أودية الموت.. فخاخ الحوثي تقتل مزارعي اليمن وأراضيهم بدماء باردة
حولت مليشيات الحوثي العديد من الأودية إلى حقول ألغام في مناطق الساحل الغربي لليمن والتي تصنف باعتبارها الأكبر على مستوى البلاد.
من بين المناطق التي فخخت، كان وادي "الرمة"، وهو وادٍ شهير بزراعة المحاصيل النقدية يقع شمال شرق المخا التابعة إداريا لمحافظة تعز، جنوبي البلاد، إذ حولته المليشيات الانقلابية المدعومة إيرانيا من وادي زراعي خصيب إلى صحراء قاحلة.
يتشارك مع "الرمة" المصير ذاته عشرات الأودية الزراعية أبرزها بلدة "العمري" بمديرية "ذو باب" الواقعة غربي تعز ، والتي لازالت ملوثة بأدوات الموت الحوثية حتى اليوم.
- "موت النخيل".. حرب الحوثي تحرق "سلة غذاء اليمن"
- جباية الحوثي تحاصر أقوات الفقراء.. من ينقذ مزارعي اليمن؟
موت على جنبات الطريق
يشق طريق ترابي للسيارات وسط كثبان رملية في وادي "الرمة"، فيما وضعت على جانبي الطريق علامات صبغت بالألوان الحمراء والبيضاء، لمنع السائقين من تجازوها حتى لا تصل إطارات سياراتهم إلى لغم ضمن حقل ألغام ضخم، قيل بحسب تقديرات سكان تلك البلدة أنه يحتوي على آلاف الألغام الحوثية.
تتيح إشارات الأحجار الملونة للسائقين بتقدير مدى الخطر الذي يكمن خلفها، وهي علامة تحذير بعدم تجاوز تلك الإشارات التي وضعها المركز الوطني اليمني لنزع الألغام في وادي "الرمة"، أحد أشهر الأودية الزراعية في المديرية المطلة على البحر الأحمر.
خلال سيرنا بالسيارة في هذا الطريق، كان "سليم المرادي" وهو أحد أعيان المنطقة، حريصا على تكرار تنبيهنا من أن تجاوز إطار المركبة التي يقودها لتلك الإشارات تعني الموت، كما حدث لبضعة سائقين، يقولها المرادي محذرا من الإقدام على تلك الخطوة في حال عبرنا بمفردنا تلك الطريق مرة أخرى.
ولا يوجد طريق آخر لاجتياز وادي "الرمة" غير تلك الطريق التي قام البرنامج الوطني لنزع الألغام بمسحها من أدوات الموت الحوثية لإتاحة المجال للسكان باجتياز الوادي الذي يمتد من بلدة "الشاذلية" شمال شرق المخا، إلى بلدة "حسي سالم" جنوب غرب المديرية ، ويقع على بعد 20 كم من المدينة التاريخية.
الفقر والحشائش
تحول وادي الرمة، من وادي شهير يزرع مختلف المحاصيل النقدية، إلى وادي متصحر نبتت فيه الأشجار والحشائش، بعدما هجرته غالبية الأسر التي كانت تمتهن الفلاحة، وانتقلت للعمل في مناطق أخرى، فيما البعض من الفلاحين استسلم لبراثن الفقر ، بعدما فقد أرضه الخصبة ومحصولها الوفير.
يتحسر المزارع اليمني " فؤاد سالم" ، على خسارة العديد من زملائه المزارعين أرضهم التي كانت تمثل لهم قبل أعوام مصدرا جيدا للدخل إلى حد أنهم انكفأوا على العمل دون الحاجة إلى السفر لدول أخرى لطلب الرزق، قبل أن يجتاحهم خراب الحوثي.
يقول سالم لـ" العين الإخبارية"، كانت أرباح البعض منهم تصل إلى 10 ملايين ريال في الموسم الواحد، كنا نعيش عيشة الملوك، نزرع أرضنا ونبيع منتجاتها على مشترون يأتون إلى هنا، لكن الوضع تغير، بعدما قدمت مليشيا الحوثي، وزرعت الألغام وسط الحقول الزراعية.
ويقدر سالم عدد الأسر التي كانت تمتلك مزارع في هذا الوادي بنحو 150 أسرة وجميعها خسرت كل شيء، وتحولت بين عشية وضحاها إلى أسر فقيرة، تبحث عما يكفيها من الغذاء، باستثناء القليل منها والتي استفادت من إحدى برامج نزع الألغام لتطير حقولهم الزراعية في منطقة الشاذلية لتعود إلى فلاحتها.
