خبيران لـ"العين الإخبارية": التغييرات العسكرية بالجزائر تؤسس لمرحلة جديدة
موجة تغييرات في قيادة الجيش هي الأكبر منذ الاستقلال، والمؤسسة العسكرية تقول إنها في إطار "التداول على الوظائف".
شهدت الجزائر خلال الأشهر الأخيرة موجة تغييرات في قيادة الجيش هي الأكبر منذ استقلالها، وعلى الرغم من تعدد التفسيرات حول التحركات التي أكدت المؤسسة العسكرية أنها تأتي في إطار "التداول على الوظائف" إلا أنها التقت عند تأسيسها لمرحلة جديدة.
فمنذ نهاية يونيو/ حزيران الماضي بدأ الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة عملية تغيير واسعة في كافة فروع الأجهزة الأمنية والعسكرية، مازالت متواصلة حتى الآن، حيث تطال ما يقارب الـ80 %من القيادات.
الأكبر في تاريخ الجمهورية
أول القرارات كان إنهاء مهام قائد الشرطة السابق اللواء عبد الغني هامل، والذي كان يوصف بأحد أقوى القادة الأمنيين في البلاد ليحل محله مدير الحماية المدنية (الدفاع المدني) العقيد مصطفى لهبيري الذي قام هو الآخر بتغييرات داخلية واسعة في الشرطة.
وبعد أيام قليلة من إنهاء مهام قائد الشرطة، تناهى إلى أسماع الجزائريين قرار آخر لا يقل عن سابقه في إثارة الجدل، ليعلن بيان للرئاسة تنحية اللواء مناد نوبة قائد الدرك الوطني "قوة شبه عسكرية تابعة لوزارة الدفاع" وتعيين نائبه العميد غالي بلقصير خلفا له، ليواصل الأخير حملة تغييرات داخلية مسَت أغلب القادة الجهويين وعبر المحافظات.
ومنتصف أغسطس/ آب الماضي استأنف الرئيس الجزائري عملية التغيير في قيادة الجيش بتنحية قائدي الناحيتين العسكرية الأولى "المركزية" اللواء حبيب شنتوف والناحية العسكرية الثانية "شمال غرب" اللواء سعيد باي.
وتواصلت موجة التغييرات لتطال قائد الناحية العسكرية الثالثة "جنوب شرق" اللواء شريف عبد الرزاق نهاية ذات الشهر كما مسَت الجنرال لخضر تيرش رئيس أمن الجيش، وهو أحد أقوى أجهزة المخابرات في البلاد وعدة مدراء مركزيين في وزارة الدفاع إلى جانب المراقب العام للجيش بن يطو بومدين.
وفي الـ17 من سبتمبر/ أيلول أعلنت فضائية النهار الخاصة والمقربة من الرئاسة إنهاء مهام الأمين العام لوزارة الدفاع الوطني اللواء محمد زناخري وقائد القوات البرية اللواء حسن طافر وقائد القوات الجوية اللواء عبد القادر الوناس إلى جانب مدراء بوزارة الدفاع.
وأكدت وزارة الدفاع في بيان لها بعد ذلك رسميا تنحيتهم لتعلن تنصيب قادة جدد مكانهم من قبل الفريق أحمد قايد صالح قائد أركان الجيش .
ووُصفت هذه التغييرات بالأكبر من نوعها منذ استقلال البلاد عام 1962 وفاقت من حيث حجمها التحولات الشهيرة التي شهدتها المؤسسة العسكرية في 2015 وطالت بدرجة أولى مديرية الأمن والاستعلام (المخابرات) التي تم حلها نهائيا وإزاحة قائدها القوي الفريق محمد مدين المدعو توفيق والذي مكث في المنصب 25 سنة.
"تداول على الوظائف" و"غموض"
وفي أول تعليق رسمي على الخطوات الجديدة، قالت مجلة الجيش لسان حال المؤسسة العسكرية في البلاد، في عددها لشهر سبتمبر/ أيلول، إن التغييرات تهدف لتكريس مبدأ التداول على الوظائف في المؤسسة العسكرية" وهي عبارة كررها قائد الأركان الفريق قايد صالح عدة مرات في مراسم تنصيب القادة الجدد، وقال إن المعيار فيها هو "الكفاءة".
وخلفت التغييرات جدلا وترقبا في الجزائر حول خلفياتها ومآلاها خاصة وأن البلاد تستعد لتنظيم انتخابات رئاسية ربيع العام المقبل للتجديد للرئيس الحالي عبد العزيز بوتفليقة (81 سنة) أو انتخاب خليفة له.
والتقت أغلب تعليقات وسائل الإعلام الجزائرية حول الطابع "الغامض" لهذه التغييرات، وعلق جمال ولد عباس الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني الحاكم في تصريحات نهاية أغسطس/ آب بالقول "هي تغييرات طبيعية يقوم بها الرئيس بحكم صلاحياته مثل ما يقع من تغييرات في الحكومة والولاة ولا يوجد من يخلد في منصبه".
من جهته أكد علي بن فليس رئيس الحكومة الأسبق ورئيس حزب طلائع الحريات المعارض أن التغييرات في قيادة الجيش "غامضة".
ضباط جدد لمرحلة جديدة
ويرى محمد بن أحمد الصحفي الجزائري المتخصص في الشؤون الأمنية في تعليقه على هذه التغييرات أنه " في البداية يجب أن نُقر بحقيقة جديدة، وهي أن الجيش الجزائري في عام 2018 مختلف تماما عنه في عام 2010 مثلا، فقد كان مصنفا ضمن أحد أفضل 20 جيشا في العالم من ناحية التعداد التدريب والتسليح".
وأوضح في حديثه لـ"العين الإخبارية" أن هناك "مرحلة جديدة تماما تختلف عن مراحل سابقة، وكان من الضروري أن يضطلع ضباط جدد بالمهام القيادية من الذين عرفوا عن قرب أي في الميدان أنواع الأسلحة الجديدة التي دخلت الخدمة في الجيش بعد عام 2006".
وتابع: "نضيف هنا أن قيادة الجيش الجزائري أقرت في عام 2006 مبدأ احترافية القوات المسلحة، معناه إبعاد الجيش بشكل كلي عن أي ممارسة خارج إطار مهامه الدستورية، وربما لهذا السبب بات من الضروري تغيير من يوصفون بالحرس القديم الذين عملوا بشكل مباشر تحت قيادة الجنرالات السياسيين، من أمثال الفريق محمد العماري والفريق محمد مدين بضباط جدد كانوا قبل 15 سنة ضباطا ميدانيين يعملون في الوحدات الصغرى للجيش".
من جهته يقول الإعلامي فوزي بوعلام المختص في الشؤون العسكرية لـ"العين الإخبارية" "أعتقد أن التغييرات في الجيش أملتها عدة ظروف بعضها تنظيمي، وهذا ما أكد عليه رئيس أركان الجيش الجزائري قايد صالح ويتعلق بمبدأ تجديد الجهاز القيادي في الجيش".
وأوضح "أما البعض الآخر يتعلق بالجنرالات المعزولين من مناصبهم، فبعضهم كانوا يعانون من أمراض مزمنة وكان من الضروري إبعادهم لأسباب صحية، إضافة الى أن زيادة المسؤوليات التي بات يتحملها الجيش استدعت ضخ دماء جديدة".