"الأندلس تاريخ الشتات".. يقتفي الأثر الحضاري للموريسكيين
يركز الكتاب على تاريخ الأندلسيين وشتاتهم عقب سقوط مملكتهم الأخيرة بغرناطة 1492، ومحاصرة بقيتهم حتى بدايات القرن الـ17م
"الأندلس تاريخ الشتات"، عنوان الكتاب الصادر أخيرا عن دار الربيع العربي، من تأليف الباحث التاريخي محمد الرزاز، والذي يروي قصة الوجود العربي الإسلامي في الأندلس منذ دخلها المسلمون عام 92هـ وحتى خروجهم منها في القرن الـ9 الهجري.
ويستعرض الكتاب، الذي يقع في 190 صفحة من القطع الصغير، فصولاً من هذا التاريخ، ويركز على تاريخ الأندلسيين وشتاتهم بعد سقوط مملكتهم الأخيرة بغرناطة في عام 1492، حيث استمر الوجود الإسلامي محاصراً بعد السقوط وحتى بدايات القرن الـ17، الذي شهد إقصاء نحو 350 ألفاً من المسلمين الذين كانوا قد تحولوا قسراً للمسيحية تحت ضغط محاكم التفتيش، وعُرفوا باسم "الموريسكيين" أو المسيحيين الجدد من أصل عربي أو بربري، وهو مصطلح فيه من الاستهزاء والاستهانة أكثر مما فيه من توصيف لحالتهم الاجتماعية.
ويروي الكتاب تفاصيل الفصل الأخير في نهاية الوجود العربي الإسلامي في الأندلس، كما تجلت في طرد الموريسكيين؛ وهم المسلمون الذين أجبروا على التحول للمسيحية تحت ضغط محاكم التفتيش عقب سقوط غرناطة. يكشف مؤلف الكتاب أن لفظ "موريسكو morisco" (وجمعها موريسكوس) في اللغة الإسبانية ظهر كصيغة استهزاء وتقليل من شأن أولئك "المسيحيين الجدد" من أصل "مورو moro"، وهو اللفظ الذي أطلقه الإسبان على المسلمين. عانى الموريسكيون من شتى أشكال الملاحقة والاضطهاد ومحاولات محو الهوية، وتم اتهامهم بممارسة طقوس الإسلام سراً وبالفشل في الاندماج في المجتمع المسيحي، بل بالتآمر مع العثمانيين ضد إسبانيا. ثم تم طرد الموريسكيين نهائياً من شبه جزيرة إيبريا بين عامي 1609 و1614 بموجب مرسوم من الملك فيليب الثالث؛ حيث نزحوا صوب شمال إفريقيا والشرق الأوسط وغيرها من المناطق، وكان للمغرب العربي النصيب الأكبر من تلك الهجرات. ترك الموريسكيون بصمة ثقافية ومجتمعية هائلة حاضرة إلى يومنا هذا في العديد من مدن الشمال الإفريقي، في جميع الميادين، من العمارة والعمران إلى الشعر والموسيقى والعزف والألحان.. إلخ.
ويستحضر مؤلف الكتاب مشاهد من العصر الذهبي للأندلس، فعلى مدار ما يقرب من 8 قرون تعاقب على حكم الأندلس العديد من الولاة والأمراء والملوك؛ حيث شهدت دولة الإسلام في الأندلس فترات من الازدهار صارت مضرباً للأمثال وأفرزت أجيالاً من المفكرين والفلاسفة والعلماء الذين أثروا الحضارة الإسلامية والإنسانية بشكل عام، منهم: ابن رشد وابن عربي. ويقتفي الكتاب، من خلال مجموعة منتقاة من القصص، أثر الأندلسيين المهجرين وتحتفي بإرثهم الحضاري في حوض المتوسط.
مؤلف الكتاب، محمد الرزاز، باحث أكاديمي ومحاضر مصري، من مواليد القاهرة عام 1976، انتقل للعيش بإسبانيا عام 2008 حيث درس التاريخ بجامعة غرناطة والإدارة الثقافية ببرشلونة، وشارك كمحاضر في فعاليات العديد من المؤتمرات الدولية في مصر وإسبانيا وإيطاليا وغيرها من الدول، له العديد من المقالات والأبحاث المنشورة حول تراث البحر المتوسط من قبل مؤسسة التراث الأندلسي بإسبانيا وغيرها من المؤسسات.
حاليا، يعمل أستاذا في الثقافة وتاريخ الفن وتراث حوض البحر المتوسط بجامعة كاتالونيا الدولية منذ حصوله على درجة الماجستير من الجامعة ذاتها في عام 2010. كما يعمل بالأمانة العامة للاتحاد من أجل المتوسط ببرشلونة منذ العام 2013.