ألف متر تحت سطح الماء.. "شفق المحيط" تصارع التغير المناخي
يمتلئ المحيط بثروة حيوية وكائنات حية متنوعة، خاصة منطقة الشفق، التي تلعب دورًا حيويًا في حفظ توازن البيئة.
في مكان ما من المحيط، تحت السطح على عمق يتراوح ما بين 200 إلى 1000 متر، تقع "منطقة الشفق"، وسُميت بهذا الاسم؛ لأنّ الضوء الذي يصلها قليل وخافت، في مشهد بديع يبدو وكأنه فترة الشفق عند غروب الشمس.
مع ذلك؛ فهي منطقة حيوية تدب فيها الحياة، التي تطورت عبر ملايين السنين، وصارت مملوءة بأنواع كثيرة من الكائنات الحية البحرية بدءًا من الكائنات المجهرية الدقيقة وصولًا إلى الحيوانات البحرية الكبيرة على الكوكب.
كلها تأقلمت مع هذا الوضع، من حيث الضوء الخافت والبرودة في عمق المحيط، لكن هذه المنطقة الغنية تواجه مخاطر بسبب التغير المناخي. وهي واحدة من أكثر المناطق أهمية في المحيط، ما يجعل الاهتمام بها ضرورة لا بد منها.
نقل الكربون إلى أعماق المحيط
في منطقة الشفق، تعيش كائنات صغيرة، تُشبه النباتات، وتُعرف بـ"العوالق النباتية"، وتمامًا مثلما تفعل النباتات فوق سطح الأرض، تقوم العوالق النباتية بعملية البناء الضوئي، وتُحوّل الكربون غير العضوي (مثل ثاني أكسيد الكربون) إلى مواد عضوية، تهبط هذه المواد العضوية إلى المياه العميقة.
من ناحية أخرى، تذهب الكائنات الحية البحرية التي تعيش في منطقة الشفق إلى السطح في الليل من أجل التغذية، وتعود مرة أخرى إلى الشفق، ما يساعد في تقليل المواد العضوية عند السطح.
علمًا بأنّ هذه المواد العضوية قد تكون بدايتها غاز ثاني أكسيد الكربون، غاز الاحتباس الحراري الأشهر، ما يعني أنّ منطقة الشفق تستوعب ثاني أكسيد الكربون في صورة عضوية، حتى عندما تموت الكائنات الحية هناك، وتتحول إلى مادة عضوية؛ فإنها تغرق في الأعماق السحيقة للمحيط، ما يساعد في حبس الكربون هناك لمئات أو آلاف السنين. أي أنّ منطقة الشفق تلعب دورًا محوريًا في حفظ الأرض من آثار التغير المناخي.
صوت الموت في قاع المحيط
كشفت دراسة منشورة في دورية «نيتشر» (Nature) في يوم 27 أبريل/ نيسان 2023، عن الخطر المحدق بمنطقة الشفق بفعل التغير المناخي، وتنبأت الدراسة بأنه في حال استمرار التغيرات المناخية بهذه الحدة؛ فإنّ الحياة ستنخفض بنسبة تزيد عن 20% في منطقة الشفق بحلول عام 2100. وقد تنخفض بنسبة أكبر من 50% بحلول العام 2200.
وحذرت الدراسة من عدم تعافي المنطقة من آثار التغير المناخي لآلاف السنين بالتوازي مع الانخفاض البطيء لنسبة غاز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي.
هذه النتائج جاءت عندما راح العلماء القائمون على الدراسة بالتفتيش في ماضي الأرض؛ خاصة في الفترتين:
- العصر الأيوسيني المبكر، في الفترة ما بين 56 إلى 33 مليون سنة مضت.
- العصر الميوسيني قبل 15 مليون سنة.
وجد العلماء من خلال حفريات الكائنات التي عاشت وقتها أنه في أثناء فترة العصر الأيوسيني المبكر، كان متوسط درجات الحرارة العالمية أكبر من متوسط حرارة عصر ما قبل الصناعة بأكثر من 10 درجات مئوية، وتراوحت درجات الحرارة في أعماق المحيطات ما بين 10 إلى 16 درجة مئوية. بينما تراوحت درجة الحرارة في أعماق المحيطات بين 8 إلى 11 درجة مئوية.
ووفقًا لموقع (Ocean Exploration)؛ فإنّ متوسط درجات الحرارة في أعماق المحيطات اليوم 4 درجات مئوية.
وهذا يعني أنّ درجات حرارة قيعان المحيطات انخفضت بمرور الوقت بناءً على درجات حرارة المناخ العالمي.
وقد وجدت الدراسة أنّ درجات الحرارة المرتفعة في المحيطات قبل ملايين السنين، كانت قد سرعت تكسير واستقلاب البكتيريا للمادة العضوية؛ ما قلل من فرصة الكائنات الحية في الحصول على غذائها.
سيناريو متكرر
تنبأ العلماء بسيناريو المستقبل الخاص بمنطقة الشفق بناءً على دراستهم لما حصل في الماضي، عندما كانت حرارة الأرض مرتفعة عن الوقت الراهن، ما أثر على التنوع الحيوي في منطقة الشفق؛ فتوقعوا أنّ ما حصل وقتها، كان نتيجة الاحترار العالمي، واليوم يتكرر نفس السيناريو؛ إذ ترتفع درجات الحرارة بصورة أكبر من السابق، بفعل الأنشطة البشرية، ومن المتوقع أن تقل كمية المادة العضوية التي تصل إلى منطقة الشفق؛ فتفقد الكائنات الحية.
كما أوضحت الدراسة أنّ دورة الكربون أيضًا ستتأثر بسبب ارتفاع درجات الحرارة، إذ ترتبط بصورة ما بمنطقة الشفق التي تلعب دورًا مميزًا في مسار الكربون وحبسه ومنعه من الانطلاق في صورة غاز ثاني أكسيد الكربون، بل إنّ الكائنات تستخدمه في البناء الضوئي وتحوّله لمواد عضوية، تستطيع الكائنات الأخرى استخدامه في الغذاء.