، ما يمنحه غطاءً اقتصاديًا ولوجستيًا يصعب تفكيكه.
وتكشف الشهادات الأمريكية أيضًا عن دور مباشر لأجهزة الدولة الفنزويلية في تسهيل هذا التغلغل. فقد أُشير إلى أن طارق العيسمي، أحد أبرز المسؤولين الفنزويليين السابقين، لعب دورًا محوريًا خلال إشرافه على هيئة الجوازات والتجنيس في منح جوازات سفر ووثائق جنسية لعناصر من حزب الله، إضافة إلى آلاف الأشخاص القادمين من لبنان وسوريا وإيران.
وتشير الأرقام إلى إصدار أكثر من 10400 جواز سفر لأشخاص من تلك الدول بين عامي 2010 و2019.

وفي سياق متصل، اتهمت وزارة العدل الأمريكية في عام 2020 الوزير الفنزويلي ديوسدادو كابيو بتكليف النائب عادل الزبيار بالسفر إلى الشرق الأوسط للحصول على أسلحة وتجنيد عناصر من حزب الله وحماس للتدريب في معسكرات سرية داخل فنزويلا، مع الإشارة إلى عمليات تسليم أسلحة جرت في مرافق خاضعة لسيطرة النظام في المطار الدولي الرئيسي للبلاد.
ومع تطورات المشهد في الشرق الأوسط، ازدادت أهمية جزيرة مارغريتا بالنسبة لحزب الله. فالحملة الإسرائيلية ضد الحزب في لبنان ألحقت أضرارًا كبيرة بقيادته وبنيته المالية، ما دفعه، وفق بيلينغسلي، إلى الاعتماد بشكل أكبر على شبكاته الخارجية، ولا سيما في أميركا اللاتينية.
ويشير إلى مؤشرات على نقل مئات المقاتلين من لبنان إلى فنزويلا، ما يعني عمليًا تقريب التهديد من الولايات المتحدة وإبعاده جغرافيًا عن إسرائيل.
ويتواكب ذلك مع تعمّق الدور الإيراني في فنزويلا، حيث يتحدث بيلينغسلي عن وجود إيراني كبير مرتبط بتجارة الأسلحة والطائرات المسيّرة مقابل الذهب، في ظل اعتماد متزايد لطهران على هذا المسار بعد خسائرها في الشرق الأوسط.
أمام هذا الواقع، يرى بيلينغسلي أن واشنطن تمتلك قوات كافية في منطقة الكاريبي للتعامل مع التهديد، لكنها تحتاج إلى معلومات استخباراتية عالية الدقة، خاصة في ظل اندماج هذه الجماعات في النسيج المحلي.
ويعتقد أن المعارضة الفنزويلية تملك قدرًا مهمًا من هذه المعلومات، لكن يبقى التساؤل قائمًا حول مدى استفادة الولايات المتحدة منها.