قادة الحوثي "مجرمو حرب".. قانونيون يضعون آليات فرض العدالة الدولية
مع تصاعد خطورة جرائم الحوثي في اليمن والسعودية ومؤخرا دولة الإمارات، لم يعد مصير ملاحقة "قادة الموت" بالمليشيات يخص دولة بعينها.
وبموجب القانون الدولي العرفي، يمكن لعدة دول ملاحقة القادة الحوثيين المسؤولين عن الهجمات المباشرة ضد المدنيين والهجمات العشوائية والتدرع بالمدنيين واتخاذ الرهائن واعتقال الصحفيين وزرع الألغام وتجنيد الأطفال وسياسة العقاب الجماعي.
لكن ثمة آليات قانونية تلزم اتباعها لملاحقة ومحاكمة قيادات مليشيات الحوثي وإحالة جرائمهم إلى المحكمة الجنائية الدولية لضمان العدالة وللانتصار للضحايا المدنيين والقصاص من مجرمي حرب ارتكبوا كل الانتهاكات الجسيمة وجرائم الإرهاب الدولي.
وفي هذا التقرير تقدم "العين الإخبارية" من خبراء في القانون الدولي إطارا عن الآليات والطرق لمحاكمة قادة مليشيات الحوثي، وحمل مجلس الأمن على إحالة جرائمهم إلى محكمة الجنائية الدولية باعتبار أن اليمن ليس دولة طرفاً في نظام روما المنشئ للمحكمة.
شروط الملاحقة
خبير القانون الدولي المستشار القانوني اليمني، توفيق الشعبي، قال إن الملاحقة الجنائية دوليا لها آليات وشروط معينة، أحدها ضرورة استنفاد طرق التقاضي الوطنية للبدء في الملاحقة أو المحاكمة الدولية.
كما أن "هناك جرائم وانتهاكات خطيرة توجب خضوع مرتكبيها سواء جهات أو أفرادا للملاحقة الدولية عند تعثر أو تعذر إمكانية تحقيق المساءلة الجنائية لمرتكبي الانتهاكات الجسيمة وفقا للآليات الوطنية"، وفقا للشعبي في حديث لـ"العين الإخبارية".
وأشار إلى أن النظام الأساسي لمحكمة الجنايات الدولية أوضح الآليات التي يتم وفقها الملاحقة الجنائية لمرتكبي الانتهاكات الخطيرة والجسيمة للقانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان، ويشترط وجوب مصادقة الدولة على اتفاقيات إنشاء المحكمة الجنائية الدولية.
لكن هناك طرقا يمكن من خلالها الوصول لملاحقة جنائية لمليشيات الحوثي عبر مسار مجلس الأمن أو عن طريق دولة أخرى مصادقة لمنشأ المحكمة الجنائية الدولية، إذ وجدت أن ما يرتكب من انتهاكات باتت تهدد الأمن والسلم الدوليين، وفق الشعبي.
وأكد المستشار القانوني أن مليشيات الحوثي لم تدع جريمة ولا فعل يشكل انتهاكات جسيمة إلا وارتكبته بحق المدنيين والأعيان المدنية، إشارة إلى استيفائها كل الشروط للملاحقة الدولية.
كما أن "استهدافها مؤخرا للمطارات المدنية بالصواريخ الباليستية يشكل جرائم ذات طابع إرهابي تستدعي الملاحقة الجنائية الدولية لهذه الجماعة وعناصرها"، حسب المصدر ذاته.
الآليات الوطنية
وتشكل الآليات الوطنية الركيزة الأولى نحو تحقيق العدالة وملاحقة قادة الإرهاب الحوثي، وذلك عبر القضاء اليمني، واللجنة الوطنية للتحقيق في ادعاءات حقوق الإنسان، وضغط الحكومة اليمنية ومنظمات المجتمع المدني في المحافل الدولية.
وبحسب الشعبي فإن ما اتخذه القضاء اليمني من إجراءات قضائية ومحاكمات تتم وفقا للقوانين الوطنية في المحاكم الداخلية.
وكشف، في حديث لـ"العين الإخبارية"، عن قيام المحاكم الجزائية المتخصصة بمكافحة الإرهاب بالنظر في العديد من الجرائم التي ارتكبت من قبل مليشيات الحوثي ومسلحيها بحق المدنيين والأعيان المدنية.
كما تنظر في جرائم مليشيات الحوثي التي تخص خروجها عن النظام والقوانين النافذة، وفقا للخبير القانوني اليمني.
وبشأن الآليات الأخرى، أشار إلى أن اللجنة الوطنية للتحقيق في ادعاءات انتهاكات حقوق الإنسان في اليمن تعد إحدى أهم الآليات الوطنية المستقلة ذات الطابع الدولي التي لها ولاية التحقيق في الانتهاكات الحوثية.
ونبه إلى أن هذه الآلية تشكل رافدا نوعيا للآليات الوطنية التي تمثل حماية لحقوق الإنسان وتجسد طريق الانتصاف والانتصار للضحايا في مواجهة الانتهاكات وجرائم مليشيات الحوثي.
ولفت إلى أن اللجنة الوطنية للتحقيق في ادعاءات انتهاكات حقوق الإنسان في اليمن أثبتت فاعليتها ولاقت دعما وتأييدا دوليين كان آخرها الدعوة التي وردت في تقرير لجنة الخبراء بشأن البلاد التابعة لمجلس الأمن.
وبالرغم من ذلك فما زالت اللجنة الوطنية بحاجة لجهود كبيرة وحثيثة وتطوير في آليات وأدوات وطرق العمل لتعزيز دورها كآلية وطنية ذات فاعلية وشمول لتحقيق الانتصاف وملاحقة مرتكبيها، وفقا للمستشار القانوني.
