الأقليات العرقية نجمة هوليوود في 2018.. لكنها "لحظة وليست أفلاماً"
سينما الأقليات في هوليوود تعود للمشهد بقوة وتحقق إقبالا جماهيريا في 2018 وإيرادات كبيرة
يستحق أن يكون العام 2018، عام حضور الأقليات العرقية في موقع البطولة على شاشات هوليوود، وفي موقع القيادة في كواليس الصناعة فيها، إذ ركزت هذه الأخيرة في مضامين عدد من أفلامها على قضايا تلك الأقليات وناسها، بعد أن كانت حتى فترة قريبة تعد خارج اهتمامات استويودهات هوليوود، باعتبارها خارج منافسة شباك التذاكر وأضعف من أن تستقطب جمهوراً واسعاً.
ولكن في 13 فبراير من هذا العام جاء فيلم "Black Panther" ليطيح بفرضية أن سينما الأقليات العرقية غير جماهيرية، وبالصورة الذهنية المشككة بدور الأقليات في صناعة السينما الأميركية، إذ حقق الفيلم الذي صنعه أمريكيون من أصول أفريقية، وعالج موضوعاً عنهم، أعلى إيرادات أفلام هوليوود في 2018 بـ"1,347,071,259" دولار. وسرعان ما طرحت والت ديزني، في 9 مارس ، 2018 عرض فيلم "A Wrinkle in Time" بإدارة المخرجة إيفا ماري ديفورني التي باتت بدورها أول مخرجة من أًصول أفريقية لفيلم يكسب 100,478,608دولار محلياً.
الأمريكيون من أصول آسيوية لم يتأخروا بدورهم في إثبات حضورهم الفاعل في مشهد هوليوود السينمائي خلال العام 2018، فجاء فيلم " Crazy Rich Asians " لينهي من بوابة Warner Brothers سنوات من تهميش آسيويين في الشاشة الفضية، ويسجل الحضور الأول لفيلم أستديو يركز عليهم من خلال حكاية شابة أمريكية من أصل آسيوي، ترافق حبيبها على سنغافورة لحضور حفل زفاف ولقاء عائلته، وهناك تكتشف أن عائلته من بين أغنى العائلات في سنغافورة، وتشعر بالفارق الطبقي التي لا تكف مواقف الآخرين حولها بتذكيرها به، وسرعان ما تخلص إلى قناعة مفادها أن المال لا يستطيع شراء الحب بالتأكيد، ولكنه يمكن أن يعقد الأمور المتعلقة به.
وتولى الأمريكيون الآسيويون في فيلم "Crazy Rich Asian" مهمة الأدوار القيادية لعملياته الفنية والإنتاجية، فيما شارك ممثلون من جميع أنحاء آسيا في تجسيد شخصياته ليكون بذلك الفيلم الأول من نوعه منذ 25 عاماً، حين أنتجت هوليوود في العام 1993 فيلم "The Joy Luck Club" الذي شهد الحضور الآسيوي ذاته.
وكان الفيلم بدأ عرضه في 15 أغسطس من العام الجاري بتكلفة إنتاجية مقدارها 30 مليون دولار فقط، ليحقق حتى الآن أرباحاً قياسية، إذ بلغت إيراداته 238,648,565 دولار منها 174,496,420 دولار في داخل أمريكا، حاصداً بذلك نجاحاً كبيراً، يفترض صناعه ومؤيدوه بأنه سيمهد الطريق لمزيد من الأفلام التي تتناول قصص الأمريكيين الآسيويين ولإعادة ترتيب صورتهم في الشاشة على نحو أكثر واقعية، فضلاً عن كسر حاجز أدوارهم النمطية في السينما الأمريكية.
نظرياً ربما يكون 2018 "عام التغيير"، على حد تعبير E! news ، في توجهات السينما الأمريكية نحو التنوع، فذلك الأمر تفترضه إيرادات أفلام الأقليات العرقية والتي حقق أثنان منها، هما :"Black Panther" و"Crazy Rich Asians" أرقاماً قياسية في شباك التذاكر، فضلاً عن حصد جوائز وترشيحات في مهرجانات السينما العالمية، وهو الأمر ذاته الذي وجد فيه معدو تقرير التنوع في هوليوود لعام 2018 مثالاً يؤيد توجهاتهم وتوصياتهم لواقع العلاقة بين التنوع والمحصلة النهائية في صناعة الترفيه.
