المحيطات أكثر سخونة.. هل أصبحت قنابل موقوتة؟
قال تقرير لصحيفة الغارديان البريطانية إن درجة حرارة سطح محيطات العالم ارتفعت بحلول نهاية مارس/أذار إلي أعلى مستوى لها في 40 عاما.
وقال العلماء إن معدلات الحرارة زادت بشكل مطرد بل أن الحرارة لم تتراجع لأكثر من شهر مما وضع الأرض في منطقة مجهولة.
ونقلت مجلة "نيتشر" أن المحيط العالمي شهد حرارة قياسية بلغت 21.1 درجة مئوية في أوائل أبريل/نيسان الماضي، بزيادة 0.1 عن الدرجة القياسية التي سجلت في مارس/آذار 2016.
وترتفع درجة الحرارة على سطح المحيط مثلما يحدث على الأرض بسبب الاحتباس الحراري إلا أنها يمكن أن تقفز من عام إلى آخر مع اختلاف المواسم ثم تختفي.
ولكن في عمق 2 كم تحت السطح، لا يمكن رؤية هذا التباين في أي مكان تقريبًا. حيث إن ارتفاع درجة الحرارة هناك في ارتفاع مستمر منذ عقود، وذلك بسبب استخراج الوقود الأحفوري.
امتصاص الحرارة
ويقول الدكتور بول دوراك، عالم أبحاث متخصص في قياسات المحيطات في مختبر لورانس ليفرمور التابع لوزارة الطاقة الأمريكية إن قدرة المحيط على الاحتفاظ بالحرارة هائلة لأنه يلتقط أكثر من 90٪ من اختلال التوازن في الطاقة الذي يحدث بسبب تغير المناخ بفعل الإنسان.
ويوضح أن المحيط أقل انعكاسًا بكثير من الأرض ويمتص المزيد من الطاقة المباشرة من ضوء الشمس.
ورغم أن الغازات الدفيئة تحبس المزيد من الطاقة التي تنعكس مرة أخرى، مما يسمح بقدر أقل من الهروب إلى الفضاء، إلا أن المحيط يحاول موازنة نفسه مع الحرارة في الغلاف الجوي.
وأوضح تقرير تقني ضمن أحدث تقييم مناخي للأمم المتحدة تحت اسم "مكاسب الحرارة التي لا يمكن فهمها"، أن المحيط سجل 396 زيتاغول من الحرارة بين عامي 1971 و2018 ويعني المزيد من الحرارة مزيدًا من موجات الحر البحرية التي تدمر النظم البيئية في الماء.
ووجدت دراسة أجريت في يناير/ كانون الثاني أن المحيط زادت حرارته بمقدار 10 زيتاغول في عام 2022 عن العام السابق وهو ما يكفي من الحرارة لغلي 700 مليون غلاية كل ثانية.
وتشير الدراسة إلى أن الغلاف الجوي احتفظ بنحو 2٪ من الحرارة الزائدة الناجمة عن الاحتباس الحراري منذ عام 2006 وذلك بمقارنة مع المحيط.
ولفهم ما يحدث تحت سطح المحيط، بعيدًا عن رؤية الأقمار الصناعية، يعتمد العلماء علي شبكة واسعة من آلاف موازين الحرارة على السفن والطائرات الشراعية تحت الماء والمراسي الدائمة.
ويقول دوراك إنه لم يكن حتى أوائل العقد الأول من القرن الحالي عندما بدأت رؤية التغيرات في المحيط التي تنبأ بها علماء المناخ منذ فترة طويلة.
نماذج المناخ
ولكن العلماء تمكنوا من الحصول على رؤية أطول تعود إلى عقود أخرى باستخدام النماذج المناخية حيث يقومون بدراسة نماذج المناخ مع تدوين الملاحظات حتى يتم الحصول على نتائج متسقة والتي كشفت جميعا ارتفاعًا مستمرًا في الحرارة.
وتوضح الدكتورة برناديت سلويان من وكالة العلوم الحكومية الأسترالية أن المحيطات تلعب دورا محوريا في التأثير علي المناخ وهذا كله بسبب كمية الطاقة اللازمة لتسخينه وهذا هو الحديث المستمر بين المحيط والغلاف الجوي الذي يقود الطقس سنويًا.
مكيف الهواء
وتقول سلويان إن المحيط يتصرف مثل مكيف الهواء للكوكب من خلال امتصاص الحرارة الزائدة بلا هواد ولكن مكيف الهواء، وإنها ليست خدمة مجانية خاصة أن الحرارة جاءت مع ارتفاع معدل الأحماض في المحيطات، وارتفاع منسوب مياه البحر والتغيرات في وتيرة الطقس المتطرف.
