ارتفاع التضخم.. هل هو دائما شر مطلق للاقتصاد؟
هناك عدة قراءات للتضخم بناء على الوضعين الاقتصادي والمالي للدولة التي تسجل نسب تضخم مرتفعة.. لكن هل التضخم شر مطلق؟
في وقت كان هدف دول العالم ومؤسسات المالية والاقتصادية، زيادة نسب التضخم في عام 2020، فقد تحول اليوم إلى كابوس يرهق الاقتصادات المتقدمة والنامية معا، وفق ما تظهره بيانات البنوك المركزية.
في 2020، سجلت غالبية الاقتصادات حول العالم تراجعات حادة في نسب التضخم وصلت إلى صفر بالمئة، بل إن اقتصادات عديدة سجلت انكماشا في نسب التضخم بسبب تراجع الطلب العالمي على الاستهلاك، بسبب مخاوف الفيروس.
- "باول" يكسر الدولار أمام منافسيه.. التحفيز مستمر رغم التضخم
- التضخم.. جرس إنذار يدوي في جميع الولايات الأمريكية
وشهد الاقتصاد العالمي ارتفاعا في التضخم خلال 2021، هو الأسرع منذ 2008، مع إنفاق تريليونات الدولارات على شكل حزم تحفيز من الحكومات والبنوك المركزية، في مواجهة تداعيات جائحة كورونا.
ولكن! هل التضخم الصاعد هو أمر سلبي دائما، وهل التضخم السالب يعتبر أمرا إيجابيا للاقتصادات حول العالم؟
هناك عدة قراءات للتضخم بناء على الوضعين الاقتصادي والمالي للدولة التي تسجل نسب تضخم مرتفعة؛ على سبيل المثال، بلغت نسبة التضخم في الولايات المتحدة في يونيو/حزيران الماضي 5.4% أعلى مستوى منذ 2008.
يعود ارتفاع التضخم في السوق الأمريكية على وجه الخصوص إلى حزم التحفيز والشيكات النقدية التي وزعتها الإدارة الأمريكية على كل المواطنين دون استثناء بقيمة 1400 دولار لكل فرد.
في الحالة الأمريكية، ارتفاع الطلب المحلي على الاستهلاك أدى لارتفاع أسعار السلع المباعة في الأسواق، إلى جانب ارتفاع عالمي في الاستهلاك بسبب حزم التحفيز الدولية في 2020 بسبب جائحة كورونا.
لكن التضخم المعتدل في حدود 2-3% هو أمر إيجابي للدول، لأنه مؤشر على وجود استهلاك جيد، أي تتوفر سيولة نقدية لدى المستهلكين، وبعبارة أخرى لديهم مصادر دخل تمكنهم من الحصول على المال لإنفاقه.
لكن التضخم المرتفع في الأوضاع الطبيعية، هو مؤشر على وجود ارتفاع في أسعار السلع المحلية، ليس بسبب زيادة الطلب، بل نتيجة ارتفاع مدخلات الإنتاج، والتكاليف الأخرى التي تسبق عرضها على المستهلك النهائي.
في تركيا على سبيل المثال، بلغت نسبة التضخم فوق 18%، نتيجة ارتفاع تكاليف الإنتاج وارتفاع تكاليف الأيدي العاملة، وهبوط في قيمة العملة المحلية؛ فيلجأ المنتجون إلى تحويل فروقات الأسعار والزيادات على المستهلك النهائي.
ويضع ارتفاع نسب التضخم، صانعي السياسة النقدية والاقتصادية والمالية حول العالم، أمام اختبار صعب، يظهر بوضوح في أدوات سياستهم النقدية لإدارة أسعار المستهلك ومنع تجاوزها النسبة المستهدفة.
وتعتبر أسعار الفائدة إحدى أدوات السياسة النقدية داخل الولايات المتحدة وحول العالم، لإدارة التضخم، حيث تتجه البنوك المركزية إلى زيادتها لكبح جماح التضخم من خلال زيادة كلفة الاقتراض.
بينما تتجه البنوك إلى خفض أسعار الفائدة، رغبة منها في تحفيز الاقتراض وضخ السيولة في الأسواق بدلا من إبقائها داخل البنوك على شكل ودائع مصرفية، وهذا يقود منطقيا إلى زيادة التضخم.
أما التضخم المنكمش، فهو مؤشر سلبي للاقتصادات العالمية، ويعني أن هناك ضعف في الاستهلاك من جانب السكان، إما بسبب ضعف السيولة النقدية، أو مخاوف جيوسياسية أو اقتصادية أو صحية، تدفعهم إلى الادخار.
ويعني ذلك، أن أسواق التجزئة تضطر إلى خفض أسعار السلع المعروضة للبيع، لكنها لا تجد مشترين، ثم تخفض أسعارها مرة أخرى بهدف التسويق، لكن ذلك لا ينجح في التوجه إلى الاستهلاك.