إسرائيل تلقي النرد في لبنان.. لعبة خطرة تحمل تداعيات «خارج الحدود»
تعرض حزب الله لضربات قوية في الأشهر الماضية، طالت صف القيادة الأول، بمن في ذلك حسن نصر الله، ثم توغل بري في لبنان، فهل يقدم الحزب تنازلات؟.
ومن بين قاعدة الصف الأول الذين قتلتهم إسرائيل، كان مقتل الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله جزءا من تحول دراماتيكي في نهج إسرائيل تجاه الجماعة اللبنانية المسلحة.
إذ وضعت إسرائيل استراتيجيتها القائمة على محاولة ردع حزب الله جانبا، وبدأت تنفيذ حملة قصف لا هوادة فيها ثم توغل بري تصفه بـ"المحدود".
الهدف: إضعاف الحزب وإجباره على اللجوء إلى السلام بشروط إسرائيل بسبب عجزه، وفق مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية.
وبذلك، تأمل إسرائيل على الأرجح أن يوافق حزب الله على سحب عناصره من المنطقة الحدودية الإسرائيلية ومن ثم القبول بوقف إطلاق نار أوسع نطاقاً، ما يمكّن إسرائيل من إعادة سكانها النازحين البالغ عددهم نحو 60 ألفاً إلى منازلهم في شمال البلاد.
وهذا تحوّل "شديد الخطورة". إذ تعرض حزب الله لضربة قاسية، ومن المحتمل أن يقدم تنازلات كبيرة لإسرائيل، على الأقل في المدى القصير، أو أن يكون رده ضعيفًا بسبب ما تقوم به إسرائيل من ضربات لصفوفه، على حد قول المجلة.
ومع ذلك، قالت المجلة إن "حمل الجماعات الإرهابية أو المتشددة على الرضوخ أمر صعب، وحتى الجماعات الأضعف يمكن أن تهاجم بقوة، كما تعلمت إسرائيل نفسها من التجربة".
أظهر حزب الله في الماضي أنه قوي وحازم، سواء في محاربة إسرائيل مباشرة أو في استخدام الإرهاب الدولي لرد الضربة خارج مسرح العمليات، وكلاهما "تم بدعم من راعيه الإيراني".
ووفق المجلة الأمريكية، من النادر أن تُهزم مثل هذه الجماعات بمجرد الإطاحة بقائد رئيسي، حتى لو كان قائدًا بحجم نصر الله.
خط خلافة؟
وعلى مدى عقود، قتلت إسرائيل قادة مجموعة كبيرة من الجماعات الفلسطينية، بما في ذلك حماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وغيرها، لكن في معظم الأحيان، واصلت هذه الجماعات القتال.
فغالبًا ما يكون لدى الجماعات ذات الطابع المؤسسي الجيد قاعدة عميقة وخطط خلافة واضحة، مما يجعل من الصعب تدميرها من خلال قطع رؤوس القيادات، بحسب استنتاج المجلة.
المجلة مضت قائلة "لطالما كان نصر الله مهددًا بالاغتيال، ومن شبه المؤكد أن لديه خطة خلافة (الرهان الحالي على هاشم صفي الدين) ستمكن الحركة من الاستمرار".
بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تؤدي سياسة "قطع الرؤوس" إلى "تصعيد الإرهاب الدولي"، وتاريخ حزب الله نفسه يظهر ذلك بشكل واضح.
ففي عام 1992، قتلت إسرائيل سلف نصر الله، عباس الموسوي. وردًا على ذلك، قصف حزب الله، السفارة الإسرائيلية في الأرجنتين في ذات العام، مما أسفر عن مقتل 29 شخصًا.
وفي عام 2012، بينما كانت إيران وإسرائيل تخوضان حربًا خفية شملت اغتيال علماء نوويين إيرانيين، هاجم انتحاري من حزب الله حافلة محملة بالسياح الإسرائيليين في بلغاريا في عام 2012، مما أسفر عن مقتل 6 أشخاص.
