كيف تتحكم غازات الاحتباس الحراري في حرارة الأرض؟
تصف هيئة الإدارة الأمريكية للملاحة الجوية والفضاء (NASA) الغلاف الجوي بأنه "كعكة متعددة الطبقات".
يتكوّن الغلاف الجوي من 5 طبقات، تمتد من سطح الأرض إلى 10 آلاف كيلومتر تقريباً، ويتكوّن من عدة غازات، بنسب مختلفة، أبرزها: الأكسجين والنيتروجين، اللذان يشكلان نحو 99% من الغازات، أما عن نسبة الـ1% المتبقية؛ فهي تضم عدداً من الغازات الأخرى، على رأسها غازات الاحتباس الحراري، منها: ثاني أكسيد الكربون والميثان وثاني أكسيد النيتروز ومركبات البيروفلوروكربون ومركبات الهيدروفلوروكربون وسداسي فلوريد الكبريت وبخار الماء وغاز الأوزون.
وتساهم غازات الاحتباس الحراري هذه في تحديد درجة حرارة الأرض على مدار الزمن الجيولوجي، حتى إنّ أي تغيّر -ولو كان بسيطاً- في تركيزاتها، قد يتسبب في خفض متوسط درجات حرارة الأرض إلى (18-) درجة مئوية أو رفعها في ظاهرة تسمى بـ"الاحتباس الحراري" أو "تأثير المنزل الزجاجي".
تأثير المنزل الزجاجي
يُشبه العلماء ظاهرة الاحتباس الحراري بـ"تأثير المنزل الزجاجي"، والمنزل الزجاجي، هو عبارة عن منزل مصنوع من الزجاج، ومغلق بشكل محكم، تُزرع فيه النباتات، وتدخله أشعة الشمس؛ لتدفئة الهواء والنباتات في الداخل، ما يعزز نموها.
ظاهرة الاحتباس الحراري
عند مقارنة وضع المنزل الزجاجي بطبيعة الأرض، نجد الغلاف الجوي، يحيط بسطح الأرض، ويضم مجموعة من غازات الاحتباس الحراري، في فترات النهار، ترسل الشمس أشعتها، وتمد الأرض بالحرارة اللازمة لتعزيز العمليات الحيوية، وبحلول الليل، تذهب الشمس بالأشعة، وكذلك الحرارة، وهنا يأتي دور غازات الاحتباس الحراري التي تمتص تلك الحرارة؛ لتحتفظ بها الأرض، ما يجعل الأرض أكثر دفئاً، وظروفها مناسبة لبقاء الكائنات الحية على قيد الحياة. ومن هنا جاء اسمها، إذ تعمل على حبس الحرارة.
لكن، إذا زادت مستوياتها؛ فهذا يعني أنّ الأرض ستحتفظ بكميات أكبر من مستوى الحرارة المطلوب، ما يؤدي إلى ارتفاع درجة الحرارة. وعلى الصعيد الآخر، إذا قلّت مستويات الغازات الدفيئة، تقل كمية الحرارة التي يمكن للأرض الاحتفاظ بها، ما يزيد البرودة. وهذا يعني أنّ غازات الاحتباس الحراري تلعب دورًا محوريًا في ضبط الحياة على سطح الأرض. لنتعرف على هذه الغازات.
مفتاح إبطاء تغير المناخ العالمي: غازات الاحتباس الحراري الرئيسية
هناك العديد من غازات الاحتباس الحراري، والتي تتسبب الأنشطة البشرية في رفع تركيزاتها، أبرزها:
غاز ثاني أكسيد الكربون (CO2)
في الظروف الطبيعية، يعمل غاز ثاني أكسيد الكربون على حفظ توازن درجة حرارة الأرض، عن طريق حبس الحرارة، ما يجعلها أكثر دفئًا، وإذا قلت نسبته؛ يحصل خلل في توازن الحرارة. أما إذا زادت، يرتفع متوسط حرارة الأرض.
لكن في ظل الوضع الراهن، تنطلق كميات كبيرة منه في الغلاف الجوي؛ بسبب حرق الوقود الأحفوري، مثل: الفحم أو النفط أو الغاز الطبيعي. بالإضافة إلى النفايات الصلبة والمواد البيولوجية والأشجار وإنتاج الأسمنت.
