تجارة الكهرباء.. سوق سوداء جديدة لخزائن مليشيات الحوثي
لم تسقط هدنة اليمن الأكاذيب الحوثية فحسب، إنما كشفت الفساد المهول لقادة المليشيات لا سيما بقطاع الكهرباء الذي أضفت عليه طابعا تجاريا.
في الحديدة (غرب) تحول الصيف هذا العام إلى وجه آخر من الجحيم، إذ تسبب ارتفاع الحرارة بانتشار الطفح الجلدي لدى الأطفال والنساء ووفاة العديد من كبار السن إثر الارتفاع الكبير لأسعار خدمة الكهرباء الخاصة وعبث مليشيات الحوثي في محطات الكهرباء الحكومية.
ويعبث الانقلابيون بـ9 محطات حكومية تصل قدرتها الإنتاجية لنحو 377 ميجاوات تخضع لسيطرتهم، وتقع أكبرها في محافظة الحديدة وهي محطة "رأس كثيب" البخارية التي تصل قدرتها إلى 160 ميجا وات.
ويستغل قادة مليشيات الحوثي هذه المحطات في الإثراء الشخصي والتمويل العسكري للجبهات وذلك بفرض تسعيرة خيالية على تعرفة الكهرباء هي الأغلى في العالم رغم تدفق الوقود بموجب الهدنة الأممية، وفق خبراء.
كما رعت المليشيا على طريق خصخصة الكهرباء على خطى وكلاء إيران في المنطقة، تشيد شبكة طويلة من شركات توليد الطاقة الخاصة التابعة لقياداتها ليصبح هذا القطاع سوق سوداء أخرى وساحة خفية لصراع أجنحتها.
وصادر الحوثيون الدعم الحكومي الذي كان مخصص لخفض فاتورة الكهرباء لدى المواطنين وأضفوا على الخدمة طابع تجاري بحت، إذ قفز سعر الكيلو وات من 7 ريالات إلى 300 و400 ريال في المناطق غير الخاضعة للحكومة اليمنية باستثناء (مدينة الحديدة فرضت 250 ريال لمدة 3 ساعات فقط خلال اليوم).
أما تعريفة الكهرباء لدى الشركات الخاصة فأقرت مليشيات الحوثي تسعيرة جديدة في أبريل الماضي بعد انتظام تدفق الوقود بموجب الهدنة الأممية، وحددت 420 ريال (الدولار الواحد 559 ريال بمناطق الحوثي) للكيلو وات الواحد، لكن التسعيرة في الواقع 500 ريال.
ويعد القيادي الحوثي عبدالغني المداني ذراع المليشيات الأكبر ومشرف قطاع الكهرباء بشقيها الحكومية والخاصة، حيث سعى لفرض سطوته بشكل كلي على الإيرادات وعائدات الإتاوات المفروضة في هذا القطاع.
وعينت مليشيات الحوثي المداني في منصب نائب وزير الكهرباء والطاقة باعتباره أحد القيادات المنحدرة من معقل الانقلاب صعدة أو ما يعرف جناح الصقور الأكثر التصاقا بالحرس الثوري الإيراني.
وتنامي نفوذ الرجل بقوة داخل مليشيات الحوثي ليطيح العام الماضي بوزير الكهرباء والطاقة في حكومة الانقلاب "عاتق عبار"، وتحول مؤخرا لخوض معركة وتنافس محموم مع الوزير الانقلابي الجديد أحمد العليي حول الإيرادات التي تجنى من المحطات الحكومية والخاصة.
ووضع المداني يده على كافة المحطات الحكومية في مناطق الانقلاب وهي محطات "حزيز" ( 130 ميجا) و"رأس كثيب" البخارية (160 ميجا) و"الحالي" (20 ميجا) و"الكورنيش" (8 ميجا) ومحطات "صنعاء" (13 ميجا) ومحطاتي "ذهبان" (46 ميجا).
وبحسب مصدر خاص لـ"العين الإخبارية"، فإن المداني وضع يده على ما يسمى "صندوق دعم كهرباء الحديدة" الذي سنت له المليشيات قانونا وخصصت له 5 ريالات عن كل طرد و8 ريالات عن كل لتر من الوقود التي تدخل عبر موانئ الحديدة الثلاثة وتجني منه مليارات الريالات سنويا.
وأضاف أن المداني يقوم بالإشراف على عقد صفقات شراء وقود الكهرباء، بحيث تتخذ غطاء لاستيراد النفط لتجار الوقود الحوثيين لكنه في الوقع يعود ويبرم صفقات لشراء المازوت والديزل من السوق السوداء ليحصل مقابلها ملايين الريالات شهريا.
ويصنف عبدالغني المداني بأنه ذراع الحوثيين في قطاع الكهرباء ويرتبط بشكل وثيق بالقيادي الحوثي "حسن الصعدي"، وهو خزان الأموال المنهوبة، الذي منحه زعيم المليشيات حق السيطرة على السوق السوداء للوقود وصناديق الجبايات والمؤسسات الإيرادية.