وآثار الحرارة الزائدة تظهر في كل مكان تقريبًا لأنه عند ارتفاع درجة حرارة المحيط، تتمدد المياه مما يؤدي إلى ارتفاع مستويات سطح البحر في جميع أنحاء العالم.
ويعود سبب نحو ثلث الارتفاع في مستوى سطح البحر العالمي إلى التمدد الحراري.
ويعني المزيد من الحرارة المزيد من موجات الحرارة البحرية التي تدمر النظم البيئية البحرية مما تسبب في تأثر الشعاب المرجانية وقتل النباتات الموجودة تحت الماء.
ويمكن أن يؤدي تسخين المحيط أيضًا إلى تغيير شبكات الغذاء البحرية بشكل جذري حيث تفضل الظروف الأكثر دفئًا الأنواع الأصغر والطحالب على حساب الأنواع الأكبر التي يميل البشر إلى تناولها.
وقال العلماء إن ارتفاع درجات الحرارة هناك في العقود المقبلة قد يدمر الحياة البحرية في أعماق المحيطات، حيث تكيفت الأنواع مع درجات حرارة مستقرة.
ووجد العلماء أن الأنواع تهاجر بالفعل نحو القطبين للعثور على مياه أكثر برودة.
وفي المناطق الاستوائية، حيث تكون المحيطات أكثر دفئًا، لن توجد أنواع أخرى قادرة على أن تحل محلها مما سيترك وراءه مياهًا جردت من الحياة البحرية.
ووفقا للخبراء، فإن العديد من الأنواع قد تنفد من المحيط في أماكن مثل البحر الأبيض المتوسط، حيث تعيق اليابسة طريق المياه الأكثر برودة. لكن إذا اتجهت الأنواع لتحمل الحرارة، فقد يمثل ذلك مشكلة أخرى وهي إن المياه القريبة من السطح تختلط بسهولة مع الهواء أعلاه لتوفير ما يكفي من الأكسجين للحياة البحرية.
"ولكن يؤدي ارتفاع درجة حرارة المياه العميقة إلى أن تحتوي على كمية أقل من الأكسجين، مما قد يؤدي إلى قطع خيار آخر للبقاء على قيد الحياة لبعض الأنواع."
والكثير من الحرارة التي دفعت درجات سخونة السطح إلى مستويات عالية جديدة في الأسابيع الأخيرة من المحتمل أن تأتي من الأسفل.
وتحتجز المحيطات كل عام حوالي 134 مليون قنبلة ذرية من الحرارة وقد أبقت درجات الحرارة العالمية منخفضة وأبقت الأرض صالحة للعيش ولكن يجب أن ندرك أن الطاقة لم تختف.
عام 2300
ويوضح أحدث تقرير مناخي للأمم المتحدة أن ارتفاع درجة حرارة المحيط قد يستمر حتى 2300 على الأقل حتى لو كانت انبعاثات غازات الاحتباس الحراري منخفضة بسبب الدوران البطيء لأعماق المحيطات.
ويؤكد البروفيسور ماثيو إنجلاند إن الفيزياء البسيطة تعني أن المحيط "لديه هذه القدرة الهائلة على امتصاص الحرارة ثم التمسك بها.
ويوضح أن تسخين متر مكعب واحد من الهواء بمقدار درجة مئوية واحدة يتطلب 2000 غول. لكن لتدفئة متر مكعب من المحيط يحتاج إلى حوالي 4200000 غول وبالتالي يعد امتصاص كل هذه الحرارة، "يهدي الناس إلى شعور زائف بالأمان بأن تغير المناخ يتقدم ببطء".
ويشير "ولكن هناك مردودا ضخما حيث إنه أمر مزعج عندما تبدأ في مواجهة جميع الآثار السلبية لارتفاع درجة حرارة المحيط."
ويوضح أن هناك ارتفاعا في مستوى سطح البحر، وغمر ساحلي، والفيضانات ودورات الجفاف المتزايدة، ومشاكل في الشعاب المرجانية، وتكثيف الأعاصير، والآثار البيئية، وذوبان الجليد عند خطوط العرض العليا في الحواف الساحلية - مما يعني ضربة مزدوجة على ارتفاع مستوى سطح البحر حيث أن المحيطات خزنت الكثير من الحرارة.