وعلى حد قول "فورين بوليسي"، ستساعد إيران حزب الله، ما سيجعل من الصعب أكثر فأكثر تعطيل الحزب، فمنذ تأسيسه، لعبت إيران دورًا نشطًا في تمويل وتدريب وتسليح الحزب، كما أن جزءًا كبيرًا من ترسانة الصواريخ والقذائف الضخمة التي يمتلكها تأتي من إيران.
وبالإضافة إلى ذلك، يمكن لإيران أن توفر لقادة حزب الله وعناصره ملاذًا لتدريبهم وإعادة تنظيم صفوفهم، وهذا الملاذ أقل من مثالي، فإيران بعيدة عن لبنان، لكن إسرائيل أظهرت أنها قادرة على تنفيذ اغتيالات في إيران.
خلافات وضغوط
ومع ذلك، وعلى الرغم من كل هذه القيود، يمكن لقتل القادة أن يقلل من شأن الجماعات ويجعلها أكثر عرضة لتقديم تنازلات. فقد عانى كل من الدرب الساطع في بيرو وحزب العمال الكردستاني عندما تم اعتقال قادتهم.
كما أن الهجمات الأمريكية على تنظيم القاعدة، التي أسفرت عن مقتل أسامة بن لادن وأيمن الظواهري، أصابت التنظيم الإرهابي في مقتل.
الأكثر من ذلك، الخلافة في الجماعات الإرهابية أو المتشددة يمكن أن تخلق العديد من الصعوبات، وغالبًا ما يؤدي قطع الرأس إلى تفاقمها. إذ يجب على القائد الجديد كسب احترام أعضاء التنظيم، وتوضيح السياسات، وتوطيد السلطة والنفوذ، وهذا يستغرق وقتاً حتى في أفضل الظروف.
وتصبح هذه المشاكل صعبة بشكل خاص إذا كانت الحملة مشابهة للحملة التي شنتها إسرائيل ضد حماس خلال الانتفاضة الثانية أو الحملة الأمريكية التي قضت على صفوف تنظيم القاعدة.
ففي مثل هذه الظروف، وهو ما يواجهه حزب الله اليوم، يحدث الاضطراب على كل المستويات، وعلاوةً على ذلك، تُظهر عمليات إسرائيل أنها اخترقت بالكامل شبكة اتصالات حزب الله وأن أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية لديها معلومات استخباراتية ممتازة عن الحزب بشكل عام.
خيار صعب
وفي مثل هذا السياق، يواجه القادة خياراً: إما أن يتواصلوا وينظموا قواتهم - ويموتوا - أو أن يختبئوا وبالتالي يسمحوا لتنظيماتهم بالانحراف دون توجيه.
وبالإضافة إلى الضعف، فإن التهديد الأوسع نطاقاً بالدمار الذي يلحق بلبنان قد يشكل أيضاً تفكير ”حزب الله“ في هذه الأزمة. فبقدر ما كانت الهجمات الإسرائيلية الأخيرة على معاقل حزب الله في بيروت والبقاع والجنوب اللبناني مدمّرة، قد يكون الدمار أسوأ بكثير.
وبالنظر إلى الوضع الاقتصادي والسياسي غير المستقر أصلاً في لبنان، فقد تردد ”حزب الله“ حتى الآن في جعل الوضع السيئ أسوأ.
وحتى إيران، قد تكون قلقة من التصعيد. فالهجوم الصاروخي والهجوم بالطائرات بدون طيار الذي شنته على إسرائيل في أبريل/نيسان "قد فشل إلى حد كبير، وتبدو خياراتها الأخرى للتصعيد محدودة نظراً لضعفها العسكري والاقتصادي والمخاطر التي تواجهها طهران من احتمال تورط الولايات المتحدة" إذا ما صعدت ضد إسرائيل، وفق المجلة ذاتها.
ومع ذلك، قد تلجأ إيران إلى "الإرهاب الدولي، نظراً لرغبتها في ضرب إسرائيل وندرة الخيارات الأخرى"، على حد قول فورين بوليسي.