إلا أن واقع الأمر يشير إلى أن هوليوود لن تتعامل مع هذا النجاح إلا بكونه "موضة" أحبها الجمهور ولا تلبث أن تختفي، وبالتالي ستبقى أفلام الأقليات العرقية هي الاستثناء في المشهد السينمائي الأمريكي، وسرعان ما يتصدر الرجال البيض في موقع البطولة واجهة هذا المشهد.
الافتراض السابق قد يبدو مخالفاً لما تفترضه القوى التجارية التي تحكم صناعة السينما في هوليوود؛ والتي تجعل عادة من "شباك التذاكر" عاملاً رئيسياً في تحديد شكل إنتاجاتها، وهذا الأخير أثبت من خلال إيرادات"Black Panther"و"Crazy Rich Asians"أن الجمهور داخل الولايات المتحدة الأمريكية وخارجها متعطش لهذه النوعية من الأفلام، ولكن المسألة مادام تتعلق بالأقليات، لا يمكن حسابها في الولايات المتحدة الأمريكية خارج منطق السياسة، حتى لو كنا نتحدث عن قضية فنية بحتة.
باختصار يشبه الحكم المأمول من احتضان السينما الأمريكية لموضوعات تتعلق بالأقليات العرقية في أمريكا، ذلك الحكم الذي كان مأمولاً من وصول باراك أوباما إلى البيت الأبيض كأول رئيس من أصول أفريقية، إذ عد ذلك مقدمة "لتحول أمريكا"، كما يميل الكثيرون اليوم لاعتبار حقبة "Black Panther"و"Crazy Rich Asians مقدمة لتحول هوليوود، وفي الحالتين كان أصحاب نظريات التحول هذه، يأملون بمستقبل أكثر رحابة للأقليات العرقية. وما حدث لاحقاً في السياسة، نعتقد أنه يصلح لأن يكون سيناريو لما سيحدث في هوليوود لاحقاً، وكلنا يعرف أن هذه الأخيرة ما كانت يوماً بعيدة عن السياسة وكواليسها في الولايات المتحدة الأمريكية.
سيناريو ما حدث في السياسة يكشف كيف انتقلنا من حقبة أول رئيس من الأقليات العرقية إلى حقبة رئيس لم تخل حملته الانتخابية من تصريحات عنصرية تجاه تلك الأقليات، وبعد أن كان الرئيس أوباما لا يكف عند مخاطبة جمهوره، عن ترديد عبارة مارتن لوثر كينغ الشهيرة "لدي حلم"، جاء سلفه ترامب ليخاطب جمهوره بعبارة: "أمريكا أولاً"، وأمريكا المقصود بها هنا هي أمريكا البيضاء لا حاضنة التنوع، هذا ما أوحت به خطابات ترامب ولا نفترضه نحن.
بلاشك الأصوات الانتخابية هي من جلبت الاثنين إلى البيت الأبيض، لكن هذا الأخير لم يعرف سوى رئيس واحد من أصول أفريقية، مقابل 44 رئيساً أبيض، وكذلك- باعتقادنا- سيكون حال شباك التذاكر في هوليوود، فلن يعرف أرقام قياساً لأفلام أبطالها أقليات عرقية إلا في إطار الاستثناء، وبالمناسبة فإن أرقام الشباك خلفها أصوات لا تختلف بتوجهاتها كثيراً عن الأصوات الانتخابية في سباق الرئاسة الأمريكي.
كل ذلك يجعل التوصيف الأدق لما شهده العام 2018 من تحولات استثنائية، هو ما قاله المخرج الأمريكي من أصل آسيوي جون م. تشو عن فيلمه "Crazy Rich Asians: (إنه ليس فيلماً، إنه لحظة) "It’s not a movie. It’s a movement" ، ولا أرى أننا نأخذ تصريح المخرج الصيني خارج سياقه حين نصف فيه حالة احتضان هوليود لأفلام الأقليات أيضاً، فما جرى كان فعلاً مجرد لحظة استثنائية خارج سياق "الاستثنائية الأمريكية"، ألم يكن الرئيس "أوباما" لحظة أيضاً خارج سياقها .