حزب الله وإسرائيل.. هل يتحمل «لبنان المفلس» كلفة حرب؟
مع تصاعد الأوضاع في قطاع غزة، وفي ظل مناوشات من الشمال بين إسرائيل وحزب الله، بدأت المخاوف تدب في أوصال العالم، من اتساع الحرب، بدخول أطراف أخرى على مائدتها.
تلك التطورات، جعلت من خطر الحرب بين حزب الله وإسرائيل مرتفعا عن أي وقت منذ آخر صراع كبير بينهما في 2006، إلا أنه في ظل اقتصاد مدمر ودولة متداعية، لم يعد بوسع لبنان تحمل تكلفة حرب أخرى بين جماعة حزب الله وإسرائيل.
وتقول مصادر إن جماعة حزب الله المدعومة من إيران تعلم هذا وتضع أزمات لبنان بعين الاعتبار في ظل تخطيطها للخطوات التالية في الصراع مع إسرائيل.
تصعيد الحرب
ويقول محللون إن جماعة حزب الله ربما تصعّد الحرب إذا ما بدا أنها من المرجح أن تنهزم في قطاع غزة الذي يبعد عن لبنان 200 كيلومتر، بينما يخشى زعماء لبنانيون من احتمال اختيار إسرائيل خوض صراع كبير مع حزب الله.
لكن مع تحذير إسرائيل أنها ستنزل «الدمار» بلبنان إذا ما فتح حزب الله جبهة للقتال، تبدو تكاليف أي حرب تلوح في الأفق كبيرة بالنسبة لبلد يعاني ويمر بالفعل بواحدة من أسوأ مراحل انعدام الاستقرار منذ الحرب الأهلية بين عامي 1975 و1990.
وقال مصدر مطلع على تفكير حزب الله: «لا مصلحة لحزب الله في الحرب. لا مصلحة للبنان في الحرب»، مشيرًا إلى أن جماعة حزب الله لا تريد أن تشهد دمار البلاد وفرار اللبنانيين من الجنوب، إذ إن الآلاف فروا بالفعل.
ويتساءل كثيرون عمن سيدفع تكاليف إعادة الإعمار في ظل فراغ خزائن الدولة.
اشتباكات مدروسة
وتقول مصادر إن اشتباكات حزب الله مع القوات الإسرائيلية على الحدود صارت مدروسة بعناية حتى الآن؛ لتفادي أي تصعيد كبير، إلا أن أكثر من 40 من مقاتلي حزب الله لقوا حتفهم.
لكن جماعة حزب الله أشارت إلى استعدادها للحرب في إبراز لموقفها بوصفها زعيمة للتحالف المدعوم من إيران في مواجهة إسرائيل والولايات المتحدة.
ويحث سياسيون لبنانيون حزب الله على عدم التصعيد، بيد أنهم لا يملكون من الأمر شيئا في قرارات حزب الله.
وقال الزعيم الدرزي وليد جنبلاط إن «مصير لبنان على المحك»، مضيفًا: «بحياتي السياسية قد تكون هذه أخطر مرحلة نعيشها من الحروب».
وأشار إلى أنه «لا شيء يمكن للبنانيين فعله لإيقاف حرب قد تندلع من جهة إسرائيل (..) من جهتنا علينا أن نضبط الأمور وذلك بالتشاور ونصح الإخوان في حزب الله بأن تبقى قواعد الاشتباك كما هي».
لبنان سيدفع الثمن
الرئيس الإسرائيلي إسحق هرتسوغ، قال إن إسرائيل لا تسعى إلى دخول مواجهة على حدودها الشمالية، «لكن إذا استدرجتنا جماعة حزب الله إلى الحرب فينبغي أن يكون واضحا أن لبنان سيدفع الثمن».
وقال السياسي المسيحي سليمان فرنجية، أمس الأربعاء إن الجماعة لا تريد الحرب. وتابع أنها «إذا كانت تريد، لكان مقاتلو حزب الله عصفوا بإسرائيل في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الجاري، مثلما فعلت حماس من غزة».
