أصبح تحرير الحديدة ضرورة إنسانية قبل أن تكون عسكرية، لإنهاء معاناة اليمنيين الذين تتخذهم عصابات الحوثيين رهائن ودروعاً بشرية.
بانطلاق عملية تحرير الحديدة، يدخل اليمن المراحل الأخيرة نحو التخلص من المليشيات الحوثية التي اجتاحته غيلة وغدراً، محتكمة إلى السلاح وحده، بعد أن صورت الأوهام للعصابة الطائفية ولسادتها في إيران أن الوقت أصبح ملائماً لإقامة كيان تابع لملالي طهران، يكون خنجراً مسموماً في خاصرة دول الخليج العربي.
وقد جاء الاجتياح الحوثي لليمن بعد مناورات سياسية استخدمت خلالها أحط أنواع الخيانة والغدر، وصولاً إلى فرض ما ظنه الإيرانيون وأذنابهم أمراً واقعاً لا يمكن تغييره، لكن "عاصفة الحزم" انطلقت لتبدِّد هذه الأوهام وتستعيد اليمن لأهله وشعبه وحكومته الشرعية، ولتلقِّن من اختطفوا اليمن درساً لن ينسوه بسهوله.
تحرير الحديدة هو وحده ما يمكن أن يُجبر الحوثيين على العودة إلى طاولة المفاوضات وقبول تسوية حقيقية للوضع، من أجل التفرغ لإعمار اليمن وإصلاح ما أفسدته المغامرة الحوثية- الإيرانية
لقد أصبح تحرير الحديدة ضرورة إنسانية قبل أن تكون عسكرية، وذلك لإنهاء معاناة اليمنيين الذين تتخذهم عصابات الحوثيين رهائن ودروعاً بشرية، وتتاجر بمعاناتهم أمام العالم، وتبتز المؤسسات الدولية التي أثبتت ضعفها وعجزها عن اتخاذ خطوات جدية لإنهاء مأساة أساسها الاجتياح الحوثي لليمن.
هناك الكثير من الأسباب التي جعلت من تحرير الحديدة خياراً وحيداً أمام التحالف العربي، وعلى رأسها وضع ميناء الحديدة تحت إشراف دولي بعد تحريره، فقد رفض الحوثيون الإشراف الدولي على الميناء زاعمين أنه لا يُستخدم إلا لأغراض مدنية، وإذا كان الأمر كذلك، فلماذا أصرت هذه العصابات على إبقاء الميناء تحت سيطرتها؟
إن إيران الراغبة في إطالة أمد الحرب وجعل اليمنيين وقوداً لها لم تكف يوماً عن تهريب الصواريخ الباليستية إلى أذنابها في اليمن، وهي الصواريخ التي استخدمتها المليشيات الحوثية في محاولة استهداف مكة المكرمة، وفي قتل المدنيين الأبرياء. وعلى الرغم من يقين إيران بأن هذه الصواريخ لن تغير شيئاً في النتيجة المحتومة، وأن الدفاعات الجوية السعودية والإماراتية تجعلها فاقدة الجدوى تقريباً، فإن إيقاف تهريب الأسلحة والصواريخ بشكل نهائي سيعجل بإنهاء معاناة اليمنيين، وعودة الشرعية إلى بسط سيطرتها الكاملة.
كذلك سيمنع تحرير الحديدة الحوثيين من نهب المساعدات الإنسانية الدولية والخليجية التي تصل عن طريق الميناء، لكنها لا تجد طريقها إلى السكان المنكوبين في اليمن، وتُستخدم في ابتزازهم وإذلالهم وإجبارهم على الخضوع للحوثيين. وسيكون ممكناً بعد تحرير المدينة بدء الجهود الإغاثية الواسعة التي رصدت لها الإمارات والسعودية مئات الملايين من الدولارات. وتقف على مقربة من الميناء الآن السفن الإماراتية والسعودية التي تحمل مواد الإغاثة، استعداداً لتلبية حاجة سكان المناطق المحررة من الغذاء والدواء والاحتياجات الأساسية، وقد تضمنت خطة تحرير المدينة تنفيذ عمليات إغاثة سريعة ومدروسة، حُشدت لها الموارد البشرية المدربة على تنفيذها بكفاءة واقتدار.