وحول الرجل قطاع الكهرباء من مؤسسة خدمية بالدرجة الأولى، إلى مصدر لتمويل الخزينة الحربية واستغلالها لأغراض شخصية للإثراء فضلا عن ابتزاز الأمم المتحدة للضغط لإدخال سفن الوقود والمزايدة السياسية.
وجه آخر من استغلال إمكانيات مؤسسة الكهرباء، يتمثل بتأجير شبكات ومولدات الكهرباء الحكومية لشركات التوليد التجارية وبيع التيار الساخن إلى ملاك المحطات الخاصة.
ووفقا لمصدر مسؤول في وزارة الكهرباء اليمنية لـ"العين الإخبارية" ، الحوثيون يجنون عائدات مالية ضخمة دون أي فاقد أو تراكم لمديونية المشتركين بفعل تأجير إمكانيات المؤسسة الحكومية وبيع التيار لملاك المحطات الخاصة وهم يبيعونه بأسعار مضاعفة للمواطنين والمحال التجارية.
وأشار إلى أن ذلك ساهم في هيمنة جناح التجار من ملاك الشركات الخاصة المنحدرين من صعدة والذي يقوده عبدالغني المداني ليسيطر على قطاع الكهرباء على حساب منافسين آخرين يتبعون قيادات أخرى.
وأوضح المصدر أن أحد أكبر النافذين الحوثيين المالكين لمحطات الكهرباء الخاصة هو القيادي الحوثي "محمد المراني" المالك في مدينة الحديدة فقط 6 محطات تصل قدرتها التوليدية مجتمعة 18 ميجا وات.
وكشف المصدر أن عدد الشركات الخاصة في القطاع الكهربائي التي شيدها الحوثيون في السنوات الأخيرة وصلت فقط في محافظة الحديدة إلى 90 محطة تجارية وأكثر من ذلك في صنعاء.
وعن مصير الأموال التي تذهب إلى ما يسمى "صندوق دعم كهرباء الحديدة" الذي شيدته عام 2017، قال مصدر آخر وهو مسؤول في مؤسسة كهرباء الحديدة لـ"العين الإخبارية"، إنهم لم يتلقوا أي دعم من الحوثيين منذ إنشاء هذا الصندوق الذي يديره المداني.
وقدر المصدر الأموال التي تدخل "صندوق دعم كهرباء الحديدة" بـ 30 مليون ريال يوميا من الموانئ الثلاثة، فيما جنى الحوثيون أكثر من 3 مليارات ونصف فقط من سفن الوقود الذي دخلت بموجب الهدنة الأممية لصالح دعم الكهرباء وذلك خلافا لرسوم الجمارك المخصصة للرواتب.
كما نهب الحوثيون أكثر من 4 مليارات و800 مليون بغطاء إنشاء محطة توليد كهربائية في الفحم بمنطقة "رأس عيسى" شمال الحديدة، وفقا للمصدر ووثيقة أخرى حصلت عليها "العين الإخبارية".
وتغطي مدينة الحديدة 30 ميجاوات فقط من الكهرباء الذي تعد ضرورة ملحة للعيش، لكن مليشيات الحوثي لم تكتف بالمتاجرة بمعاناة سكان المحافظة ونهب إيراداتها وإنما حولت الكهرباء غطاء لابتزاز المنظمات الدولية.
حيث نهب الحوثيون الدعم المقدم من منظمات العون الدولية، لتوفير الطاقة إلى المستشفيات والمؤسسات الحكومية وأبرموا لاحقا عقود معها بالقوة كمنظمة اليونيسيف وذلك بغطاء إيصال التيار الكهربائي لمؤسسة المياه في الحديدة.
وفي تصريح لـ"العين الإخبارية"، قال المحلل الاقتصادي اليمني فارس النجار إن مليشيات الحوثي سعت لخصخصة الكهرباء رغم العائدات المالية الكبيرة التي تحصل عليها حيث لم تقم بأي صيانة للمحطات الحكومية الخاضعة لسيطرتها.
ولفت إلى أن ما تقوم به مليشيات الحوثي عبارة عن استثمارات لمولدات كهربائية ملاكها يتبعون الجماعة الإرهابية وتبيع الكهرباء بأضعاف مضاعفة عن سعرها الطبيعي والمواطنين.
وأكد أن مليشيات الحوثي استطاعت خلال شهرين فقط من الهدنة من الحصول على 3 مليارات ونصف المليار من الدعم المخصص لصالح الكهرباء في الحديدة.
وأضاف أن الحديدة تموت وتعيش وضع مرير بفعل عدم قدرة السكان على دفع المبالغ المهولة لتسعيرة الكهرباء الباهظة، مشيرا إلى استمرار مليشيات الحوثي في تشيد اقتصاد موازي في مختلف القطاعات دون اكتراث بالبنية التحتية للدولة والمحطات الحكومية التي تحتلها.
يشار إلى أن مليشيات الحوثي بدأت بتشغيل المحطات الحكومية 2018 فعليا وبشكل كلي واستهدفت توليد أكثر من 200 ميجا وات يوميا لكنها تزعم بوسائل إعلامها أنها لا تنتج سوى 80 ميجاوات وتتحجج بعدم وجود الوقود.