وحول الأدوار التي تقع على الحكومة اليمنية ومنظمات المجتمع الدولي، أوضح الشعبي أنها معنية بشكل كبير في رصد وتوثيق وإعداد الملفات القانونية للانتهاكات بشكل دقيق وإيصال صوت الضحايا إلى المحافل الدولية المعنية بملاحقة مرتكبي الانتهاكات.
وقال إن الآليات الدولية تتطلب إيصال هذه الانتهاكات بشكل قانوني ومعلومات مستوفاة وواضحة ودقيقة موثقة ومعززة بالأدلة بالتزامن مع التحرك الدبلوماسي الرسمي والمدني لتفعيل قنوات وآليات التواصل والحماية وصولا لمحاكمة قادة المليشيات.
مساران للملاحقة.. محاكم خاصة
لسنوات طوال، انتهك الحوثيون بشكل وحشي وغير مسبوق لأي تنظيم أو مليشيات مبدأ "حصانة المدنيين" و"التمييز"، حيث يفرض القانون الدولي الإنساني التمييز في جميع الأوقات بين الأهداف العسكرية والمدنية.
وبحسب خبير القانون الدولي، مختار الوافي، فإن الهدف الأسمى الذي يقوم عليه القانون الدولي الإنساني هو حماية غير المقاتلين والأعيان المدنية ووضع قواعد وأصول للحرب وحماية بعض الفئات الضعيفة أثناء النزاعات المسلحة مثل الأطفال والنساء.
كما يضع قواعد خاصة تجرم انتهاك حقوق هذه الفئات مثل استخدام الأطفال في الأعمال العسكرية مجندين أو مرشدين لأي أعمال أخرى وكذا قصف أماكن المدنيين بمن فيهم الأطفال والنساء وزراعة الألغام التي غالبا ما يكون ضحاياها من الأطفال والنساء، وفقا للوافي.
وأوضح أمين عام المركز القانوني اليمني أن قواعد القانون الدولي الإنساني مدونة في اتفاقيات جنيف الـ4 لعام 1949، والبروتوكولات الخاصة لعام 1977، حيث انتقل القانون الدولي الإنساني نقلة نوعية بإنشاء المحكمة الجنائية الدولية ووضع نظامها الأساسي.
وتتصف إجراءات محاكمة مجرمي الحرب بشيء من التعقيد، إذ جعل القانون حق تقديم الشكوى لا يكون إلا من النائب الخاص في المحكمة الجنائية الدولية أو بإحالة إليها من مجلس الأمن الدولي وتتطلب الإحالة إجماع الدول دائمة العضوية، وفقا لخبير القانون الدولي.
ولكن الحرب باليمن والانتهاكات المرتكبة من قبل مليشيات الحوثي بحسب الوافي في تصريحات خاصة لـ"العين الإخبارية"، يمكن محاكمة مرتكبيها بآليات مختلفة وذلك عن طريق المحاكم الوطنية أو عبر محاكم خاصة يتم إنشاؤها من قبل مجلس الأمن الدولي.
وطبقا للخبير القانوني، فهناك مسار آخر عبر ضغط الجهات الحكومية والمنظمات الفاعلة على مجلس الأمن لإحالة انتهاكات مليشيات الحوثي إلى المحكمة الجنائية الدولية لا سيما أن مجلس الأمن قد شكل فريق الخبراء المعني بالنزاع في اليمن.
وأضاف أن "فريق الخبراء المعني باليمن المنشأ بقرار مجلس الأمن 2014 أصدر العديد من التقارير الدولية التي فندت وبالتفصيل انتهاكات مليشيات الحوثي بحق الطفولة وتجنيدهم وغيرها من جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية".
ووفقا للوافي فإن ما ورد في تقارير الخبراء تعتبر أدلة أولية يمكن لمجلس الأمن من خلالها إحالة مرتكبي تلك الانتهاكات إلى المحكمة الجنائية الدولية أو "إنشاء محاكم خاصة ثم عند المحاكمات يتم التحقق من صحة ما ورد فيها وسماع الأدلة"، على حد قوله.
جرائم الطفولة.. ملف خطير
بمقتضى قوانين الحرب يعتبر تجنيد أو استخدام الأطفال تحت سن 15 عاماً من قبل مليشيات الحوثي جريمة حرب، يتحمل قادة الانقلاب مسؤوليتها الجنائية.
جريمة واحدة ضمن سجل غارق بالانتهاكات تُذكر بها الحكومة اليمنية دائما، كان آخرها على لسان وزير الإعلام اليمني معمر الإرياني والذي طالب المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمبعوثين الأممي والأمريكي بممارسة ضغوط حقيقية على مليشيات الحوثي لوقف تجنيد الاطفال واستخدامهم في العمليات العسكرية.
كما طالب المسؤول اليمني بالعمل على إدراج مليشيات الحوثي في قوائم الإرهاب الدولية، وملاحقة "ومحاكمة قياداتها في محكمة الجنايات الدولية باعتبارهم مجرمي حرب".
وأشار الإرياني إلى تجاهل العالم هذا الملف الخطير رغم تحذيرات حكومة بلاده المبكرة من سعي مليشيات الحوثي الإرهابية لخلق جيل من المتطرفين المفخخين بشعارات الكراهية للآخر، وثقافة الموت والقتل، وتجهيزهم كقنابل موقوتة تدار من قبل الحرس الثوري الإيراني وحزب الله الإرهابي لتنفيذ سياسات النظام الإيراني التدميرية وتهديد حاضر ومستقبل اليمن والمنطقة والعالم.