التاريخ يعيد نفسه.. كيف واجه العالم الأوبئة؟
عدد قليل من الأمراض أدى إلى إصابة الناس بالخوف والهلع بقدر ما تسبب فيه الطاعون، الذي عُرف بـ"الموت الأسود" وأودى بحياة الملايين
المشهد الذي نعيشه حاليا في ظل تفشي وباء كورونا المستجد- في واقع الأمر- يبدو وكأنه مجرد استرجاع لأحداث انتشار مرض الطاعون في القرن الرابع عشر، فهناك عدد قليل من الأمراض الأخرى التي أدت إلى إصابة الناس بالخوف والهلع بقدر ما تسبب فيه الطاعون، الذي عُرف بـ"الموت الأسود" وأودى بحياة عشرات الملايين من البشر في أوروبا.
وذكرت وكالة الأنباء الألمانية قول المؤرخ الطبي كارل هاينز ليفين، الأستاذ بجامعة إيرلانجن نورمبرج الألمانية: "تحتم علينا التصدى لخطر الأوبئة مرارا على مر التاريخ".
ويوضح ليفين أنه قد يكون من غير الممكن، من الناحية العلمية مقارنة الطاعون الذي يسببه نوع من البكتيريا بفيروس كورونا الذي يجتاح العالم حاليا، ولكن التاريخ يقدم العديد من الأمثلة عن كيفية تعامل المجتمعات مع الأوبئة.
الحجر الصحي
كانت مكافحة الطاعون إحدى نقاط البداية بالنسبة لأوروبا من أجل تطوير أنظمة لرعاية الصحة العامة، وفي هذا الصدد يقول ليفين: "إنه في عام 1347، لم تتحرك المدن الساحلية على البحر المتوسط عندما جلبت سفن من الشرق الطاعون، مما أدى إلى تسجيل معدلات وفاة تراوحت نسبتها بين 30 و40 في المئة".
ولكن في حالات وباء لاحقة قامت مدن مثل فلورنسا وفينيسيا ومرسيليا باتخاذ إجراءات احترازية، حيث احتجزت البضائع والمسافرين في جزر قريبة. وقد اختلفت فترات الاحتجاز، ولكنها كانت عادة ما تستمر لمدة 40 يوما، ومن هنا جاءت كلمة "كوارانتين" باللغة الانجليزية (الحجر الصحي) المنحدرة من كلمة "40" باللغة الفرنسية.
وحرصت السلطات على غلق البيوت، وكان يتم نقل المرضى إلى المستشفيات المخصصة لعلاج حالات الطاعون.
ويقول ليفين: "كان ذلك أيضا نوعا من حظر التجول الذي يفرض اليوم، حيث بقي الناس داخل منازلهم وأصيبت الحياة العامة بالشلل، رغم اختلاف الظروف، وشعر الناس بالإحباط وسط القيود المشددة التي فرضت على الكنيسة والاقتصاد".
المقاومة بالفن
وقام رئيس أساقفة ميلانو، كارلو بوروميو، خلال موجة أخرى من تفشي الطاعون في القرن السادس عشر، بدعوة المرضى والمواطنين الموجودين قيد الحجر الصحي إلى مشاهدة مراسم القداس من نوافذ منازلهم.
ويقول ليفين: "نرى اليوم صورا من إيطاليا يظهر فيها مواطنون يرددون الأغاني من شرفات منازلهم".
وفي ألمانيا قدم الناس العون لبعضهم بعضا عندما تفشت الكوليرا في هامبورج في عام 1892، حيث يقول فيليب أوستن، مدير متحف التاريخ الطبي بالمدينة: "شكل المواطنون لجانا وأداروا خدمات الرعاية الصحية بأنفسهم"، مشيرا إلى أنهم نظموا مجموعات للقيام بأعمال التطهير وتوزيع مياه للشرب بعد غليها.
وارتبطت الأوبئة في الماضي أيضا بانتشار شائعات ونظريات المؤامرة، ويقول المؤرخون إن التعليم والشفافية مهمان جدا في مثل هذه الأوقات.
كما استخلصوا دروسا من الإنفلونزا الإسبانية التي أفادت التقديرات بأنها أدت إلى وفاة ما يتراوح بين 25 و50 مليون شخص في آذار/مارس من عام 1918.
تجاهل الخطر
ويقول المؤرخ الطبي فولكر رولكه، الأستاذ بكلية الطب في جامعة جيسن الألمانية، في إشارة إلى ذلك الوقت من الأزمة: "إن الاستهانة أو التجاهل وإنكار خطر الوباء مشكلة".
وعندما تفشت الأنفلونزا في أمريكا أظهرت تقارير أن السلطات تجاهلت الخطر في بداية الأمر. ويعلق رولكه: "لم تتحرك السلطات إلا بعد مرور شهرين أو ثلاثة، عندما تأثر عدد أكبر من المواطنين"، مضيفا أن ذلك لم يمنعهم من إرسال جنود أمريكيين إلى أوروبا.
من ناحية أخرى، يقول نيكولاي هانيج، وهو مؤرخ في مدينة ميونخ: "إن المدارس أغلقت أبوابها في مدنية سانت لويس الأمريكية، وتم عزل المواطنين". وأثبتت دراسة أمريكية في وقت لاحق أنه في الوقت الذي شهدت فيه المدينة التي يمر فيها نهر المسيسيبي، ارتفاعا بطيئا في عدد الإصابات، سجلت مدينة فيلادلفيا التي كانت تقام بها مسيرات عامة حتى عندما أصبح المواطنون يشعرون بأن الحال ليس على ما يرام، ارتفاعا سريعا في أعداد الحالات المصابة.
ويقول هانيج: "إن هذه الإجراءات الاحترازية تماثل التدابير التي يتم اتخاذها اليوم". ويجري المؤرخ أبحاثا خاصة بالكوارث الطبيعية للتوصل إلى كيف تعامل الناس معها في الماضي.
ويضيف هانيج أنه من الضروري أن ننتبه مستقبلا إلى المشاكل التي تسببها الإجراءات الاحترازية، مثل التبعات بعيدة المدى للحجر الصحي وحظر التواصل على الاقتصاد والمجتمع.