الملوحة والنظم البيئية البحرية.. العالم أمام تهديد وجودي
حذر الباحثون من أنه من المتوقع أن تتكثف تغيرات الملوحة جنبًا إلى جنب مع ارتفاع درجة حرارة المحيطات.
وشددوا على الحاجة المُلحة للتصدي الفوري لتحديات الملوحة لحماية النظم البيئية البحرية والساحلية والتنوع البيولوجي.
ملوحة المحيط
تشير ملوحة المحيط إلى تركيز الأملاح الذائبة في مياه البحر، والتي تتكون أساسًا من أيونات الصوديوم والكلوريد.
تعتبر الملوحة حيوية للحياة البحرية لأنها تؤثر على الخصائص الفيزيائية والبيولوجية للمحيطات. ومع ذلك، لا يتعلق الأمر فقط بالكائنات الحية التي تعيش في البحار؛ حيث تؤثر الملوحة أيضًا على المناخ العالمي ولها آثار واسعة النطاق على حياة الإنسان.
الأهمية البيولوجية لملوحة المحيط
تُعُّد ملوحة المحيط أمرًا بالغ الأهمية للكائنات البحرية؛ حيث تكيفت الأنواع المختلفة لتعيش في مستويات ملوحة مختلفة. على سبيل المثال، لا تستطيع معظم الأنواع البحرية البقاء على قيد الحياة في المياه العذبة والعكس صحيح بسبب الاختلافات في تركيزات الملح.
تؤثر الملوحة على عملية التمثيل الغذائي والنمو والتكاثر وتوزيع الأنواع البحرية. فنجد أنه يمكن أن تؤثر الملوحة على مكان وجود الكائنات الحية، ويمكن أن تؤدي التغييرات الجذرية إلى موت جماعي أو تحولات في توزيع الأنواع من الكائنات الحية، مثل أشجار المانغروف. وأيضًا أنواع مصبات الأنهار، لديها تكيفات متخصصة للتعامل مع التغيرات في الملوحة.
الخصائص الفيزيائية والمناخ العالمي
تلعب ملوحة المحيط دورًا مهمًا في المناخ العالمي، فكثافة المحيط تتأثر بدرجة حرارته وملوحته؛ حيث إن الماء البارد المالح أكثر كثافة ويميل إلى الغرق، بينما المياه الأكثر دفئًا والأقل ملوحة تميل إلى الارتفاع. يخلق هذا الاختلاف نظامًا عالميًا لدوران المحيطات، يُعرف باسم 'الحزام الناقل العالمي'، يوزع الحرارة حول العالم ويؤثر على أنماط المناخ.
علاوة على ذلك، تلعب الملوحة دورًا حاسمًا في قدرة المحيطات على تخزين الكربون، مما يؤثر على تغير المناخ.
يعمل المحيط كبالوعة للكربون؛ حيث يمتص كمية كبيرة من ثاني أكسيد الكربون الذي يطلقه البشر في الغلاف الجوي، ومن ثمَّ تتأثر قدرة الامتصاص هذه بدرجة حرارة المحيطات وملوحتها.
كيف تتأثر الملوحة بتغير المناخ
خلصت دراسة جديدة من جامعة شمال فلوريدا، إلى أن زيادة الملوحة في المحيطات والمناطق الساحلية -نتيجة لتغير المناخ وسوء استخدام الأراضي- لها آثار مدمرة محتملة على النظم البيئية الساحلية، وتحدد الدراسة العواقب على صحة واقتصاد المجتمعات المحلية في المناطق المكتظة بالسكان في كثير من الأحيان.
هذا، ونظر فريق البحث في الكيفية التي يمكن أن تؤدي بها التغيرات المرتبطة بتغير المناخ في هطول الأمطار وكذلك التأثيرات المحلية من صنع الإنسان إلى حدوث فيضانات شديدة وأحداث جفاف، مما يؤثر على توافر المياه العذبة ويؤثر على الملوحة في النظم البيئية.
تجدُر الإشارة إلى أنه مع ارتفاع مستوى سطح البحر، يُمكن أن تتسبب تدفقات المياه المالحة في المناطق الساحلية والمنخفضة أيضًا إلى زعزعة هياكل ووظائف النظام الإيكولوجي، وحدوث آثار مدمرة، لا سيما على مجموعات معينة مثل الكائنات الحية الدقيقة، والعوالق، والشعاب المرجانية، وأشجار المانغروف، والطحالب الكبيرة والأعشاب البحرية التي تُعُّد الأكثر عرضة للمخاطر.
ومن جانبه أشار "كليف روس"، أحد الباحثين في الدراسة، إلى أن 'هذه الموائل عرضة للتغيير'. لذلك؛ مع تغير مستويات الملوحة، سيكون هناك تأثيرات سلبية على النظام البيئي وقد يتسبب في الضرر لموائل معينة مثل طبقات الأعشاب البحرية أو أي نوع آخر من الكائنات البحرية.
ووفقًا لتقرير حالة النهر لعام 2019، زادت مستويات الملوحة في نهر سانت جونز -أطول نهر في الولايات المتحدة الأمريكية بولاية فلوريدا -وروافده بسبب ارتفاع مستوى سطح البحر وجرف الأنهار، مما تسبب في مخاوف مستمرة حتى اليوم.
