لغم حوثي يحرم "زكريا" من كرة القدم.. البراءة بقدم واحدة
حينما كان زكريا يتقاذف الكرة بقريته الريفية بمديرية الوازعية غرب محافظة تعز اليمنية، لم يدر بخلده أن لغما حوثيا سيسلب البراءة منه.
يروي الطفل زكريا محمد سعيد (14 عاما) اللحظات التي سبقت الانفجار القاتل: "كنت أعيش أجواء جميلة ذات صباح، ألهو بكرة صنعتها من بقايا أكياس النايلون، وكنت أقذفها في الهواء أثناء رعي الأغنام على رابية مليئة بالحشائش، لكن وللحظات لم أتوقعها علا صوت انفجار يصم الآذان وخلف سحابة من الأتربة والغبار حولي".
يقول زكريا لـ"العين الإخبارية": "كنت مندهشا من تلك القوة التي قذفت بي في الهواء كل تلك المسافة ثم طرحتني أرضا، وفي لحظات كانت الأكثر رعبا، شاهدت الدماء وهي تتدفق من قدمي اليمني".
ويضيف: "كما كانت الجروح الكبيرة التي بدت مفتوحة تنضح بالدماء، كانت لحظات مخيفة لم أقوى على تحملها رغم أنني لم أكن أشعر بالألم حينها".
كان الانفجار قويا، وتردد صداه في أرجاء البلدة الريفية، هرع السكان القريبين بدافع الفضول لمعرفة ما حدث، وكانت صدمتهم قوية حينما شاهدوا طفل يغرق في دمائه، وفاقدا للوعي تماما.
اعتقدوا في البداية أنه فارق الحياة لكن النبض كان ما يزال يشير إلى أنه ما يزال حيا، نقلوه على وجه السرعة إلى المستشفى الجراحي التابع لمنظمة أطباء بلا حدود في مديرية المخا الساحلية، كان ذلك مطلع العام 2020، وفي المستشفى تم إيقاف النزيف، وتعويض الدماء التي فقدت، كما أجريت له العمليات الجراحية التي أبقته على قيد الحياة".
يتابع زكريا: "عندما استعدت الوعي في اليوم التالي، قالوا لي إن لغما حوثيا انفجر في قدمي، لا أعلم ما هو اللغم، لكنني شعرت أنه دمر حياتي. في الواقع حطم مستقبلي، حينما تشاهد أنك أصبحت بلا قدم فذلك يجعلك تشعر بالقهر، بدون قدمي لا يمكن أن تكون حياتي سعيدة".
"كانت أكثر تساؤلاتي لحظتها كيف سأتمكن من السير مجددا"، يقول ذلك الطفل وهو يستعيد لحظاته الحزينة، وكيف سيتقبل المجتمع وضعه بعدما أصبح معاقا: "لقد كنت أشعر بحسرة كبيرة من الوضع الذي سأواجهه بل ما سأعاني منه مستقبلا".
طيلة 7 أشهر من الآلام والحسرات، ظل يتلقى العلاج من آثار الانفجار القاتل داخل المستشفى الجراحي بالمخا، وأكثر ما أبطأ التعافي كانت الجروح التي تشكلت إثر انغراس عشرات الشظايا بكافة أنحاء جسده، لقد لوثتها القطع المعدنية الصدئة، واحتاجت إلى وقت أطول للتعافي.
تحدي الدراسة
غادر زكريا المستشفى، ومنح عكازين لمساعدته على السير، وحينما بدأ العام الدراسي قبل أشهر قرر العودة إلى المدرسة، وكان عليه أن يهيئ نفسه للنظرات التي لا تروق له من زملائه حسب ما قال.
يدرس زكريا حاليا في الصف الخامس من التعليم الأساسي، لكنه لا يبدو سعيدا لوضعه، إذ أن قسمات وجهه المتجهم تشير إلى ذلك بوضوح، فالمسافة التي يريد قطعها من منزله إلى مدرسته الواقعة في تل مجاور، تشكل عائقا أمام رغبته بالتأقلم مع الحياة الجديدة.
ومن أجل أن يصل في الوقت المحدد لبدء الحصة الأولى، ينبغي عليه أن يذهب بوقت مبكر حتى تتساوى الفترة التي يحتاجها لتجاوز تلك المسافة مع زمن بدء اليوم الدراسي، وتلك وسيلته الوحيدة للوصول بالوقت المحدد.
يقول زكريا في لحظات حزن: "لقد حطم اللغم الحوثي حياتي، دمر مستقبلي، فعلاوة عن الخطوات البطيئة التي تساعدني العكازتين على إتمامها، فإنني لن أكون قادرا على العمل بالمستقبل".
ويسأل في ختام حديثه لـ"العين الإخبارية": "هل سأبقى عالة على أسرتي، أُريد أن أعود إلى حياتي السابقة، أقفز وأمارس هوايتي المفضلة باللعب دون الحاجة إلى هكذا عكاز".