غاز الميثان (CH4)
يساهم الميثان في تكوين طبقة الأوزون التي تحمي الأرض من الأشعة الكونية الضارة. لكن في ظل الممارسات البشرية، يحصل خلل في نسبته، وبزيادة كميته في الغلاف الجوي، ترتفع درجات الحرارة؛ فهو مسؤول عن 30% من ارتفاع درجات الحرارة العالمية منذ عصر الثورة الصناعية. وعادةً ما ينبعث خلال إنتاج ونقل الغاز الطبيعي والنفط والفحم، فضلًا عن الماشية والممارسات الزراعية.
ثاني أكسيد النيتروز (N2O)
يُساعد غاز ثاني أكسيد النيتروز في تنظيم مستويات غاز الأوزون في طبقة الستراتوسفير، لكن زيادته عن حد معين، يساهم بقوة في الاحتباس الحراري، ينطلق في أثناء الزراعة واستخدام الأنشطة الأراضي، وفي معالجة مياه الصرف الصحي أيضًا، وكذلك حرق الوقود الأحفوري والنفايات الصلبة، والأنشطة الصناعية الأخرى.
بخار الماء (H2O)
يُحافظ بخار الماء على حرارة الأرض معتدلة، ويلعب دورًا حيويًا في دورة المياه، وبدونه، تستحيل الحياة على الأرض. مع زيادة كميات ثاني أكسيد الكربون والميثان المنطلقان في الغلاف الجوي، ترتفع درجات الحرارة، ما يؤدي إلى زيادة معدل التبخر، وبالتالي ترتفع نسبة بخار الماء في الهواء الجوي.
غاز الأوزون (O3)
يكوّن غاز الأوزون طبقة الأوزون، التي تحمي الأرض من الأشعة فوق البنفسجية وأشعة الكون الضارة، وفي ظل ظاهرة الاحتباس الحراري، تقل نسبته في الغلاف الجوي، ما يفتح الباب لاختراق تلك الأشعة الكونية الضارة للأرض بكميات كبيرة، تؤذي الإنسان والكائنات الأخرى.
الغازات المفلورة
وهي مركبات الهيدروفلوروكربون (HFCs)، ومركبات البيروفلوروكربون (PFCs)، وسداسي فلوريد الكبريت (SF6)، وهي تنبعث من الأنشطة الصناعية والأنشطة المنزلية والتجارية.
من أجل الصحة.. منفعة مشتركة
يتعرض الإنسان للكثير من الأضرار الصحية، نتيجة التغير المناخي الناتج عن رفع مستويات الغازات الدفيئة في الغلاف الجوي، من ضمنها: أمراض الجهاز التنفسي والقلب والأوعية الدموية، بالإضافة إلى حالات الوفاة المبكرة. ولأنّ الحرارة المرتفعة وسط مثالي لانتشار الأمراض المهلكة؛ فلا عجب من غزو الأمراض للغذاء والمياه وأجسام البشر والكائنات الأخرى.
ولأنّ غازات الاحتباس الحراري، أحد العناصر المهمة المرتبطة بالتغير المناخي، فالحد منها بمثابة "مفتاح إبطاء تغير المناخ العالمي"، ويأتي على الإنسان بالنفع.
تذهب دراسة منشورة في دورية "نيتشر كلايمات تشينج" (Nature Climate Change) في سبتمبر/أيلول 2013، إلى أنّ الحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، يمكنها تقليل تلوث الهواء الخارجي، ما يساعد في إنقاذ حياة أكثر من 2 مليون إنسان سنويًا.
وعندما قارن الباحثون بين الفوائد الناتجة عن اتخاذ إجراءات خفض الانبعاثات، وتكاليف الرعاية الصحية الناتجة عن تلوث الهواء نتيجة الانبعاثات، خلصوا إلى أنّ هناك منفعة مشتركة بين إجراءات خفض انبعاثات الغازات الدفيئة وصحة الإنسان.
وأجريت الدراسة بواسطة عدد من الباحثين بقيادة الدكتور جيسون ويست، أستاذ العلوم البيئية والهندسة في كلية جيلينجز للصحة العامة العالمية في جامعة كارولينا الشمالية.
على الرغم من أنّ غازات الاحتباس الحراري تحافظ على حياة كوكبنا الأرض، إلا أنّ زيادتها بأي شكل، قد يسبب خللًا، يأتي على الإنسان وكل المخلوقات الأرضية بالضرر. وبما أنها مفتاح التحكم في الاحترار العالمي، يجب الانتباه لها، واتخاذ الإجراءات اللازمة لحفظ توازنها في الغلاف الجوي.
aXA6IDE4LjExNi44NS4xMDIg جزيرة ام اند امز