كان الوادي يزرع مختلف المحاصيل النقدية من "الطماطم" إلى "الفلفل الحار" ، "الكوسة"، "البامية"، "العتر"، "البقدونس"، و"الحبوب"، كل شيء كان قابلا للزراعة، وكانت أكثر المزروعات شهرة في هذا الوادي، "البصل" و"البطيخ"، نظرا لخصوبة تربته وغزارة المياه الجوفية بل وعذوبتها.
شبكات ألغام معقدة
يقول فؤاد سالم وهو مزارع في هذا الوادي، لـ" العين الإخبارية"، بالنظر إلى كثافة الألغام التي زرعت والشبكات المتفجرة المعقدة، عمل فريق تابع للبرنامج الوطني لنزع الألغام فتح طريقا وحيدا لعبور المواطنين بين التجمعات السكنية التي تقع في أطراف الوادي.
يشير سالم إلى أن الطريق الضيقة التي يسلكها الأهالي ووضع على جنباتها إشارات تدل على الألغام عادة ما أجبرت البعض من السائقين على اقتطاع نصف متر في تجاوز يمتد إلى خلف هذه الإشارات من أجل إفساح المجال لسيارة قادمة بالعبور، لكن تلك الخطوة كانت قاتلة، إذ تسببت في انفجار ما يقارب من 5 مركبات في فترات متباعدة، وسقوط عشرات الضحايا.
ويتخوف سائقو المركبات الذين يسيرون بحذر في ذلك الطريق الذي يشق الوادي إلى الجهة الأخرى، من أن عوامل الطبيعة من سيول الأمطار والرياح القوية، قد تحرك تلك العلامات من أماكنها ، مما يغير من المسار الذي وضعت من أجله.
ويؤكدون إن انفجارات الألغام كانت تحدث بشكل يومي، إذ أن الأسر البالغ عددها نحو 150 أسرة، حاولت بعضها العودة دون أن تدرك أن أراضيها و الدروب التي كانت تسير عليها، أصبحت مفخخة.
وبالنسبة إلى "فؤاد" فإن بعض الأسر بعد أن طالت بها فترة النزوح وما عانت منه من فقدان مصادر الدخل، قررت العودة إلى الحقول التي كانت تزرع فيها مختلف الأصناف النباتية، لكنها كانت عودة إلى الموت.
ويوضح أن بلدة "الرمة" الزراعية زرعت بالألغام إلى حد أنها تحتوي على شبكات يصعب نزعها، وأن الألغام المزروعة بشكل مكثف، لم يسلم منها خبراء نزع المتفجرات، إذ وقع انفجارين أحدهما بسيارة أصيب خلالها مهندسين اثنين، وانفجار آخر أصيب خلاله مهندسا أثناء محاولته نزع لغم حوثي.
ويصعب التحقق من حوادث الألغام نظرا لعدم وجود مؤسسات تعمل على رصد وتوثيق تلك الحوادث فيما تقدر تقارير رسمية أعداد الضحايا بـ1200 مدني ممن قضوا في حوادث الألغام بالساحل الغربي لليمن.
الألغام تحصد المواشي
ليس المزارعين وحدهم ممن خطفت أرواحهم ألغام الحوثي، إذ تحصد أيضا مواشيهم من الأغنام والأبقار والأبل.
يقول سليم المرادي لـ" العين الإخبارية"، إن البشر لم يكونوا وحدهم من دفع ثمن الإجرام الحوثي، بل الحيوانات التي كان لها نصيب وافر من تلك الجرائم وتعرضت للألغام الحوثية.
يشير المرادي إلى أماكن وقعت فيها حوادث انفجار ألغام لا تبعد كثيرا على الممر الآمن، لمواشي وقعت في فخاخ الموت الحوثي التي زرعت بطريقة عشوائية، ولهذا فإن معرفة خريطة الألغام تبدو مستحيلة.
وفي مديرية ذو باب الواقعة غرب محافظة تعز وتطل على البحر الأحمر، ما تزال أودية عدة مليئة بفخاخ الحوثي لعل أشهرها منطقة العمري.
إذ تسبب قيام زراعة المليشيات المدعومة من إيران بزراعة منطقة العمري بهجرة السكان وعدم عودتهم إليها منذ اندلاع الحرب التي أشعلتها مليشيات الحوثي.
وتقول عبادة عسيلو إحدى العاملات ضمن فريق توعوي بخطورة الألغام لـ" العين الإخبارية" إن جميع الأسر غادرت ولم تعد إلى "العمري" بسبب كثافة الألغام.
تضيف أن الأودية الزراعية في تلك المنطقة أصبحت ملوثة بالألغام وليس بمقدورهم العودة إليها إلا بعد تطهيرها تماما.