في هذا الصدّد، أفادت "ليزا رينامان"، بإن المزيد والمزيد من المياه المالحة تزداد في اتجاه المنبع، مما يؤدي إلى مزيد من التهديدات الداخلية، كما أضافت، بأن العالم يشهد زيادة في المياه المالحة على طول الطريق جنوب جسر بوكمان، وزيادة في عدد قناديل البحر في مناطق لم نرها من قبل.
هذا، وقد أشارت إلى أن الظواهر الجوية المتطرفة، مثل الجفاف والاستخدام المفرط للمياه، تضر بمستويات ملوحة نهر سانت جونز أكثر من غيرها. فمع زيادة الملوحة، فإن التأثير الأكثر إثارة للقلق بالنسبة للنهر هو فقدان أعشاب المياه العذبة، والتي لها وظائف مختلفة؛ حيث وصفت الحشائش المغمورة في النهر بأنها كليتي سانت جونز وهي أيضًا موطن هام للأسماك. لذا، عند فقد هذه الحشائش، ستزداد مشكلات التلوث وتتفشى الطحالب الخضراء التي توصف بأنها شديدة السُمية ومن ثمَّ ستنخفض موائل الأسماك.
تداعيات تغير المناخ على ملوحة المحيطات
يعمل تغير المناخ على تغيير درجة ملوحة محيطات العالم بعدة طرق:
- التغيرات في هطول الأمطار والتبخر: يمكن أن تؤدي التغييرات في أنماط الطقس العالمية إلى زيادة هطول الأمطار في بعض المناطق وزيادة التبخر في مناطق أخرى. وبالتالي قد يؤدي المزيد من هطول الأمطار إلى تخفيف تركيز الملح في مياه البحر، مما يقلل الملوحة. وعلى العكس من ذلك، فإن معدلات التبخر الأعلى تزيد من الملوحة حيث يترك بخار الماء وراءه أملاحه الذائبة.
- ذوبان الأنهار الجليدية وصفائح الجليد: يتسبب تغير المناخ في الذوبان السريع للقمم الجليدية والأنهار الجليدية. هذا التدفق للمياه العذبة إلى المحيط يخفف من تركيز الملح، ويقلل الملوحة الكلية في مناطق معينة، لا سيما بالقرب من القطبين.
- ارتفاع مستوى سطح البحر: يمكن أن يؤدي ارتفاع مستويات سطح البحر، الناجم عن ذوبان الجليد والتوسع الحراري لمياه المحيطات الدافئة، إلى تغيير الملوحة عن طريق التسبب في تسرب المزيد من المياه المالحة إلى أنظمة المياه العذبة مثل مصبات الأنهار وخزانات المياه الجوفية.
- التغييرات في دوران المحيطات: يمكن أن تؤثر التغيرات في الملوحة على التيارات المحيطية لأنها مدفوعة جزئيًا بالاختلافات في كثافة المياه، والتي تحددها الملوحة ودرجة الحرارة. ومن ثمَّ يُمكن أن يؤثر تغيير هذه التيارات على أنماط المناخ العالمي وتعطيل النظم الإيكولوجية البحرية.
وأخيرًا، زيادة الملوحة يمكن أن تكون ضارة للحياة البحرية، خاصة الأنواع غير القابلة للتكيف مع تغيرات الملوحة. علاوة على ذلك، يمكن للتغيرات في دوران المحيطات أن تعطل قدرة المحيطات على تخزين الكربون، مما يؤدي إلى تفاقم تغير المناخ.
وبالتالي فهذه الدراسة بمثابة دعوة للاستيقاظ؛ حيث تُلقي الضوء على التهديدات التي يشكلها تغير الملوحة بفعل الإنسان على النظم البيئية البحرية والساحلية. كما أنه يرسم العواقب المحتملة على صحة واقتصاد المجتمعات المحلية في هذه المناطق المكتظة بالسكان في كثير من الأحيان، مما يؤكد الترابط بين مصير البشرية وصحة المحيطات والسواحل.
الخطوات المُتبعة لحل مشكلات الملوحة
يقترح كل من روس ورينامان خطوات يمكن اتخاذها؛ للمساعدة في تعويض ارتفاع مستويات الملوحة في النهر، ومن جانبه أفاد "روس" أنه من الصعب تغيير المسار. وأكد ضرورة السعي نحو تقليل انبعاثات الكربون، لتفادي أي تغييرات تحدث للنظم البيئية والمناطق الساحلية.
كما يقترح رينامان، تقليل البصمة الكربونية، وتقليل استخدام المياه والدعوة إلى سياسات تحمي الأراضي الرطبة؛ حيث يرى أن أحد أهم الأشياء التي يمكن الدفاع بها لتعويض تسرب المياه المالحة، هو الدعوة لإعادة توحيد الينابيع الفضية ونهر أوكلاواها ونهر سانت جونز، والتي ستعيد 150 مليون جالون من تدفق المياه العذبة إلى النهر كل يوم.
aXA6IDMuMTQ3LjEwNC4xOCA= جزيرة ام اند امز