وقال مسؤول لبناني كبير إن الحكومات تواصلت مع لبنان لتهدئة التوتر، مضيفًا: «نخبرهم بأنهم بحاجة إلى ممارسة ضغوط على الإسرائيليين لئلا يصعّدوا بدلا من أن يخبرونا بكبح جماح حزب الله».
وكانت السنوات القليلة الماضية على وجه التحديد عصيبة في لبنان الذي لم ينعم إلا بالنزر اليسير من الاستقرار منذ نيله الاستقلال وتحمّل حروبا منها غزوان إسرائيليان في 1978 و1982.
وأدت عقود من الفساد وسوء الإدارة من جانب السياسيين الحاكمين إلى انهيار المنظومة المالية في 2019 ونسف المدخرات وخسف العملة وزيادة ناب الفقر حدة.
وفي العام التالي، مزق بيروت انفجار هائل لمواد كيماوية في المرفأ. واستغلت جماعة حزب الله سطوتها في المساعدة في عرقلة تحقيق سعى إلى محاكمة بعض حلفائها، إذ وصفت التحقيق بأنه مُسيَّس. وتمخض التوتر عن عنف مميت.
وتمارس أجهزة الدولة مهامها بصعوبة بالغة، بينما أدى خلاف طائفي إلى عدم وجود حكومة كاملة الصلاحيات وترك مقعد الرئاسة شاغرا.
سيناريو رعب
وقال نبيل بومنصف كاتب العمود في جريدة النهار إن «أي حرب ستكون أكثر دمارا من حرب 2006 في ظل عدم وجود حكومة قادرة على إدارة الكارثة».
وأضاف: «نحن سنكون حينذاك أمام سيناريو الرعب الحقيقي الذي هو دمار البنى التحتية في لبنان والإجهاز الكامل على كل شيء اسمه إمكانية النهوض الاقتصادي».
واستغرق لبنان سنوات لإعادة الإعمار بعد حرب 2006 التي قُتل على إثرها 1200 شخص في لبنان، أغلبهم من المدنيين، و158 إسرائيليا، أغلبهم من الجنود.
وقال حسن نصر الله زعيم حزب الله بعد الحرب التي بدأت عقب اختطاف جنديين إسرائيليين وقتل آخرين في غارة عبر الحدود إن الجماعة لم تتوقع نشوب حرب ولم تكن لتنفذ العملية إن علمت أنها ستؤدي إلى ذلك الصراع.
مخاوف خطيرة
بعد 17 عاما من حرب 2006، رجحت ترسانة حزب الله التي توسعت بشكل ضخم كفة الجماعة في ميزان القوى، ما أزعج المعارضين الذين يقولون إن الجماعة تبت مجددا في أمر الحرب والسلم.
وقال غسان حاصباني القيادي بحزب القوات اللبنانية: «يبتون في الأمور. هذا غير مقبول تماما». وحزب القوات اللبنانية هو حزب مسيحي معارض بشدة لحزب الله.
وأضاف: «ثمة مخاوف خطيرة إزاء جرف حزب الله لبنان إلى مواجهة مدمرة في وقت تعني فيه هشاشة موقفه الاجتماعي والاقتصادي أنه ليس بوسعه تحمل مزيد من انعدام الاستقرار».
وقال مهند الحاج علي من مركز كارنيغي الشرق الأوسط إن جماعة حزب الله ستفكر مليا في كيفية تمويل جهود إعادة الإعمار بعد أي حرب.
وأضاف: «إن لم تكن ثمة إعادة إعمار، فستكون حتما ثمة تكلفة سياسية على المنظمة... سيطرح الناس أسئلة وسيكون ثمة غضب واسع النطاق».
aXA6IDMuMTQ0LjEwMS43NSA= جزيرة ام اند امز