وسوف يُنهي تحرير الحديدة تهديد الحوثيين للملاحة في البحر، وقد سبق لهم في محاولاتهم ابتزاز القوى الدولية وتخويف العالم أن استهدفوا سفناً أمريكية، كما حاولوا ضرب السفن الإماراتية والسعودية ظناً منهم أن ذلك قد يُحسن موقفهم المتهاوي. وليس مُستبعداً أن يلجأ الحوثيون في ظل اقتراب سقوطهم إلى رفع وتيرة هذا الاستهداف كماً ونوعاً، بما يقود إلى تداعيات خطرة على المستويين الإقليمي والدولي. وإعادة الحديدة إلى مظلة الشرعية ستُنهي هذا الخطر الماثل.
لقد أفشل الحوثيون كل محاولات الوصول إلى حل، وأظهروا التعنت والتشدد رغم هزائمهم المتوالية، لأن طهران تحاول استخدام الملف اليمني ورقة مساومة في ظل عزلتها وضعفها وخساراتها الاستراتيجية الأخيرة، ومستجدات الملف النووي الذي تحاول به ابتزاز العالم. وقبل أيام جاءت آخر الصفعات التي تلقتها إيران من كندا، التي صنفت الحرس الثوري منظمة إرهابية، كما أوقفت كل المحاولات التي كانت جارية لتحسين العلاقات مع إيران. وتحرير الحديدة هو وحده ما يمكن أن يُجبر الحوثيين على العودة إلى طاولة المفاوضات وقبول تسوية حقيقية للوضع، من أجل التفرغ لإعمار اليمن وإصلاح ما أفسدته المغامرة الحوثية- الإيرانية.
لقد آن الأوان لتمكين سكان الحديدة والمناطق المحيطة بها من استئناف أنشطتهم التي توقفت، وممارسة حياتهم العادية التي يحول الحوثيون بينهم وبينها، وأن يعود المزارعون إلى أراضيهم، والصيادون إلى كسب رزقهم من البحر الذي يُمنعون من ارتياده، والتجار والصُناع والمهنيون إلى أعمالهم التي أجبرهم الحوثيون على هجرها، غير عابئين بمعاناة ملايين اليمنيين المغلوبين على أمرهم. ولا سبيل إلى ما سبق إلا بتحرير الحديدة من العصابات الإجرامية التي تسيطر عليها.
كذلك آن الأوان لإيقاف عمليات التجنيد القسري بحق الأطفال، وإكراههم على الالتحاق بجبهات القتال، دون مراعاة للقوانين الدولية أو الاعتبارات الدينية والإنسانية، وإيقاف انتهاكات حقوق الإنسان وعمليات الترهيب والتعذيب والاعتقال والقتل التي سجلت التقارير الدولية صوراً لبشاعتها ووحشيتها طيلة السنوات الماضية.
إن تحرير الحديدة ضرورة لا بد منها، وقد تصدت لهذه المهمة النبيلة قوات التحالف العربي برغم التضحيات التي تستلزمها، وضرب الجنود الإماراتيون والسعوديون أروع الأمثلة على البطولة والفداء، وسوف تكون الدماء الزكية لشهداء الإمارات الأربعة الذين تبعوا إخوتهم السابقين لهم إلى الشهادة في معركة تحرير الحديدة علامات على طريق النصر القريب، ليتحرر اليمن وأهله وشعبه العربي الأصيل من الكابوس الذي جثم على أنفاسهم طويلاً.
نعيش الليلة تباشير العيد، ومعها نتطلع إلى نصر مؤزر ينهي مأساة إخوتنا في اليمن، سائلين الله عز وجل أن يتغمد شهداءنا الأبرار بواسع رحمته، وأن يجزيهم عنا وعن أمتنا التي دافعوا عنها ببسالة وشجاعة خير الجزاء.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة