جاء "المؤتمر العالمي للوحدة الإسلامية - مخاطر الإقصاء والتصنيف" بعد إدراك عميق بأن المسلمين قد أثقلتهم التراكمات التاريخية.
في جوار البيت العتيق، أعظم بيوت الله على الأرض، في مكة المكرمة، مكة المشرفة، حيث مهوى قلوب المؤمنين، وحيث الأفئدة ترنو إليها والقلوب تتعلق بقدسيته، وتحت رعاية ملكية كريمة من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود -حفظه الله- عقدت رابطة العالم الإسلامي "المؤتمر العالمي للوحدة الإسلامية - مخاطر التصنيف والإقصاء"؛ في أفق تعزيز الدولة الوطنية وقيمها المشتركة؛ بحضور نخبة متميزة من العلماء وقادة الفكر والمرجعيات العلمية والفكرية في العالم الإسلامي. هذا المؤتمر السامي بعنوانه، المتميز بمقاصده، الهادف بموضوعاته وأبحاثه، النخبوي بحضوره وأطروحاته، جاء برؤية عميقة، ونظرة ثاقبة، يسندها ويسددها الرجل المستنير، معالي الدكتور محمد بن عبدالكريم العيسى أمين رابطة العالم الإسلامي، الذي يسعى من خلال أطروحاته العلمية المتجددة إلى بناء خطاب معتدل منفتح، يعيد الواقعية إلى الخطاب الإسلامي، ويزيل عنه كل غبش وخطل. ويسعى أيضا بجدارة؛ من خلال رابطة العالم الإسلامي، إلى إعادة روح المحبة والسكينة بين المسلمين، وإشاعة التراحم والتآخي، وتقريب وجهات النظر بينهم، وإحياء مبادرات الحوار؛ لتجاوز النزاعات والسجالات السلبية، والسمو بهذا الوعي إلى آفاق جديدة، ترسخ ثقافة التسامح والسلام فيما بينهم، بل نجد معالي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي قد فتح آفاقا جديدة من الحوار والتعاون مع أتباع الأديان والثقافات والفلسفات الروحية؛ لتعزيز القيم المشتركة، وتحقيق السلام والوئام، لا سيما في المؤتمر الكبير، الذي عقده في نيويورك بعنوان "التواصل الحضاري بين أمريكا والعالم الإسلامي" الذي لاقى قبولاً واسعا في الأوساط الغربية والإسلامية بنسختيه الأولى والثانية. وكذلك من خلال زيارات معاليه العلمية والفكرية إلى أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، ولقائه النخب من أصحاب القرار والشخصيات السياسية الفكرية المرموقة.
من محاسن مؤتمر رابطة العالم الإسلامي، التوصية بإصدار وثيقة مكة المكرمة التاريخية، التي تدعو لتشكيل لجنة جامعة، تمثل المكونات الإسلامية؛ لصياغة الميثاق الذي يشمل قواعد الخلاف، ويبين الأصول والثوابت الجامعة بين المسلمين
جاء "المؤتمر العالمي للوحدة الإسلامية - مخاطر الإقصاء والتصنيف" بعد إدراك عميق بأن المسلمين قد أثقلتهم التراكمات التاريخية والنزاعات المذهبية والطائفية والمفاهيم المغلوطة، فجاء هذا المؤتمر مصححا جملة من مفاهيم الصراع والإقصاء.
وتناول المؤتمر محاور مهمة؛ أحدها يتعلق بموضوع الدولة الوطنية. وما لفت انتباهي هي مداخلة معالي العلامة عبدالله بن بيه، رئيس "مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي" رئيس "منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة"، حينما أكد أن مفهوم الوحدة لا يعني بالضرورة أن يكون المسلمون في كيان واحد، ولا يجوز إعلان الحروب وإلحاق الضرر بالناس من أجل ذلك، فالخلافة مثلاً هي "أمر مصلحي وليس تعبدياً". هذه خلاصة نفيسة، يعزز فيها العلامة عبدالله بن بيه مفهوم الدولة الوطنية، ويقطع بها الطريق على جماعات الإسلام السياسي الإرهابية وأيديولوجياتهم المنحرفة، التي تنشر في الأرض فسادا وتخريبا باسم خلافة مزعومة، لهم فيها غايات دنيئة ومطامح خبيثة. فالخلافة ليست ركنا إسلاميا، ولا عبادة نتقرب بها إلى الله، وإنما مرد ذلك إلى المصالح والمفاسد، وأفق الوحدة المنشود لا يمكن أن يكون مبررا لسلب الدولة الوطنية حقها في الشرع والشرعية والمشروعية. فالدول الوطنية في عالمنا الإسلامي اليوم مع اختلاف أشكالها وصورها، هي نظم شرعية لها من المشروعية ما كان للإمبراطوريات الكبرى التي كانت قائمة في التاريخ؛ بناء على قانون المصالح والمفاسد الذي تدور حوله أحكام الشرع، وإنما الوحدة المنشودة هي تآلف القلوب بين المسلمين وتقوية أواصر الألفة، والعمل على دعم مشاريع التقريب والنأي بهم عن سبيل الفرقة والنزاع.
ومن محاسن مؤتمر رابطة العالم الإسلامي، التوصية بإصدار وثيقة مكة المكرمة التاريخية، التي تدعو لتشكيل لجنة جامعة، تمثل المكونات الإسلامية؛ لصياغة الميثاق الذي يشمل قواعد الخلاف، ويبين الأصول والثوابت الجامعة بين المسلمين، ويقرب وجهات النظر، فهذه الوثيقة ستضفي على العالم الإسلامي السكينة والجدية في محاربة الإقصاء والتصنيف، وستبني عهدا جديدا في الحفاظ على روح التعارف والتعددية، وستكون إضافة نوعية في مكتبة المواثيق الإسلامية، التي تعنى بالتعايش والتعددية ومفهوم التسامح.
فمؤتمر "الوحدة الإسلامية -مخاطر التصنيف والإقصاء" بحضوره الكبير من شتى البلدان الإسلامية، وبأطروحاته الجامعة، يؤكد أهمية دور المملكة العربية السعودية الروحي؛ باعتبارها منارة الإسلام والمسلمين، ومهوى أفئدتهم، وملتقى جمعهم. والجهود الإسلامية والإنسانية التاريخية للمملكة العربية السعودية عظيمة؛ بل جبارة بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان آل سعود، حفظهما الله.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة